كل القوي العالمية والإقليمية تقريبا اهتمت بإفريقيا وثرواتها الطبيعية وأسواقها الشاسعة لتصريف منتجاتها واستثمار فائض أموالها في أرضها البكر, إلا الدول العربية التي عقدت قمة واحدة مع نظيراتها الإفريقية عام1977. ومر33 عاما قبل أن يتفق الطرفان علي عقد القمة الثانية في ليبيا غدا الأحد تصارعت خلالها الصين والاتحاد الأوروبي واليابان, والهند وأمريكا وإسرائيل وتركيا وروسيا وكوريا الجنوبية, علي مواردها الطبيعية من يورانيوم لتشغيل محطاتها النووية, الي ذهب وماس وبترول ونحاس وحتي أخشاب الغابات واستصلاح الأراضي الخصبة لزراعة محاصيل غذائية مثل القمح والذرة, ومحاصيل زيتية وأخري منتجة للوقود الحيوي. معظم الحكومات العربية والإفريقية إن لم يكن كلها لم تحرك ساكنا ورضيت بالأمر الواقع, جلس كل من الطرفين في بيته لكي يطرق بابه الطرف الآخر, دون أي محاولة جادة لتحقيق تعاون جماعي يعود بالنفع علي الشعوب العربية والإفريقية.. فلا العرب فكروا جديا في أن أزمة الغذاء التي يعانون منها بان يمكن حلها باستثمار جزء من فائض أموال بترولهم في استصلاح وزراعة مساحات من مليارات الأفدنة الخصبة التي تتوافر لها المياه في كل أنحاء دول إفريقيا جنوب الصحراء الأربع والثلاثين, ولا القادة الأفارقة قدموا خططا استثمارية قابلة للتنفيذ متضمنة حوافز لجذب رأس المال الخليجي خصوصا والعربي عموما, مثل الاعفاء من الضرائب, لكي يشجعوا المستثمرين المترددين بسبب كثرة الحروب والصراعات العرقية والدينية وضعف البنية الأساسية وتفشي الفساد وغيرها. وهكذا أغلق كل منهم بيته علي نفسه حتي تكللت جهود الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي ورئيس المفوضية الإفريقية جان بينج بالنجاح, وتم الاتفاق علي عقد القمة الثانية بمساعدة من الزعيم الليبي معمر القذافي الذي لا يفتر حماسه لتحقيق الوحدة الإفريقية والتعاون العربي الإفريقي, لكن مجرد عقد القمة لا يعني أن الطرفين سينجحان في تحقيق التعاون الذي ينشده المواطن العربي الذي يترحم علي أيام عبدالناصر أو المواطن الإفريقي الذي لا تفارق مخيلته دعوات نكروما وسيكوتوري ولومومبا لدولة إفريقية موحدة لا يحتل المستعمرون شبرا منها, ولا فصل فيها بين الشمال العربي والجنوب الإفريقي. نموذج من الماضي المشرف كانت مصر بوابة ونقطة انطلاق لحركات التحرر الإفريقية التي تمكنت بمساعدتها من تحرير35 دولة من الاستعمار, وعبدالناصر هو الذي قاوم مساعي الدول الاستعمارية للفصل بين دول إفريقيا العربية العشر ودول جنوب الصحراء الإفريقية, حيث سارع بجمعها كلها تحت لواء حركة عدم الانحياز, وفتح أبواب القاهرة لحركات التحرر وسخر لها الاذاعات الموجهة, وعندما أبلغت الشركات الايطالية الرئيس الصومالي شارماركي في الستينيات انها لن تشتري محصول الموز الذي يعد المصدر الرئيسي لتمويل موازنة الدولة, سارع عبدالناصر بالإعلان عن شرائه فاضطرت الشركات الايطالية للتراجع واشترته بالسعر الذي حدده المنتجون. ولا ينسي النيجيريون قيام عبدالناصر بإجراء تعديلات علي ماكينات النسيج المصرية لتوفير قماش بالأحجام التي يرتدونها وعلي معاصر الزيت لتصنيع زيوت النخيل الذي تتوافر ثماره في القارة, فكان ذلك دعما لانتشار الصادرات المصرية الي إفريقيا من سلع هندسية ومنسوجات ودراجات وغيرها, أما الآن فلا يزيد حجم التجارة العربية مع إفريقيا علي7% من حجمها, برغم أن عدد دولها43 اذا أخرجنا منها الدول العربية