بعد أيام يكتمل عام من الحكم في الجمهورية المصرية الثانية. رصيد عام من الحكم يكشف بالمطلق مسار دولة فاشلة انحرف بها حكامها;. استحوذوا علي السلطة بالمغالبة; مكنوا أهل الثقة وأقصوا أهل الخبرة وهمشوا النخب واستأسدوا علي الشعب; أهدروا الدستور والقانون ونالوا من سلطة القضاء ونازعوا حجية أحكامه وأنكروها وأهانوا القضاة; كفروا كل مخالف; يستهدفون هوية الأمة وينكرون موروثاتها الثقافية والحضارية, ويفرخون الأزمات التي تغوص بالبلاد في ظلمات وفوضي وتنزلق بها الي منحدر تراجع وسقوط بات التصدي له ومعالجة تداعياته قضية أمن قومي في المرتبة الأولي. لقد أغرقنا هذا النظام في سلسلة من التجاوزات والأزمات نالت من مقومات الدولة وزلزلت أركانها وأضعفت هيبتها وهددت أمنها وأدخلت العباد في معاناة متعددة المحاور. نقول هذا ونتساءل. ماذا حدث في مصر خلال عام من حكم الجماعة؟ نظام بلا رؤية وأهداف استراتيجية وخطط وبرامج معلنة وشفافة ومتوافق عليها من الجماعة الوطنية; يغالب شعبه ويهدد هوية أمته وموروثاتها; اقتنص لنفسه شرعية خاصة أختزلها في صناديق الاقتراع, مع يقين الأسوياء أن شرعية تلك مصدرها في مجتمعات تعاني من ملوثات الارادة ومفسدات الاختيار الحر المتحرر من الفقر والأمية والبطالة, أكذوبة كبري وخديعة غير أخلاقية أو انسانية. نظام نصب نفسه في عداء مع نخب المجتمع, ثقافته ومثقفيه واعلامه ومعظم أطيافه, يفرط في تفضيل أهل الثقة علي حساب أهل الخبرة في اطار سياسة ممنهجة لأخونة مؤسسات الدولة. فالي جانب رأس الحكومة والعديد من وزرائها, ومعظم المحافظين, وبينهم قيادي بالجماعة الاسلامية المسئولة عن مجزرة السياح1997, محافظا للأقصر عروس السياحة المصرية, نكتفي هنا بالاشارة الي رأس المؤسسة المنوطة بثقافة الأمة بحسبان خطورته علي هويتها وقواها الناعمة. ان المؤهل الحاكم لشاغل هذا الكرسي اليوم انتماؤه للجماعة. جاء يحمل رسالة تطهير وكأن كل شيء اما فاسد أو مفسد وجب الاحاطة به واسقاطه. جاء ليكفر الثقافة المصرية وينكر عليها رموزها من المثقفين والأدباء والفنانين الذين أثروا الوجدان وأناروا العقول وشكلوا ضمير الأمة, وتجاوزت اشعاعاتهم لتنير الوطن العربي, وعبرت الي العالمية. جاء بثقافة توحدية لا تعرف غير طريق واحد ولون واحد أظلمت علي جوانبه كل الثقافات; مرجعية ثقافية شوهت الأصول وأنحرفت بها وأحالتها الي فزاعة للوطن وللمنطقة من حولنا وللعالم البعيد. لقد نسي الجالس علي كرسي الثقافة, ومن زرعهم من المثقفين الجدد أن أعظم ما يميز الثقافة المصرية ليس فقط تاريخها العريق, لكن أيضا تنوعها وقدرتها علي استيعاب كل الأطياف والتحاور مع كل الأفكار والتسامح والتعايش مع كل التوجهات التي لا تخل بثوابت الهوية المصرية وارتباطها بعالمها العربي والاسلامي والافريقي. عار أن تفتقد هذه الروح وأن تغيب تلك الرؤية, وعلي من لا يمتلك هذه أو تلك أن يدرك أن لا قوة تعلو قيم المجتمع وموروثاته ومقومات وجدانه ومكونات ضميره وقادة فكره ورواد ثقافته. نظام فقد السيطرة علي جزء عزيز من الوطن وبوابته الشرقية, شبه جزيرة سيناء, التي شهدت أرضها بطولات سالت فيها دماء المصريين واستشهد عشرات الآلاف. وفي المقابل يجيش الرئيس أهله وعشيرته في15 يونيو فيما يسمي مؤتمر نصرة الشعب السوري مستهدفا, في تقديرنا, تحقيق أغراض ثلاثة: أولها محاولة انقاذ نظام يتهاوي مرفوض من شعبه بتخويف المصريين الذين يخططون لانتفاضة الثلاثين من يونيو للتعبير عن استيائهم من النظام ومطالبته بالرحيل, وثانيها تحويل الأنظار عن الحالة المصرية واشغالها بالدعوة الي نصرة الأهل والعشيرة في سوريا, بما في ذلك تجميد العلاقات أو قطعها واعلان الجهاد, وربما اقحام الجيش المصري, في هذا الصراع المذهبي, وثالثها مغازلة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي باتت قلقة علي الأوضاع في مصر. وأحسب أنه كان الأولي بالرئيس أن يتصالح مع غير الأهل والعشيرة من المصريين وحشد قوي الشعب في مواجهة التحديات التي فرضها ويفرضها سد النهضة الأثيوبي والتي تهدد باختطاف نيل مصر وشريان حياتها والأمن القومي سواء بسواء. نظام يسير علي غير هدي وبلا رؤية أو ثوابت للسياسة الخارجية المصرية; لا يدرك معني العمق الاستراتيجي العربي والافريقي في القلب منها, ليتطاول بفجاجة نفر من قادته ورموز حزبه, بلهجة تنطوي علي التدخل في الشئون الداخلية, علي دولة عربية شقيقة يقدرها المصريون ويعتزون بمواقفها عبر تاريخ ممتد ذ دولة الامارات العربية المتحدة. كما يتجسد مردود هذا الترهل في مواقف دول القارة السمراء من اتفاقية عنتيبي ومشروع سد النهضة الأثيوبي. ان الهوة سحيقة بين نظام يري أنه يمتلك الحقيقة منفردا وأنه منزه عن الخطأ وأن علي الآخرين السمع والطاعة والكف عن التربص به وافساد مخططاته; وشعب حائر بين نظام تآكلت لديه شرعيته, ومعارضة متصارعة بلا قواعد مؤثرة قادرة علي احداث التغيير, تشترك مع النظام في الافتقاد الي رؤية معلنة متوافق عليها. لقد كان العام المنصرم حافلا بقرارات ومواقف وفعاليات تتآكل معها وبها الشرعية وتنال من دولة الدستور والقانون. عام لعله الأسوأ والأشد قسوة والأكثر ابتلاء وظلمة في تاريخ مصر.. نحن أمام نظام يمسك بمفاصل الدولة بغير ما نية أو رغبة في الرحيل.. يراهن علي عنصر الزمن وذاكرة المصريين متوهما أنها ملولة سرعان ما يصيبها النسيان الذي تطوي به الأحداث والأزمات, الأمر الذي يكفل له فرصا للهروب. تلك أوهام تستهين بالذاكرة الجمعية التراكمية لشعب أصيل يستعصي علي الاستخفاف بقدراته أو اهانة ذكائه. نحن أمام مستقبل شديد الضبابية مليء بالألغام في مفترق طريق نكون أو لا نكون. لمزيد من مقالات د.عبد الحافظ الكردى