ظهر خلال العقود الثلاثة الأخيرة عدة أجيال من الباحثين المصريين المتخصصين في دراسة حركات الإسلام السياسي. وشهدت هذه الفترة تراكما معرفيا لا سابق له في هذا المجال. فقد تعامل كثير من هؤلاء الباحثين مع الموضوع بجدية شديدة, وبذلوا جهودا حقيقية في سبر أغواره, وأصدروا أعمالا مهمة سيظل بعضها مراجع أساسية, وارتقي عدد منهم إلي مستوي عالمي مقدر من مراكز بحثية معروفة في الولاياتالمتحدة وأوروبا. وأدي ذلك إلي إثراء المكتبة العربية بأعمال بحثية وفكرية رفيعة حول جماعة الإخوان والتيار الذي حفرته في مجري السياسة والمجتمع في مصر, كما في المنطقة والعالم0 ورغم أن جميع الباحثين الذين قدموا هذه الإسهامات يختلفون مع الإخوان ويرفضون أفكارهم ومنهجهم, فقد التزموا بالموضوعية التي يتطلبها البحث العلمي ولا تتقدم المعرفة في غيابها. لم يكن كثير منهم محايدين تجاه ظاهرة مؤثرة في السياسة والمجتمع. ولكنهم التزموا القدر المطلوب من الموضوعية وحافظوا علي التقاليد المرعية في العمل البحثي. غير أن هذا التراث المعرفي الكبير بات مرفوعا من الخدمة الآن في ظل حالة إعلانية مجتمعية سياسية لا تقبل نقاشا موضوعيا جادا حول الإخوان الآن رغم أن الحاجة إليه صارت أقوي من أي وقت مضي لفهم ما فعلوه حين وقعت السلطة بين أيديهم وما يفعلون منذ عزل الرئيس المنتمي إليهم. فالاتجاه السائد في معالجة موضوع الإخوان الآن يستسهل اجترار خطاب شديد التبسيط يدور حول شيطنتهم بدلا من تحليل مواقفهم وتوجهاتهم وممارساتهم في ضوء المعرفة المتراكمة عنهم. ولكن الأخطر من ذلك هو العزوف عن تدقيق ما يقوله بعض من يتخصصون الآن في مهاجمة الإخوان سواء بعض المنشقين عن الجماعة أو من يجدون في سقوطها فرصة للظهور. ولذلك يحفل الإعلام الآن بكلام يقال باعتباره معلومات, وما هو منها في شيء0 فأكثر هذا الكلام قصص تنقل من فم إلي آخر بلا تمحيص, ووقائع مختلفة أو مفبركة لا لشيء إلا لزوم الرد علي أسئلة لا يعرف من تطرح عليهم إجابة عنها. وفي ثنايا هذا كله, أصبح التخصص في هجاء الإخوان بديلا عن التخصص في دراستهم, وصارت التخاريف بديلا عن المعرفة. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد