في حوار مع أحد السفراء الغربيين قال لي: المدهش في حالة مصر أن الناس التي خرجت علي نظام مبارك اتجهت إلي اليمين بدلا من اليسار؟! وهذا ما رأيناه من تصويت وتأييد للجماعة المحظورة وأحزاب الإسلام السياسي وكان المشهد مربكا, كيف أن التمرد والاحتجاج عادة ما يجنح إلي اليسار لا اليمين, كما أن ثورة52 يناير رفعت شعارات عيش. حرية. عدالة اجتماعية إلا أن الدهشة سرعان ما تبددت اذا ما أقررنا بأن السؤال الغائب في مصر ليس تري من يحكم مصر بل كيف يحكم؟! وهذا بالضبط ما حدث عندما تحمس البعض ممن هم ليسوا باخوان ولا ينتمون, ولا يرفعون شعارات تنظيمات وجماعات وأحزاب الإسلام السياسي إلي شخوص هذه التيارات والجماعات. كان الاهتمام بمظهر الأشخاص والانطباع الذي صدروه بأنهم أناس بتوع ربنا! ولم يهتم الناس كثيرا بطرح السؤال الجوهري: كيف سيحكم هؤلاء مصر, ما هي تفاصيل المشروع الذي يحملونه, هل هذا المشروع متماسك, وعقلاني, ورشيد, وهل يصلح للتطبيق!. وهنا أتذكر أننا نشرنا ملحقا بعنوان مصر إلي أين وأظهر مقال الاقتصادي المتميز مجدي صبحي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كيف أن مشروع النهضة للرئيس المعزول محمد مرسي غير واقعي, أو مثلما أطلق عليه الرأي العام فيما بعد فنكوش ولقد توقف الخبير مجدي صبحي أمام رقم002 مليار دولار استثمارات أجنبية لمصر, وهذا الرقم وحده كان الأكذوبة الكبري التي يدركها جميع الذين يعملون العقل لا العاطفة. هؤلاء الذين يطرحون الأسئلة العميقة ولا يكتفون بدغدغة مشاعرهم لأن النشوة تذهب وتبقي الوقائع والحقائق علي الأرض. وهكذا فإن التاريخ يعلمنا ان حكم الحمقي لا يدوم, وأن اعادة عقارب الساعة إلي الوراء ليست ممكنة, كما أن الشعب الذي ثار علي فساد مبارك وأركان نظامه, ثم فساد دولة المرشد وجماعته لن يقبل ثانية عودة الفساد والاستبداد ولا الممارسات القمعية لبعض الدوائر الفاسدة في أجهزة الأمن, ولن يقبل استمرار السياسات الاقتصادية المعروفة بالرأسمالية المتوحشة التي لاتزال تمارس في مصر رغم أنها وصفات كارثية وكما رأينا فقد أدت إلي خروج الناس في اليونان ودول أخري بأوروبا فضلا عن نشوء حركة احتلوا وول ستريت في الولاياتالمتحدة. وهنا فإن أرامل مبارك وأركان الفساد في عهده, وحملة المباخر الذين هتفوا لسياسات القمع والسياسات الاقتصادية الجائرة عليهم أن يجيبوا عن سؤال بسيط: لماذا تفجرت ثورة52 يناير وثورة03 يونيو؟, وحتي مع الإقرار بأن الإخوان ركبوا الثورة,. وأن هناك قوي أجنبية أسهمت ومولت بعض الحركات الثورية.. فإن السؤال يبقي: لماذا كانت المظاهرات الفئوية, وحركات الاحتجاج التي طالت معظم فئات المجتمع؟ والسؤال الأخطر: لماذا خرج الناس بالملايين يطالبون بالتغيير في52 يناير و03 يونيو؟ والإجابة التي يعرفها الجميع هي أن هناك غضبا شديدا ومتراكما من جراء سياسات غير عادلة, وشبابا ومواطنين لديهم مطالب مشروعة لم يتم تحقيقها. وهذا الشباب الغاضب الذي دفن نظامين مبارك ومرسي يمكنه أن يفعلها ثانية ومن هنا فإن الاكتفاء بأن الوطن يتعرض لمؤامرة, وأن هناك طابورا خامسا, والاطمئنان إلي ان الشعب لفظ حكم الإخوان, وأن حزب الكنبة تحرك وأصبح لديه شكوك حول تيارات الإسلام السياسي.. كل هذا لن يكفي إذا ما لم تتغير السياسات ومرة أخري إن تحميل الأمن أعباء السياسة, أو اختطاف الأمن للسياسة لن يذهب بنا إلا إلي الطريق المسدود, والاحتقان السياسي, وعودة الاضطرابات الفئوية, أو لا قدر الله مثلما يهمس بعض رجال الصناعة العقلاء إلي ثورة جياع هذه ليست دعوة إلي اليأس بل للعمل بجد لإزالة آثار الجمود والفساد الذي جري خلال العقود الماضية, فضلا عن اشاعة الأنوار والأمال بالعمل لا بطنين الكلام حتي نبدد خطر الفاشية الدينية التي تهدد الدولة المصرية, ولاتزال تهدد المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية. وأحسب أن المؤسسة العسكرية المصرية وقادتها يدركون أن الأخطار المميتة تأتي من الداخل, وأن المؤامرات الخارجية التي لم ولن تتوقف يوما من السهل التصدي لها. إلا أن التهديد هذه المرة تراكم طبقات فوق بعض من جراء سياسات غير عادلة, وللأسف هذه السياسات التي حققت مكاسب لحفنة الفاسدين أنتجت شعبا مازال يرزح تحت نيران المرض والامية, وأكثر من06% منه تحت خط الفقر, وتراجع اقتصادي وبطالة عالية, ونسبة عالية من المدمنين, وعدد لا بأس به من البلطجية, وجماعات إرهاربية.. الخ, هذه أوضاع لا يمكن لها أن تستمر خاصة في ظل الاستسهال إما بالتكفير وإما التخوين أو بسيل من الأغاني وأحسب أن عقلاء المؤسسة العسكرية والإدارة المصرية الحاكمة تدرك أن حل المشاكلات من جذورها أجدي وأنفع, ومثلما قال الفريق أول عبدالفتاح السيسي إذا كنتم تريدون مصر قد الدنيا.. فلابد من العمل, ومطلوب تضحيات وأحسب أن ذلك هو الطريق, وليس التعليمات الأخيرة لأعضاء الحكومة بالإكثار من الوجود الإعلامي فأغلب الظن أن الإعلام ليس بمقدوره أن يجعل الناس تشعر بالرضا ما لم تتحسن أوضاعهم علي الأرض, وبالمناسبة أين الحد الأدني للأجور للعاملين في القطاع الخاص؟ أيها السادة افيقوا أو استقيلوا يرحمكم الله, فانتم تدفعون الناس دفعا للفاشية الدينية. لمزيد من مقالات محمد صابرين