مفارقة غريبة عاشها الفنان هاني رمزي لم يجد لها أي تفسير حتي الآن, فرغم تخرجه في معهد المسرح, وتربيته الفنية في مدرسة القديرين محمد صبحي وسمير العصفوري. إلا أن علاقته بمسرح الدولة استمرت شهرين فقط انقطعت بعدها بسبب استقالته من مسرح الطفل عام1991, دون أن يتلقي أي عرض للوقوف علي خشبته طوال هذه السنوات بلا سبب واضح, وكأنه أصبح محسوبا علي مسرح القطاع الخاص فاختفي بتوقفه, ثم انشغل ببطولاته السينمائية والتليفزيونية حتي اعتلي خشبة المسرح في انتصارات اكتوبر الأخيرة فشعر وكأنه يقف لأول مرة علي المسرح رغم ممارسته فعل التفاعل مع الجمهور في تجربته الإعلامية الأخيرة' الليلة مع هاني'.. ولكن للمسرح شأن آخر.. من أي زاوية تقيم مشكلة هجر الجمهور للمسرح اليوم؟ المشكلة بالتأكيد بدأت اقتصادية ثم تطورت وأضيف إليها انعدام البعد الأمني والاستقرار بعد ثورة يناير, والدليل أن مسرح الدولة كان في أوج تألقه حينما استعان بنجوم مثل حسين فهمي وعزت العلايلي ويحيي الفخراني ونور الشريف في اعمال مثل' أهلا يا بكوات',' الملك لير',' مسافر ليل' و'الملك هو الملك' لمحمد منير وفايزة كمال, وهي سياسة كانت ناجحة جدا ولكنها توقفت فتراجع رونق المسرح. وفي رأيك, لماذا يهجر النجوم أيضا مسرح الدولة؟ سأتحدث عن تجربتي الشخصية, فقد تخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية عام1991, وعينت بعدها في المسرح القومي للطفل, وفوجئت أنني مطالب بتقديم أعمال من قبيل الأرنب المغرور والأسد الشرير, وما شابه من أعمال لا يتفاعل معها الصغار قبل الكبار ولا تحمل أي مضمون درامي في ظل عصر انتشرت فيه وسائل التكنولوجيا والإنترنت, خاصة وأنني كنت قد قدمت مع الفنان محمد صبحي مسرحيتي' تخاريف' و'وجهة نظر', وحينما رفضت العمل في هذه الأعمال وجدت أني أتقاضي مرتبا كممثل موظف دون أي عمل, وهو ما لم أقبله علي نفسي, لذلك طلبت من السيد راضي رئيس البيت الفني وقتها أن يقبل استقالتي, والحقيقة أنه احترم موقفي وقبل الاستقالة ولكنني اضطررت ان أكتبها مسببة وقلت فيها' إنني غير مؤهل للوظيفة', فتلك هي إحدي أسباب مشاكل المسرح وهو ارتباطه بفكرة الوظيفة وافتقار الموضوعات لمسايرة عقول الناس. تجربتك المسرحية حتي الآن تنحصر في الفترة من أواخر الثمانينيات وحتي السنوات الأولي من القرن العشرين, فكيف تصنفها؟ من حسن حظي أني تتلمذت علي يد عملاقين من عمالقة المسرح علي مستوي الاحتراف, ففي مدرسة محمد صبحي كانت مرحلتي الأولي, وفيها تعلمت الالتزام الشديد في كل شيء فمسرح صبحي كل شيء فيه يخطو بالقلم والمسطرة وهذا افادني كثيرا في احترام قدسية العمل علي عكس ما قد يتصوره البعض عن عشوائية مسرح القطاع الخاص, فمسرح صبحي كان يقدم فكرا صانعه هو لينين الرملي, وهو ما وضعني علي الطريق الصحيح, ثم انتقلت الي مرحلة اخري في مدرسة سمير العصفوري التي قدمت من خلالها مسرحيات' الابندا',' عفروتو', و'كده أوكيه' مع السقا وهنيدي ومني زكي, وفيها تعلمنا تقنية الارتجال, فكان العصفوري يحمسنا أن ننطلق بالمشهد لآفاق بعيدة للغاية ثم نهدمه ونعيد تكوينه من جديد, وهو ما خلق فينا الحس الكوميدي القائم علي الارتجال حتي يومنا هذا, وللأسف توقفت' كده اوكيه' آخر تلك الأعمال في بدايات الألفية. ولماذا لم تتجه بعدها لمسرح الدولة؟ لم تعرض علي أعمال, رغم انني كنت اتمني تقديم مسرحيات عالمية مثلما كنا نقدم في المعهد, فكان لدي حلم خلال دراستي بأكاديمية الفنون أن تخرجنا سيتيح لنا تقديم مثل تلك الروائع علي مسارح القومي والأوبرا والحديث الذي كنت سعيد جدا بتقديمه مثلا لعرض' الملك هو الملك' لمنير, ولكني لم أجد تفسيرا لعدم مشاركتي في مسرح الدولة, في الوقت الذي عرضت علي فيه أعمال سينمائية, فاتجهت لها, والحقيقة أنني تلقيت اتصالين منذ فترة قليلة من فتوح احمد رئيس البيت الفني للمسرح وياسر صادق مدير المسرح الحديث لبطولة مسرحية تابعة للبيت الفني, وبالطبع رحبت كثيرا ولكني أنتظر فقط استقرار الحالة الأمنية لأنني أشعر بالقلق تجاه الأحداث المرتبكة التي نعيشها, كما أنني أشعر بالحاجة إلي تدريب طويل بعد ابتعادي طوال هذه السنوات عن ممارسة فعل التمثيل علي المسرح ورهبة مواجهة الجمهور من جديد, وهو ما شعرت به خلال مشاركتي مؤخرا في احتفال انتصارات اكتوبر. ماذا يتقص المسرح ليستعيد رونقه من جديد في نظرك؟ الإبهار والجاذبية, فعصر الاعتماد علي امكانات النجوم وقدراتهم علي الإضحاك ومخاطبة الجمهور فقط لم تعد كافية في هذا العصر, فحينما أسافر خارج مصر أشاهد عروض مسرحية تمتع العين وتدفع الذهن للتفكير وتجذب العواطف نحو التقنيات المبهرة فتخرج من العمل مشبع علي كل المستويات, فعصر النجوم قد ولي, ونحتاج الان الي تغيير خشبة المسرح والكواليس وحتي كراسي المتفرجين, والدليل أنه في مسرحية' الصعايدة وصلوا' سنة1989 حينما استخدموا الليزر ابهر الناس لأنه كان جديدا وقتها علي أبصارهم واذهانهم معا.