نستطيع أن نسوق عددا من الأدباء الذين اهتموا أن يذيلوا كتاباتهم بحكمة تعينك علي فهم الحياة ولكن يعد' جون دي لافونتين'(16951621 م) أكثر الأدباء ابتكارا وتميزا بالأصالة الابداعية. فقد نشأ' لافونتين' في إحدي مقاطعات الريف الفرنسي' شاتو تيري' وهو ابن موظف يعمل في الغابات والمياه.. تزوج وأنجب وعمل لفترة محاسبا في البرلمان الفرنسي.. لكن رجلا مثل' لافونتين' لا يقنع بالحياة الرتيبة ولايمكن أن يحتل تفكيره سوي الطبيعة والجمال لذلك هجر كل شيء وتفرغ للكتابة. وفي الفترة من1668 حتي1694 صاغ' لافونتين' خرافاته الحكيمة في12 كتابا ضم حوالي230 من الخطابات القصيرة المنظومة شعرا جميلا.. وذلك علي ألسنة الحيوانات والجماد وكلها حكم وموعظة وطرافة وبأسلوب أدبي رفيع المستوي: ومن بعض هذه القصص الشعرية يشير الي الرجل العجوز علي فراش الموت الذي يجمع أبناءه ليحرثوا المزرعة حيث الكنز المدفون تحت الأرض.. ويموت الوالد ويكتشف الابناء مغزي هذه الحكاية أن القوة تعتبر ضعفا بغير اتحاد, فقد زاد المحصول وعم علي الجميع.. أما سائق العربة التي انغرست في الطين حيث يستنجد ب' هرقل' ولكن هرقل يرد عليه بأنه يجب ان يتحفز كالناس, وفعلا ينجح الرجل في انتزاع عربته, والمغزي هنا ساعد نفسك قبل طلب المساعدة. وعن التيس والثعلب حيث أن نظرة التيس قاصرة وأقصر من لحيته ولذا اجتذبه الثعلب الي بئر وقع فيها وصعد علي ظهره وخرج الثعلب وبقي التيس لقصر نظرته وعن الموت والحطاب والذي ينادي الموت ليخلصه من شقاء الحياة حيث يعاني من وجود زوجة وأطفال وضرائب وجند, وعندما وصل الموت أجابه الحطاب أنجدني لتحميل الحطب فالألم أفضل من الموت وهكذا مما نردده نحن أحيانا. تعب هي الحياة فما أعجب من راغب في ازدياد. ويحدد' لافونتين' في قصصه الشعرية هدفا مزدوجا أن يتعلم الناس عن طريق المغزي الذي تتضمنه وفي نفس الوقت يشعرك بالانتعاش والغبطة والأهم يمنحك رؤية أخلاقية وعلمية معا.. أما خلقيا فلأنها تسهم في تكوين الأخلاق من خلال الحكم علي الأشياء وعلميا بالحرص علي جعلها قادرة علي تبصير الإنسان بخصائص الأشياء. ثم هناك التنويع الذي يشوقك ويجذبك ويعلمك ويهذب من مشاعرك ومن ثم من تفكيرك وبالتالي من سلوكك وأفعالك فهنا فرع شجرة أو نهر وقد تكون شخصيات من الحيوانات, فهو في كل الأحوال يهدف الي الاصلاح ويسخر من الرذائل دون آلات أو جروح أو قتال. وهنا يقول الناقد نيسارد(Nisard) إن حكايات لافونتين هي مثل(1) الحليب الذي يتغذي عليه الطفل.(2) الخبز الذي يأكله الناس.(3) الطعام الذي يصلح للشيوخ. وقد صدق رينيه برايReneBray حين قال ما أسعد البلد الذي يملك كاتبا مثل' لافونتين' ليعلم أبناء ذلك البلد. أما المستشرق الفرنسي سلفستر دي ساسي فقد أشار الي تأثير قصص لافونتين الشعرية بقوله: إن تأثير قصص لافونتين الخرافية يدخل السعادة علي قلوب ثلاثة أجيال مختلفة:(1) فالطفل يبتهج للحيوية التي تتميز بها القصة.(2) أما دارس الأدب فيجد فيها ضالته المنشودة من الأدب تام الكمال.(3) بينما يستمتع الرجل المجرب بما فيها من تأملات بارعة في الشخصيات الإنسانية وفي الحياة. ويقول لافونتين:' إن الحكاية هي لسان الحيوان ذات جزأين الأولي يمكن أن يطلق عليها جسما والآخر روحا, فالجسم هو الحكاية أما الروح فهو المعني الاخلاقي. واذا كان' لافونتين' يري في الحيوانات أنها قادرة علي الحركة والاحساس والحكم علي الأمور فإن' ديكارت' يري في الحيوانات مجرد آلات تتحرك. وعامة يسعي لافونتين إلي علاج الناس مما يوصفون به من دهاء وعنف ورياء وتهور وطيش, وهي عيوب يحاول هذا الأديب علاجها من خلال كتاباته التي يمكن تقسيمها إلي ثلاثة نماذج: الأول هو القصص الخرافية. والثاني هوالنوادر والحكايات. والثالث موزع علي اتجاهات مختلفة. وقد نشر طه حسين كتابا عام1950 سماه جنة الحيوان في146 صفحة وجعل الحوار يجري علي لسان الحيوان وكان يقصد غرضا سياسيا يكمن وراء قصته والحكمة التي تستخلص منها وقد تأثر أحمد شوقي في ديوانه الشوقيات(18931892) وأشار الي أنه جرب نظم الحكايات علي أسلوب لافونتين وذلك أثناء اقامته في باريس.. وتعد الحكايات القصصية المتنوعة في أدب العالم من أهم الأعمال الأدبية التي تقع تحت مجهر الأدب المقارن فالحكاية علي لسان الحيوان أو الجماد من اقدر الأساليب التي ترمي لهدف أو غاية تربوية بأسلوب سهل. لمزيد من مقالات د.سامية خضر