ترامب: تكلفة "القبة الذهبية" جزء صغير من 5.1 تريليون دولار عدت بها من الخليج    منذ فجر اليوم.. 98 شهيدا في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    إسرائيل ترد على دول الاتحاد الأوروبي: تُعانون من سوء فهم تام للواقع    موعد مباراة توتنهام ومانشستر يونايتد في نهائي الدوري الأوروبي والقنوات الناقلة    بسبب المخدرات.. شاب يقتل والده خنقًا ويحرق جثته في بني سويف    انفصال أحمد السقا رسميا عن زوجته مها الصغير    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    محمد معروف المرشح الأبرز لإدارة نهائي كأس مصر    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    170 مليون دولار من قادة العالم لدعم ميزانية "الصحة العالمية"    رسميًا الآن.. رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025    رابط نتيجة الصف الثاني الإعدادي الأزهري 2025 بالاسم ورقم الجلوس فور ظهورها    تقدر ب2.5 مليون دولار.. اليوم أولى جلسات الطعن في قضية سرقة مجوهرات زوجة خالد يوسف    هبوط عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة    ترامب: بحث قضية نشر الأسلحة في الفضاء مع فلاديمير بوتين    «أهدر كرزة مرموش».. تعليق مؤثر من جوارديولا في ليلة رحيل دي بروين    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    رياضة ½ الليل| جوميز يشكو الزمالك.. رفض تظلم زيزو.. هدف مرموش الخيالي.. عودة لبيب    تقرير سعودي: نيوم يستهدف ضم إمام عاشور.. وتجهيز إغراء للأهلي    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    إيهود أولمرت يهاجم إسرائيل: حرب غزة الآن بلا هدف    ترامب يتهم مساعدي بايدن بالخيانة ويتوعدهم ب«أمر خطير»    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    وزير الشؤون النيابية عن الإيجار القديم: سيتم رفع الأجرة السكنية إلى 1000 جنيه حد أدنى في المدن و500 جنيه بالقرى    غرق طفل أثناء الاستحمام بترعة نجع حمادي في المراغة    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض في الأسواق اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    توقيع عقد تعاون جديد لشركة الأهلي لكرة القدم تحت سفح الأهرامات    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    المجلس الوطنى الفلسطينى يرحب بإعلان بريطانيا فرض عقوبات على مستوطنين    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    فيديو- أمين الفتوى: قوامة الرجل مرتبطة بالمسؤولية المالية حتى لو كانت الزوجة أغنى منه    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    وزير الصحة: ملتزمون بتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات الصحية من أجل مستقبل أفضل    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بصدق
مثلث الرعب!

بين المال الغامض, والإعلام الفاسد, والطابور الخامس, تقف مصر, الآن, في مفترق طرق, أشبه بحركة المرور في شوارعها, قد لا تستطيع التحرك فيها جميعا, معظم الوقت, إذا استمرت رهنا للأيدي المرتعشة في هذا, وللمؤامرات الواضحة من هذه, وللابتزاز المستمر من هؤلاء.
وعلي الرغم من أن الأمر علي قدر كبير من الخطورة, فإنه لا يوجد في الأفق, حتي الآن, ما يشير إلي أن مؤسسات الدولة الرسمية تستطيع اقتحام هذه القضايا, وغيرها الكثير, بعدما فرض الفساد الإعلامي نفسه كأحد أركان اللعبة السياسية, وبعدما استشري الطابور الخامس في المؤسسات الرسمية, وبعدما توقفت لغة الحوار مع عنف الشارع, نزولا علي رغبة ذلك الإعلام, أو خضوعا لابتزاز ذلك الطابور, ومن هنا جاءت الأيدي المرتعشة, التي سوف تتسبب في مزيد من التردي علي كل المستويات.
وللأسف.. لدينا مؤسسة رئاسة, تعلم أنها في النهاية مؤقتة, ومؤسسة حكومة مرتعشة, يدرك أعضاؤها أن حالة الشطط, التي يعيشها المجتمع, قد تودي بهم, بين لحظة وأخري, إلي غيابات الجب, ومؤسسة عسكرية تحرص, طوال الوقت, علي عدم التدخل في الشأن التنفيذي, وقد تركت هذه المؤسسات الثلاث, المواطن المغلوب علي أمره, فريسة لذلك الفساد الإعلامي من جهة, ولمؤامرات الطابور الخامس من جهة أخري, ومن هنا كانت النكبة, التي نعيشها الآن, من فساد استشري أكثر من ذي قبل, وغلاء لا يرحم, وانفلات لا يتوقف.
وبين أحزاب سياسية ورقية, ولجنة إعداد دستور مطعون عليها, ومجالس عليا تم تشكيلها في غفلة من الزمن, وسيطرة فاشلين علي الشأن العام, وإصرار علي الإقصاء للبعض, والتنكيل بالبعض الآخر, يظل أيضا, المواطن المطحون يسدد المزيد من فواتير هذه المرحلة الممتدة, في الوقت الذي أثري فيه كثيرون جراء هذا الوضع, بعدما ركبوا موجة الثورية, وبالتالي فلن يستطيعوا تحقيق تطلعاتهم أو مآربهم, إلا في ظل استمرار هذه الأوضاع المنفلتة والمتردية, ومن ثم وجدنا مقاومة عنيفة, لأي محاولات إصلاح, أو تهدئة, أو حتي حزم وحسم.
هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلي إجابات, وللأسف لم تجد من يطرحها, حتي الآن, من بينها: ما مصادر تمويل العديد من الصحف التي تصدر دون إعلان واحد ينفق عليها؟, وما مصادر أموال أصحاب هذه الصحف من رجال الأعمال الذين لا علاقة لهم بهذه المهنة؟.. وما سر إصرارهم علي الاستمرار في مشروعات خاسرة؟.. والحال نفسها تنطبق علي فضائيات الغبرة, التي أسهم بعضها في إشاعة أجواء الفوضي في المجتمع, من خلال مذيعات تزكم الأنوف, وأكلت علي كل الموائد, وعملت رسميا في الحملات الانتخابية للرؤساء السابقين, وفي مكاتب رجال الأعمال, ومن خلال بعض من أثروا من الفضائيات ثراء فاحشا, واستمروا طوال الوقت يتحدثون عن العدالة الاجتماعية, وعدالة توزيع الثروات, وأيضا من خلال ضيوف, عفا عليهم الزمن, لا علاقة لهم بالشارع, ولا بهموم الأسرة المصرية, من قريب أو بعيد.
وفي هذا الشأن..
تحديدا, أستطيع أن أؤكد أن إعلام الدولة الرسمي هو الذي ظل, وسوف يظل, يحمل مشعل التنوير والتثقيف, والحرص علي المصداقية, ونقل الحقيقة كاملة دون تلوين, أو خداع, فلا مصلحة لرجل أعمال, حيث الملكية للدولة, ولا مأرب لصحفي أو مذيع, حيث الراتب الشهري من الدولة, ولا علاقة بأي غرباء, حيث العمل من خلال الدولة, ولا تمويل من عاصمة عربية أو أجنبية, حيث الرقابة من الدولة, ومن هنا, بذل الآخرون جهودا مضنية, طوال أكثر من عقد مضي, لضرب إعلام الدولة في مقتل, والإصرار علي هدمه وتدميره, باستقطاب كوادره, بالرواتب المغرية أحيانا, وبأساليب غير أخلاقية في معظم الأحيان, إلا أنه ظل صلبا واقفا علي قدميه, متقدما صفوف المنافسة, بعد أن استطاع المواطن أن يفرق بين الغث والسمين, وبين الصدق والكذب, علي اعتبار أن ما ينفع الناس هو الذي يمكث في الأرض.