الإفريقية, حيث لم تتجاوز الصادرات العربية عام1997 مثلا5 مليارات دولار في مقابل29 مليارا لدول آسيا, وكلما تواري الدور العربي زاد تمدد نفوذ إسرائيل في إفريقيا حيث أصبح لها45 سفارة في دولها. الدور العربي المفقود باستثناء الدورين المصري والليبي لا نكاد نلمس وجودا عربيا ملموسا في إفريقيا من ناحية التبادل التجاري والاستثمارات والمساعدات التي هي الرابط الحقيقي بين الشعوب, صحيح أن هناك بعض المستثمرين اللبنانيين في دول الساحل الغربي واليمنيين في دول الساحل الشرقي, لكنها استثمارات في سلع استهلاكية قليلة التكاليف لا توفر فرص عمالة حقيقية للأفارقة ولا تركز علي نوعية الانتاج الذي يحتاجونه أكثر من غيره, كما أن هناك مساجد بنيت وبعض المستشفيات والمعاهد والمدارس بأموال عربية. وهناك هيئات مساعدة انسانية مثل الهلال الأحمر, ساعدت كثيرا من الشعوب الإفريقية وقت الشدة في الحروب وكوارث الفيضانات والجفاف, لكنها ليست كافية كلها للحفاظ علي الوجود العربي في الذاكرة الإفريقية بصورة إيجابية, فهناك في جنوب الصحراء من يطالبون بنسيان الشمال العربي بدعوي أنهم ليسوا أفارقة قائلين إنه لم ينالهم من العرب سوي إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي, ولم يعودوا يذكرون إلا قليلا ما بذلته مصر من جهد وتضحيات في سبيل التحرر, ولا حتي ما قدمته ليبيا من مساعدات لتلك الدول حتي هذه اللحظة. لم يشفع للعرب وجود300 خبير مصري يعملون في كل المجالات في القارة حاليا ولا مشاركة مصر ودول عربية كثيرة في قوات حفظ السلام في بؤر النزاع, ولا وجود المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا منذ عام1973 تموله18 دولة عربية برأسمال2200 مليون دولار لدعم التعاون الاقتصادي في الدول الإفريقية غير العربية فقط, حيث قام بتمويل427 مشروعا, و407 عمليات مساعدة فنية في الفترة من1975 2007 بمبلغ3354 مليون دولار, وأسهم في تخفيف عبء المديونية عن16 دولة إفريقية بمبلغ149 مليون دولار, ويقدر حجم الانفاق المصري في مساعدة الدول الإفريقية منذ أوائل الستينيات بثلاثة مليارات دولار كان أحدثها إسقاط44 مليون دولار مديونيات عن أربع دول هي الصومال والسودان وتشاد وغينيا. .. والقادة الأفارقة أيضا مقصرون واذا كانت الحكومات العربية قد قصرت بوضوح في نظرتها لإفريقيا التي يمكن أن تسهم في حل أزمة الغذاء( قمح وذرة ولحوم) لدي الشعوب العربية, فإن تقصير القادة الأفارقة ليس أقل منه مسئولية.. فمعظمهم لم يحرصوا علي تعزيز الروابط مع الحكومات العربية, ولم يقدموا الحوافز اللازمة لتشجيع الاستثمار العربي, وتركوا الفساد يتفشي ولم يبذلوا جهدا حقيقيا لإنهاء الصراعات القبلية واختلق بعضهم نزاعات حدود مع دول مجاورة, فلم يوفروا الأجواء السلمية اللازمة للاستثمارات وضمان عدم ضياعها.. لم يعطوا فرصة حقيقية للمستثمرين الجادين, وتركوا لهواجس الأمن والسياسة التحكم في اختيار ما يصلح من العروض, فضلا عن استمرار ارتباط بعضهم تجاريا وثقافيا مع القوي الاستعمارية السابقة. رأس المال جبان ولابد من بذل أقصي الجهود لطمأنته.. وأزمة الغذاء التي زادت معاناة العرب والأفارقة, وضاعفت عدد الفقراء والجوعي خلال العامين الأخيرين تحتاج الي إعادة التفكير بجدية في كيفية اقامة تعاون اقتصادي حقيقي يعود بالنفع علي الطرفين, تعاون يعزز العلاقات السياسية أكثر ويجعل كل منا يحمي ظهر الآخر في مواجهة التكتلات العالمية المتوحشة, فهل نسرع الخطي؟.