لا استثمار دون أمن واستقرار, ولن ينهض اقتصاد بلا تطوير للبنية الأساسية وإزالة المعوقات التي تعترض التنمية لتشجيع المستثمرين علي اقامة المشروعات وزيادة التبادل التجاري بين الدول ليتحسن مستوي معيشة المواطنين وينحسر التطرف والإرهاب. كان هذا محور المناقشات التحضيرية للقمة العربيةالافريقية الثالثة بالكويت الأسبوع الماضي والأساس الذي اتخذ عليه القادة قراراتهم وأبرزها التعاون والتنسيق لمكافحة الارهاب والجريمة المنظمة عابرة الحدود وتجريم دفع الفدية للارهابيين والاتجار غير المشروع في الأسلحة بالإضافة إلي مطالبة الحكومات بوضع القواعد الضرورية لتشجيع وتسهيل الاستثمار ودعم التبادل التجاري وتنمية الصناعة للحد من الفقر ولتوفير فرص عمل للشباب وايجاد تسويات سلمية للأزمات السياسية في افريقيا والعالم العربي. لو تم بجدية وخالص نية تنفيذ تلك المقررات وحدها من بين31 قرارا صدر بها اعلان الكويت لكان انجازا كبيرا يحقق منافع هائلة للشعوب الافريقية والعربية التي يعاني كثير منها الارهاب وانتشار السلاح والجريمة والقرصنة ونزاعات عرقية ودينية تعوق التنمية وتبقي علي التخلف والفقر مما يدفع الشباب للمغامرة بالهجرة غير المشروعة بحثا عن عمل أو ينضم الي جماعات متطرفة كتنظيم القاعدة وفروعه في شمال افريقيا وشبه الجزيرة العربية والعراق والشام وبوكو حرام في نيجيريا والتوحيد والجهاد في مالي والشباب المجاهدين بالصومال. ركز القادة العرب والأفارقة علي مكافحة الإرهاب والاتجار غير المشروع بالسلاح تحت ضغط الأخطار الكبيرة التي تواجهها الدول من الجماعات المتطرفة, خاصة مالي التي كانت علي وشك التقسيم لولا التدخل العسكري الفرنسي والإفريقي لطردهم, وليبيا التي تمزقها الميليشيات القبلية المسلحة, وسوريا التي تتصارع علي أرضها جماعات متشددة مثل النصرة ودولة العراق والشام, ونيجيريا التي تخوض حربا ضروسا مع بوكو حرام التي تسعي لاقامة دولة اسلامية في الشمال ذي الأغلبية المسلمة, واليمن الذي تمزقه جماعات الحوثيين والسلفيين والقاعدة.وكانت الفوضي التي شهدتها ليبيا خلال الحرب علي القذافي والفراغ الذي حدث بعد سقوطه سببا رئيسيا في نهب وتهريب آلاف الأطنان من الأسلحة المتطورة لأفراد الميليشيات لفرض سطوتهم في الداخل وللمتطرفين في دول الجوار لشن عمليات ارهابية مما ساعد في استيلائهم علي أكثر من نصف مساحة مالي ومجمع عين أمناس بجنوب الجزائر قبل أن يتم اخراجهم بالقوة ليختبئوا في كهوف الصحراء الكبري.ولو تم التنسيق والتعاون المأمول بين الدول العربية والافريقية في مواجهة هذا الخطر بدعم من الدول الكبري لأمكن الحد منه بفعالية و تهيأت الأجواء للتنمية. ولو نفذت الحكومات القرار الذي يطالبها بوضع المنظومة القانونية التي تسهل الاستثمار وتدعم التنمية الصناعية في افريقيا, حيث اقتصاداتها مازالت تقوم علي الزراعة البدائية وتصدير المواد الخام بأبخس الأسعار, لأدي ذلك لما وصفه أحد القادة المشاركين في القمة ب ثورة خضراء في القارة السمراء. فتيسير الاستثمار بتسهيل استخراج التراخيص والسماح بتحويل الأرباح ورءوس الأموال للخارج ومكافحة الرشاوي من شأنه إغراء المستثمرين العرب بالاستثمار في مشروعات مربحة لانتاج الغذاء واللحوم مستفيدين من وفرة المياه والأراضي الخصبة والعمالة الرخيصة وفي مشروعات تصنيع زراعي وتنقيب عن المعادن في قارة تمتلك40% من احتياطي المعادن العالمي ونصف أراضيه الصالحة للزراعة وغير المستغلة.ولوتم ذلك لوفرت هذه الاستثمارات الغذاء الذي يعاني العرب والأفارقة من نقصه بنحو34 مليار دولار في العالم العربي و21 مليارا في الدول الافريقية وفقا لاحصائية عام2010. وعندما يحدث ذلك سيرتفع حجم التبادل التجاري الضعيف البالغ25 مليار دولار فقط مقابل200 مليار بين افريقيا والصين وحدها. فافريقيا(1000 مليون نسمة) سوق واسعة لتسويق المنتجات العربية والحصول علي احتياجاتنا من المحاصيل الزراعية واللحوم والمواد الخام اللازمة للصناعة بأسعار تنافسية مربحة لو أقدمنا فقط علي المخاطرة المحسوبة. من المؤكد أن معظم الحكومات الافريقية والعربية لن تستطيع وقف النزاعات وأعمال العنف تماما ولكن يمكنها علي الأقل أن تتخذ اجراءات للحد منها وأن تسن قوانين جديدة لتشجيع الاستثمار وتيسيره, الأمر الذي يجذب المستثمرين ورجال الأعمال تدريجيا فيقوي الاقتصاد ويرتفع مستوي معيشة الشعوب وتتقلص البيئة الحاضنة للتطرف والارهاب والمسببة للنزاعات العرقية والدينية وهجرة الشباب سواعد تنفيذ مشروعات التنمية.فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى