(كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء)... هذه العبارة كانت من العبارات التقليدية التي تقال كلما حلت ذكري مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه, في واقعة الطف المأساوية في عام61 هجرية, والتي وإن اختلفت الروايات حول تفاصيلها إلا أن هناك إجماعا بين المسلمين جميعا علي مأساويتها ورفضها والحزن عند تذكرها. كربلاء كانت من النقاط والمحطات الفارقة في تاريخ المسلمين, وكانت ضمن حلقات الفتنة الكبري التي شقت صف الأمة, والمجال هنا لا يتسع لسرد وتفنيد الكثير من الأباطيل والأساطير لأننا أمام واقع جديد قديم يجعل كربلاء لا تغيب عن أي من أبناء المنطقة والعراق بصفة خاصة. وفي بلاد الرافدين موطن كربلاء أحيا ملايين الشيعة العراقيين الخميس الماضي ذكري الواقعة علي وقع التفجيرات التي استهدفت جميع العراقيين خاصة الزوار الشيعة في هذا اليوم الذي سبقه وتلاه سقوط عشرات القتلي والجرحي ضمن سياق كربلاء الجديدة المستمرة من الجميع ضد الجميع, مع توظيف البعد المذهبي من كل طرف لتكون المحصلة واحدة, وفي الإطار الأوسع فإن الإقليم يشهد ومن منطلقات جديدة ومتجددة ومختلفة أحيانا كثيرة إحياء يوميا لكربلاء في سوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول,, كل حسب منطلقاته بل إن الجماعات التي تقف علي طرف مقابل للفكر الشيعي استخدمت المصطلحات الكربلائية لحشد الحشود وتهييج الجماهير, وهو ما حدث من قبل الإخوان في مصر الذين رفعوا شعار أن( الدم سينتصر علي السيف) وهو شعار معروف لدي الشيعة المتشددين. وعلي أي الأحوال فإن الأمر الذي لاجدال فيه هو أن ما يحدث الآن في العراق والمنطقة بعيد كل البعد عن جوهر ماسعي إليه سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله صلي الله عليه وسلم, وما هو في الحقيقة إلا صراع علي الثروات والأموال توظف فيه كل الوسائل بما فيها الأمور الدينية والمذهبية في سياق عام ومخطط لتفتيت المنطقة ضمن منظومة جديدة لديها الكثير من الدعم من خارج جسد وكيان الأمة ومحصلته معروفة وملموس نتائجها الكارثية تاريخيا وآنيا. والعراق هو النموذج وبه وفيه تحددت وتحدد الكثير من الأمور لتفرخ في سوريا وغيرها... العراق الجديد اختير واختار قادته الجدد أن يبتعدوا عن جوهر الشعب العراقي المتسامح والمتعايش مع بعضه البعض, وبدلا من أن يكون حاضنا للجميع تحول إلي ساحة للاقتتال وتصدير الكثير من الأمور التي تجعله في قلب منظومة جديدة لإشاعة عدم الاستقرار في ربوعه, بل تجاوز الأمر إلي التورط في صراعات لا تعود علي الأمة إلا بالمزيد من الفتن. والمتابع لتصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وبيانه الذي أصدره عقب انتهاء مراسم زيارة عاشوراء لا يمكن أن يغفل خلطه بين الماضي والحاضر وتصوير الأمر علي أنه صراع مستمر بين( اليزيديين الجدد ومحبي آل بيت النبوة) وبالرغم من الإدانة الكاملة والتامة لاستهداف الأبرياء من البسطاء الذين يزورون الإمام الحسين إلا أن الأمر ليس كما يحاول البعض تصويره فهناك انحراف وضلال من قبل من يقومون بهذه العمليات, إلا أن الأمر الذي لايمكن تجاهله أن حكومة المالكي توظف هذا الأمر لتصفية الكثير من الخصوم السياسيين علي أسس مذهبية وغير مذهبية, والمتابع للتفجيرات والاغتيالات والاعتقالات في الفلوجة وبغداد وصلاح الدين وديالي وغيرها لا يمكن أن يمر عليه الأمر, بل إن مساجدأهل السنة في ديالي أغلقت حتي يتم وضع حد للاغتيالات والاعتقالات في المحافظة, كما أن الأمر لا يقتصر علي السنه فقط بل الشيعة كذلك من حلفاء المالكي الذين انقلب عليهم سواء في التيار الصدري أو في المجلس الأعلي, الذين يتعرضون لضغوط كبيرة من قبل حلفاء المالكي الجدد سواء في العصائب أو الكتائب التي تتصدر الآن العمل علي الأرض ضد الخصوم, بدعم معلن وغير معلن من المالكي. أمام ذلك أكد رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم لويس روفائيل الأول ساكوإن ثلاث عائلات مسيحية تغادر العراق يوميا في ظل استمرار الصراع واستهدافهم, لتكون المحصلة النهائية هي استمرار نزيف الدماء والفتن وغياب الأمن وأبسط الخدمات, ويكفي أن نشير للقارئ إلي أن بغداد غرقت قبل عدة أيام وبالتزامن مع عاشوراء في مياه الأمطار, وتوقفت الحياة فيها بسبب الأمطار التي أغرقت الشوارع, وأدت إلي انهيار الكثير من المنازل علي من فيها مع غياب الكهرباء, ووسط هذه الأجواء يسعي المالكي إلي البقاء لفترة ثالثة في رئاسة الحكومة معتمدا علي الكثير من الصفقات الخارجية, سواء مع الولاياتالمتحدة أو تركيا أما إيران فموقفها واضح منه منذ البداية, وهو الأمر الذي يفسر الزيارة الأخيرة لأحمد داود اوغلو وزير الخارجية التركية ولقاءه بالمالكي والمرجعيات الشيعية والاتفاق والتوافق علي فتح صفحة جديدة في العلاقات والصفقات بين البلدين, وقد يستغرب الكثيرون زيارة أوغلو إلا أن تركيا أردوغان وأوغلو التي ترفع الكثير من الشعارات وتتصدر الكثير من الجبهات باعتبارها الراعية والداعمة للكثير من الحركات والجماعات المحسوبة مذهبيا علي السنة لا تجيد إلا العمل علي مصالحها فقط دون أي اعتبار آخر, وهو الأمر الذي بات واضحا للجميع أما ما يرفع من شعارات في الندوات والمظاهرات فهي للبحث عن دور أو الخروج من مآزق داخلية, وعلي رأسها الموقف من الأكراد في جنوبتركيا, وشمال العراق وشرق سوريا والذين يسعون لإقامة كردستان الكبري في الدول الثلاث إضافة إلي أكراد شمال غرب إيران وهو الأمر الذي يعد جوهر تحرك جميع الأكراد بمن فيهم مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق الذي رعي في2011/11/28 اجتماعا للأحزاب الكردية السورية في أربيل ضمن التنسيق بين أكراد المنطقة, ومن هذا المنطلق وخوفا علي المصلحة العليا للأكراد, كان رفض بارزاني التعامل مع خطوة حزب الاتحاد الديمقراطي لإعلان تشكيل إدارة مؤقتة بشكل منفرد و إقصاء الأطراف الكردية الأخري, محذرا من ضياع( فرصة مهمة) للكرد في( غرب كردستان) حسب قوله, داعيا الأحزاب الكردية في سوريا إلي توحيد صفوفها والعودة إلي مباديء اتفاقية أربيل الموقعة برعايته, بل إن هناك الكثير من التقارير التي تشير إلي تدخل قوات كردية عراقية للقتال بجانب القوات الكردية السورية ضد الفصائل الأخري وعلي رأسها ما يسمي دولة العراق والشام التابعة لتنظيم القاعدة.