في الخامس والعشرين من يناير2011, انتفض المصريون مفجرين غضبا تراكم عبر أكثر من نصف قرن, تداولت عليهم أنظمة حكمت واستحكمت, مع درجات من التفاوت في مدي غوصها في الشمولية بكل استحقاقاتها أو اقترابها من الديمقراطية, حتي الموجهة منها, بالمفهوم الغربي. وجري اختطاف الثورة والانقلاب المدني عليها, إذ تمكنت الجماعة المتأسلمة, في تطور شديد الانتهازية, من القفز علي المشهد وتقدمت الصفوف لتدير معركة محسومة, وقد أصيب النظام الحاكم بشلل التفكير وسوء التقدير وتردد في القرار, ومن ثم بات السقوط وشيكا خصوصا بعد انهيار جهاز الشرطة وتخلي المؤسسة العسكرية عن قائدها الأعلي. وهكذا بدأت مرحلة فارقة في مسيرة الدولة المصرية وفي حياة المصريين حيث سرقت أحلامهم وذهبت أهدافهم صرعي ظلمات الجهل ومرض الفكر ودعوات التخلف, وموجات عنف غير مسبوق اغتال الجميع واستباح المحرمات, كل المحرمات. يتظاهرون ويعتصمون كما يلهون, حتي يظن المرء أنهم يمارسون تلكم الهواية وهم نيام; ويكذبون كما يتنفسون; وينافقون كما يتحدثون; ويخادعون كما يتسوقون; ويقتلون كما يتنزهون, ويعبثون بالوطن, الشعب والأرض والمقدرات, علي نحو لم تشهده مصر في أحلك عهود الاحتلال والطغيان. مناوراتها متعددة ومكشوفة ووعودها مضللة وأحاديثها دوما ملوثة بالدماء وكلماتها معلقة ببارود ومحشوة بقذائف, مفلسة لا مصداقية لها ولا أمان منها ولا خير فيها. جماعة عنصرية يعلو لديها الأهل والعشيرة مبدأ المواطنة. إنه تيار فاجر وفاسد ومسعور لتنظيم فقد عقله ولم يعد في إمكانه استمرار الالتحاف بالدين, وقد فضح ممارساته المسيئة لصحيحه المناقضة لثوابته. والتحدي المطروح علي المترددين أو المتشككين أن يرونا مثالا واحدا لممارسات تلك الجماعة يتفق مع صحيح الدين أو مكارم الأخلاق أو قيم الإنسانية أو صدق الكلم أو حب الوطن أو الانتماء له أو الولاء لسيادته أو إعلاء مصالحه. لقد بات جليا أن تلكم الجماعة والتيارات والفصائل المتحالفة معها لم يدركوا أن زلزال الثلاثين من يونيو قد مزق الأقنعة وفضح المؤامرة وأسقط المشروع وأفرز واقعا تجاوزهم وألقي بهم في محطة النهاية. لقد أعلنوا حربا علي الوطن والأمة علي نحو أحرق فرص التلاقي. وعلي من خانوا هذا الوطن وتآمروا عليه ويسروا للأجنبي الاستيطان علي أرضه, ووفروا الملاذ لفصائل الإرهاب الدولي, الذين تجمعوا من شتات في شبه جزيرة سيناء, وشوهوا هويته واستهانوا بموروثاته ويتموا أبناءه ورملوا نساءه ونالوا من استقلال وهيبة قضائه وأهدروا سلطان الدستور والقانون وتطاولوا علي جيشه واخترقوا وشوهوا إعلامه وأخونوا مؤسساته وأهانوا الرموز وهمشوا النخب وكفروا كل مخالف, نقول عليهم أن ينتظروا يوم القصاص. لقد استجاب جيش الشعب لإرادة كاسحة عبر عنها المصريون في زحف غير مسبوق في تاريخهم يوم الثلاثين من يونيو2013, وعزل رأس الدولة في الثالث من يوليو, وأسقط بذلك حكما شموليا استأسد علي الأمة وداس أهدافها, واستعاد المصريون وطنهم بعد إختطاف وثورتهم بعد انقلاب. لقد اقتنصت الجماعة الحكم بأسلوب القرصنة وأدارته بمنهج المغالبة وأفرزت دستورا وقوانين بالتدليس والرشوة والافساد من خلال آليات أبطلها القضاء, واستفتاء وانتخابات زورت فيها الإرادة ولوث الاختيار وشوهت المشاركة, وإعلانا دستوريا سلطويا ولد منعدما, فجاءت المحصلة شرعية باطلة من الأساس وهزيلة لا تمثل الضمير الجمعي الصحيح للأمة, وهي في مجملها شرعية سيف ولدت من رحم إرهاب وتهديد ووعيد بلطجي فج مفاده إما نحن أو الفوضي وإحراق الوطن. إن تلكم الجماعة, وممثلها المعزول من رئاسة الدولة, الذي يمثل أمام قضاء مصر ويواجه تهما جنائية غير مسبوقة في تاريخ الوطن, بالتجسس والتخابر والتواطؤ مع الأجنبي والاستقواء به والتفريط في السيادة, وأي منها يمثل خيانة عظمي, والتحريض علي العنف والتعذيب والقتل والشروع فيه وحنث القسم الرئاسي والانحراف بالسلطة, وغيرها, وكلها تعززها وقائع وأدلة لا يأتيها الباطل أو تنازعها شكوك, نقول, مع ذلك, لم يخجلوا من محاولة التحصن بشرعية ولدت منعدمة, ولا يستحيون من الادعاء بها وتكرارها كما يتنفسون. لقد سرقوا شرعية, أفرزتها أمية وعوز وإفساد للإرادة وظلمات السمع والطاعة, فرضوها بسيف الإرهاب ثم توهموا الفلات من المساءلة والعقاب, وأن ما اغتصب بآليات ووسائل وإجراءات غير مشروعة لا يولد حقا ولا يؤسس لشرعية. هذا كتابكم الأسود, وتلك بعض من سيرتكم الذاتية, لإرث تراكم علي مدي أكثر من عامين, وتضاعف زخمه منذ الثلاثين من يونيو2012, فأفرز حالة مصرية متردية في المجالات كافة. وفي هذا السياق جاءت السياسة الداخلية لتلكم الجماعة متخبطة استغرقتها سياسة التمكين, وأفسدتها فتنة السلطة, فتراجعت أهداف المصريين وتدنت في ترتيب الأولويات. والمحصلة اقتصاد يتراجع ودولة علي حافة الإفلاس وحالة اجتماعية تنذر بثورة للجياع. لقد أدار ملف السياسة الخارجية خلال حكم الجماعة المتأسلمة هواة مغامرون غارقون في التآمر يعملون في دائرة مغلقة, محكوم بشهوة الحكم ومشروع الخلافة, فتراجعت درجات. وباتت مصر في شبه عزلة عن أمتها العربية, وفقدت دورها كلاعب مؤثر في السياسة الإقليمية والدولية, سوف يسكن هذا الكتاب الأسود ذاكرة أمة لا تنسي أعداءها المتآمرين عليها والمتحالفين معهم, تذكرهم بالتحقير والازدراء, وتلقيهم وكتابهم وسيرتهم محرقة التاريخ. لمزيد من مقالات د.عبد الحافظ الكردى