صدر هذا الكتاب في مايو2011 م ليقدم بإيجاز تقييما دقيقا حول مستقبل الطاقة النووية والنهضة النووية المقبلة. جاء ذلك من خلال تقييم المخاطر الفنية والاقتصادية والبيئية والسياسية, والاجتماعية المتصلة بجميع جوانب دورة الوقود النووي, من مصانع اليورانيوم والمناجم إلي المفاعلات النووية وقضية المرافق النووية وتخزين الوقود. وفي كل الأحوال, يزعم المؤلف أن تكاليف الطاقة النووية تفوق كثيرا فوائده. ويختتم بالدعوة إلي الاستثمار في الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة ومسارها نحو مستقبل أفضل بأسعار معقولة وآمنة ومقبولة اجتماعيا. يقول سوفاكول مؤلف الكتاب أن احتمال حدوث نهضة نووية عالمية يمكن أن يغير الطريقة التي يتم إنتاج الطاقة النووية واستخدامها في جميع أنحاء العالم. في هذا الشأن يأخذ نظرة فاحصة علي المستفيدين وهم في الغالب من الشركات ومصانع إنتاج الطاقة- والذين سيعانون من تحمل التكاليف الباهظة من دافعي الضرائب, وهؤلاء الذين يعيشون بالقرب من المنشآت النووية, وكذلك مستخدمي الطاقة الكهربائية. وقراءة هذا الكتاب يعطي بعدا هاما حول مستقبل الطاقة المستدامة. ويؤكد أنه يجب أن ينظر الي الأمر من الناحية الفنية, الاقتصادية والبيئية, أو من الناحيتين الاجتماعية والسياسية. ويقول المؤلف بشكل قاطع أن محطات الطاقة النووية الجديدة باهظة التكاليف وتحتاج إلي استثمارات كبيرة, كما أنها تأخذ سنوات طويلة لبنائها, وهي عرضة للتجاوزات في التكاليف, ولكنها تكون قادرة علي المنافسة اقتصاديا فقط عند دعمها بشكل كبير. واستعرض المؤلف التحديات التي تواجه النهضة النووية, كما استعان بمجموعة واسعة من مصادر متعددة التخصصات, لا يشمل فقط مجالات السياسة العامة والاقتصاد ولكن أيضا التقارير الفنية والدراسات من تخصصات الهندسة النووية, والأخلاق, والقانون, والعلوم والتكنولوجيا, والأنثروبولوجيا, وعلم الاجتماع, وعلم النفس. يستعرض الكتاب الأبعاد المتعددة للطرق المستخدمة في إنتاج الطاقة النووية التي لا تعد ولا تحصي. ليس فقط في مجال تكنولوجيا المفاعلات النووية ومستودعات الوقود ولكن أيضا في ممارسات الإنشاء وإيقاف التشغيل إلي جانب مناجم اليورانيوم والمطاحن فضلا عن وحدات ومرافق التخصيب. ويحلل المؤلف شتي القضايا الاقتصادية والفنية المرتبطة بالنواحي البيئية والاجتماعية والسياسية, والثقافية. إن تاريخ الأداء التشغيلي للمفاعلات النووية يظهر زيادة معدل غير مقبولة من الحوادث التي سوف تزداد مع زيادة توليد الطاقة النووية. ومن المرجح استنفاد احتياطيات خام اليورانيوم قبل نهاية العقد المقبل خاصة الاحتياطيات ذات الجودة العالية والتي بالفعل أصبح من الصعب العثور عليها, مما يساهم في ارتفاع وتقلب أسعار الوقود النووي. كما تكون مناجم اليورانيوم في غاية الخطورة بالنسبة للعمال, وأيضا إنتاج المخلفات السامة والغبار المشع التي يتم استنشاقها وابتلاعها من قبل السكان من المناطق المجاورة. إن النتائج المترتبة علي دورة الوقود النووي علي إمدادات المياه وخصوبة الأرض هي نتائج وخيمة, مع خطر تلوث المياه الجوفية بزيادة عنصر التريتيوم ومركبات مشعة أخري, وفقا لأفضل الدراسات العلمية حتي الآن, وتبلغ تكلفة الأضرار الاجتماعية والبيئية كما يقول المؤلف إلي أكثر من220 مليار دولار أمريكي كل عام. كما أن المنشآت النووية أهدافا جذابة للإرهاب, وينتج عنها المواد الخطرة والمشعة التي يمكن استخدامها في صنع اسلحة نووية. وتؤدي الحوادث الناشئة في محطات الطاقة النووية الحالية إلي المزيد من الضحايا, وتسبب عنها أانتشار الأمراض الوبائية والوفاة المبكرة وكذلك زيادة الإصابة بالسرطان كل عام. ويختلف هذا الكتاب في ثلاثة أشياء تجعله فريدا من نوعه وهي: التركيز علي الموضوعات الحرجة المتعلقة بمستقبل الطاقة النووية, واتباع منهجية متعددة التخصصات, وأيضا التأكيد علي شمولية متعددة الأبعاد تبدأ من دورة الوقود النووي. فهذا الكتاب, أولا وقبل كل شيء, محاولة لتسيس مسألة الطاقة النووية مرة أخري, ولتوفير بعض التوازن الي الخطاب العام البسيط وغير المكتمل والمعلومات المتكاثرة حاليا علي شبكة الإنترنت ومن خلال التعليقات المختلفة والمحاكاة في وسائل الإعلام. في هذا الشأن ينطلق المؤلف من اهتمامه الخاص بتطوير تكنولوجيات الطاقة الجديدة والمتجددة علي حساب اتجاه بعض الدول الساعية إلي اللحاق بركب الطاقة النووية وامتلاك القدرات العلمية والتكنولوجية اللازمة للاستفادة منها وفقا للحاجة المجتمعية. وليس هنالك اعتراض مبدئي علي الاهتمام بمجالات الطاقة الجديدة والمتجددة كأحد الروافد الاقتصادية التي تدعم الاتجاه إلي الاقتصاد الصديق للبيئة علي حساب استبعاد الطاقة النووية التي لم يتفق العالم المتقدم علي استبعادها وإن كان يعمل علي حل مشاكلها وتلافي أخطارها. فلماذا نطالب العالم النامي وحده بذلك؟ إن العبرة هنا ليس في القبول أو الرفض ولكن في اتخاذ القرارات الواعية وفقا للأهداف القومية والظروف المجتمعية وإمكانية تطوير القدرات العلمية والتكنوولوجية في كل جوانبها البشرية والمادية. وبالنسبة لمصر التي أتخذت قرارا يتمشي مع ما يواجهها من مخاطر وتحديات تنموية استدعت إعادة فتح ملف استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية, دون اغفال الاهتمام بالمصادر الجديدة والمتجددة للطاقة التي تمتلك فيها من المميزات النسبية التي لا يمكن انكارها. فإننا في حاجة ملحة إلي أن ندرك ضرورة بناء قدراتنا العلمية والتكنولوجية بكفاءة عالية بعد ما أصاب محاولاتنا القديمة والمخلصة من اهمال وتآكل, وذلك بالاستعانة بالمعاونة الفنية العالمية والتأكيد علي شفافية وسلمية الأهداف الوطنية وواقعية الاستراتيجيات والبرامج المطروحة والقبول والدعم المجتمعي الماديين للأنشطة المرجوه في هذا المجال. لمزيد من مقالات د.محمد زكى عويس