ما ان يحين الاوان لاختيار مسؤول لمنصب ما, او قيادة لمؤسسة أيا كانت, حتي يقع صانع القرار فيحيص بيص, وتتملكه الحيرة والارتباك, وكأن كل الاشخاص المناسبة للمنصب الشاغر قد اختفت, ويتهامس الزملاء: من يا تري يصلح للقيادة؟ وعلي من سيقع الاختيار؟ صعوبة اختيار الكوادر تبدأ من أعلي المستويات في الدولة, حيث اختيار الوزراء والمحافظين, أو حتي علي مستوي الهيكل الداخلي للوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة, ويضحي اختيار قيادات جديدة كمثل البحث عن ابرة في كومة قش. والسؤال: هل فعلا نفتقر القيادات المؤهلة لتحمل المسئولية, ام انها موجودة فعلا, لكنها بعيدة عن بؤرة الضوء؟ وهل هي بعيدة أم مبعدة؟ أم ان معايير الاختيار ذاتها هي سبب كل تلك الحيرة ؟ الدكتور صبري الشبراوي- خبير الادارة والتنمية البشرية- يلخص المشكلة بقوله لا يوجد في مصر استثمار في البشر, وبالتالي لا يتم تربية كوادر قيادية قادرة علي ادارة المؤسسات المختلفة. الاستثمار في البشر كما يراه الدكتور الشبراوي يبدأ من الاسرة والمدرسة التي من المفترض ان تفرخ تلك القيادات, لكن المشكلة ان الجذور الثقافية والحضارية للمصريين تحبط ظهورها, فمن تظهر لديه روح القيادة تكسر الاسرة شوكته, فنجد الام تقول لابنها يا ولد بلاش لماضة وهناك الاب السلطوي الذي يرفض النقاش ويريد الطاعة, فتنزوي روح القيادة عند الطفل في مهدها, والامر يتكرر في المدرسة, فنجد المدرسة تحبط اي طفل يجادل ليفهم وفورا تقول له أقعد ساكت ويتواصل الامر في الجامعة فالاستاذ لا يريد طالبا يناقشه ويجادله. لكن ماذا لو استطاع الشخص الاحتفاظ بمهاراته القيادية, هنا يكشف الدكتور الشبراي عن أزمة آخري فيقول القادر علي القيادة في مجتمعاتنا يدفع ثمنا غاليا, لان القيادات الموجودة سلفا لا تريد لاحد ان ينافسها, وتحاربه وتتهمه بابشع الصفات اقلها انه مغرور, ولهذا تختفي ثقافة إعداد الصف الثاني في اي مؤسسة لدينا الا نادرا, وهو بعكس ما يحدث في الدول المتقدمة حيث يبحثون عن القيادات الشابة ويدعمونها, اما في مصر يترك الشباب الناجح والواعد بلا استغلال حتي يشيب رأسه. الكفاءة لم تكن يوما من معايير اختيار القيادات في مصر كما يري الشبراوي, بل يري ان من يكون غير مناسب نجعله نحن كذلك ومن لا شأن له بالمنصب الشاغر يكون له شأن, والكل يبحث عن الرجل الطيب الذي لا يهش او ينش او الرجل متوسط القدرات ومتوسط الفهم حتي لا يتفوق ويضمن رئيسه استمراريته في منصبه. ويشدد الشبراوي علي ان معيار اختيار اي شخص لاي منصب ولاي تخصص هو المامه بعلم الادارة والقدرةعلي تطبيقه, فقبل ان يكون فاهما في علم الاقتصاد مثلا عليه ان يكون عالما بفنون الادارة سواء إدارة الموارد إو إدارة البشر, وبذلك يتحقق له عنصر القدرة علي القيادة.