وإذا كان الإعلام الرسمي يعاني, إلي حد ما, من عملية التمويل في هذه المرحلة, فإن ذلك يعود إلي حالة الاقتصاد المتردية, بصفة عامة, التي ينهض من خلالها, ويتراجع معها, وهو ما يوجب علي الدولة دعمه إلي أقصي مدي ممكن لأسباب عديدة, أهمها أن أي مؤسسة رسمية لا تستطيع إعادة هيكلة موظفيها, بما يتيح لها الاستغناء عن بعضهم, كما يفعل الآخرون, بالإضافة إلي أن هذه المؤسسات لا تستطيع التراجع عن أي مكتسبات مالية شهرية حققها العمال في السابق, حين كان الاقتصاد مزدهرا, إلي جانب أنها لا تستطيع الانجراف خلف أداء الإثارة والابتزاز الذي يؤديه البعض, صباح مساء, بشكل فج, حيث استطاع الحفاظ علي قيم وتقاليد وموروثات المجتمع, علي الرغم من الظروف المرتبكة علي مدي السنوات الثلاث الماضية بصفة خاصة, وهو ما حفظ لذلك الإعلام مكانته وقيمته لدي المشاهد والقارئ, كمرجعية يعود إليها, للتأكد من صحة الخبر حين الشك فيه.
وقد بدا واضحا..
أن هناك زواجا كاثوليكيا في هذه المرحلة بين ثالوث المال الغامض, والإعلام الفاسد, والطابور الخامس, أسفر في النهاية عن هذه الحالة المزرية التي تعيشها البلاد الآن, من فوضي, وعنف, وتوتر, إلي حد جعل المسئولين يخشونه أيما خشية, والمواطنين يزدرونه أيما ازدراء, إلا أن ما يثير القلق هو ذلك الصمت الرسمي, حتي وإن كانت الدولة ضعيفة, أو مترددة, فما هو واضح أن زواج المال من السياسة, في مرحلة ما قبل25 يناير2011, كان سببا رئيسيا فيما آلت إليه البلاد بعد ذلك, فما بالنا بالوضع الحالي الذي أصبح أكثر فسادا, وأعلي ضجيجا, وأخطر علي الأمن القومي للبلاد من أي مرحلة سابقة.. وما يثير القلق, أيضا, هو أن هؤلاء وأولئك أصبحوا يجاهرون بعدائهم لجيش بلادهم تارة, وللمقدسات تارة أخري, بل لاستقلال وطنهم في معظم الأحيان, وكل ذلك تحت ذرائع الديمقراطية, وحرية الرأي, وحقوق الإنسان, وهي الذرائع التي أصبحت في عالمنا المعاصر, تحقق مكاسب طائلة مادية وعملية.
الأمر إذن..
يحتاج إلي إعادة صياغة المجتمع بما يضمن تحقيق أكبر قدر من الاستقرار, في أقل وقت ممكن, ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة نظر شاملة في التعامل مع هذه الملفات الثلاثة, فلا يعقل أن يظل ذلك المال الغامض يلقي بظلاله علي حركة المجتمع وتوجيهه, من خلال إعلام فاسد, وطابور خامس, بعد كل هذه الضريبة التي تم تسديدها بالدم, والمال, كما لا يعقل أن تستمر هذه الحالة في الوقت الذي يرنو فيه المواطن إلي مستقبل أفضل, بعد معاناة طال أمدها.. وإلا فإن حالة الاستقطاب السياسي الحالية, التي أصبحت ظاهرة جلية, سوف تتحول إلي حالة نفعية, محورها الترزق, والتكسب, حتي لو كان ذلك علي حساب مصالح الوطن, وهو ما بدأت تنزلق إليه البلاد, تحت مسميات: الحركات, والائتلافات, والروابط, ناهيك عن الأحزاب السياسية, والنقابات الموازية, والتنظيمات الخاصة, والجمعيات الأهلية, وهو الأمر الذي لن تستطيع الدولة تداركه بمرور الوقت.
ومن هنا..
فإن المرحلة لم تعد تحتمل أيدي مرتعشة, تأبي اتخاذ القرار, ولم تعد تحتمل مواءمات, أو حسابات من أي نوع, كما يجب ألا يظل مصير المواطن معلقا علي مثل هذه السياسة, التي أغفلته إلي حد الفقر, والجوع, والبطالة, وبالتالي يجب ألا يكون مستقبل الوطن رهنا بالانتهاء من استفتاء, أو بإجراء انتخابات برلمانية كانت, أو رئاسية, فقد طفح الكيل, وفاحت الرائحة, وبالتالي نخشي الانفجار, الذي يمكن أن يكون مدمرا هذه المرة, في ظل مستقبل غير واضح المعالم, وخريطة مستقبل لم تسد رمق طفل صغير, بعد أن استغلها البعض لتحقيق مآرب أيديولوجية, وتطلعات شخصية, وفئوية, سواء من خلال دستور لن يكون أبدا مقنعا, في ظل ما يشاع عن حواراته وجلساته, أو من خلال انتخابات مقبلة, يتحفز الطامعون للانقضاض عليها, في ظل حالة الإقصاء والعزل, التي لن تفيد المجتمع أبدا, بقدر ما تصب في مصلحة هؤلاء.
وقد يتساءل سائل: من هؤلاء؟, هؤلاء هم من يطلقون علي أنفسهم, نشطاء سياسيين, إلا أنني لم أستطع الإجابة لصديق عن سؤال: من هو الناشط السياسي؟, بعد أن أصبحت البرامج والصحف تقدم ضيوفها بهذا التعريف, وذلك لأنها بدت مهنة, يمتهنها إما متعطلون, أو ضاربو عرض الحائط بمهنتهم الأصلية, لا يؤدون عملهم تحت هذا الشعار, ولا يعيرون اهتماما بالعمل في ظل الفوضي السائدة, وإنما يتقاضون رواتبهم, بل حوافز مجزية, في ظل ذلك الشعار أيضا, وأصبح المجتمع يعج بالكثير من أمثال هؤلاء, بل تستعطفهم الأجهزة الرسمية, الحكومية منها والأمنية, فهي تخشي غضبهم وتتجنب سخطهم, وكأن استقرار المجتمع أصبح رهنا بمحترفي الابتزاز والبلطجة, باسم السياسة, وهم في الحقيقة مجرد حنجورية, كان يجب عدم التوقف أمامهم, أو الالتفات إليهم, إلا أنهم استمدوا قوتهم, أيضا, من تسليط بعض وسائل الإعلام عليهم, بما يجعل الصورة مكتملة الأبعاد, حيث المصالح مشتركة, والأهداف أيضا.
أري..
وبكل وضوح, وصراحة, أن الكرة الآن في ملعب قواتنا المسلحة, أو هكذا يجب أن تكون, فهي الجهة الوحيدة التي وثق فيها الشعب, وبالتالي سوف يصب جام غضبه عليها, حين تتأزم الأمور أكثر وأكثر, فعليها أن تتحمل المسئولية كاملة, ليس غدا, ولا بعد غد, وإنما اليوم والأمس, فلم يكن التفويض الشعبي, أبدا, بهدف فض اعتصام, أو تنظيم حركة الشارع, أو حتي تفريق مظاهرات, وإنما القضية كانت أكبر من ذلك بكثير, فنحن أمام وطن ينزلق إلي الهاوية, وهو في حاجة إلي إنقاذ, وأمام مسيرة تفشل, وهي في حاجة إلي تقويم, وأمام تحفز خارجي, في حاجة إلي مواجهة, والأهم من كل ذلك, هو ذلك الثالوث المرعب الذي يتحفز للانقضاض, ولن تكون هناك قوة تستطيع مواجهته سوي القوات المسلحة, بالتفاف الجماهير حولها من جهة, وبما عرف عنها من صلابة, ووطنية, وقدرة علي المواجهة من جهة أخري.
هذه هي إذن مهمة إعلام الدولة الرسمي, الذي يجب ألا يخشي مواجهة الموقف, مادام الأمر يتعلق بمستقبل الوطن, وهي لن تكون أبدا مهمة الإعلام الخاص, مادام الأمر يتعلق بالممولين, أو المنتفعين, وهذا هو أيضا دور الإعلام الرسمي الذي يجب أن يقود القاطرة, ولا يدعها أبدا تمر من خلال مصالح رأسمال محلي أو أجنبي, كما يجب ألا يتخلي الإعلام الرسمي, تحت أي ضغوط, عن كشف الأدوار المشبوهة في المجتمع, التي يأتي في مقدمتها الآن ذلك الطابور الخامس, الذي يتحصن بمصطلحات زائفة, واتهامات لمواجهيه, لم تعد تصلح لذلك العصر, أو تقنع عابري السبيل, ومن جهتنا سوف نستمر في كشف الحقائق, وإلقاء الضوء علي الفساد, ومحاربة الفاسدين, وفتح ملفاتهم واحدا تلو الآخر, بالإضافة إلي مطاردة المترهلين علي مكاتبهم, والمتلونين في برامجهم, والمزايدين علي مصالح بلادهم, فليس هناك ما يفرض علينا الخضوع أو الخنوع.
والحقيقة المؤكدة..
هي أن الحق هو المنتصر في النهاية, في أي معركة مع الباطل.. والحقيقة المؤكدة, أيضا, هي أن أحدا لن يستطيع خداع الناس كل الوقت.. والحقيقة المؤكدة, أيضا, هي أن مزبلة التاريخ تعج بالكثير من الأسماء اللامعة, إلا أننا الآن لا نمتلك رفاهية دعهم وشأنهم, وأن التاريخ سوف يحكم عليهم, فحين ذلك يكون البلاء قد عم, كما أننا أيضا لا نمتلك رفاهية المواءمات والتوازنات, فحين ذلك يكون الخراب قد شاع, ولذلك فإننا حين نستنجد بقواتنا المسلحة, فذلك لإدراكنا أنه لم يعد هناك ملاذ آخر بعد الله سبحانه وتعالي, وحين طالبنا في السابق الفريق أول عبدالفتاح السيسي, وزير الدفاع, بالإسراع بتحمل المسئولية, فكان ذلك يقينا منا أن ذلك هو الصواب, وأنه لم يعد هناك مبرر للتباطؤ, وحين نطالب الآن بسرعة مواجهة المال الغامض, والإعلام الفاسد, والطابور الخامس, والأيدي المرتعشة, فذلك لأننا أمام وطن علي شفا الهاوية.
معني الزيارة..!
جاءت زيارة جون كيري, وزير الخارجية الأمريكي, إلي مصر, الأسبوع الماضي, ثم زيارة وزيري خارجية ودفاع روسيا, سيرجي لافروف, وسيرجي شويجو, هذا الأسبوع, لتؤكد أن مصر كانت, وستظل, حجر الزاوية في علاقات الدول الكبري بالمنطقة إفريقيا, وعربيا, وشرق أوسطيا.
وعلي الرغم من كل ما اعتري العلاقات بين القاهرة وواشنطن, خلال الشهور الماضية, من توتر, أو فتور, فإن المؤكد أن خلافات الدول, ذات الوزن الإقليمي والاستراتيجي, تراعي الحد الأدني من الأبعاد المختلفة, نظرا للمصالح المشتركة فيما بينها, التي سوف تتأثر سلبا, حال استمرار ذلك التوتر, وهو ما يجعل هناك حرصا من هذه الدولة, وتلك, علي عدم التمادي في أي نوع من الإجراءات, أو حتي التصريحات التي تزيد من تعكير صفو هذه العلاقات.
ومن المؤكد أن زيارة كيري كانت تصب في هذا الاتجاه, وهو احتواء الموقف, قبل اتساع هوة الخلاف, وهو ما لم نألفه في الممارسات الأمريكية مع دول أخري عديدة, حيث اعتدنا التصعيد الأمريكي في الأزمات المشابهة, سواء من خلال وزارة الخارجية, والكونجرس لديها, أو عبر اللجوء للأمم المتحدة والمنظمات الدولية, بصفة عامة, في أحيان كثيرة, إلا أن التعامل الأمريكي مع الحالة المصرية قد برهن علي أن مصر حالة مختلفة, سواء من حيث التاريخ, أو الجغرافيا, أو البشر, أو الموقف الراهن, الذي لم يقبل المساومة.
وربما قد استفادت واشنطن, من ذلك الموقف الراهن, أن شيئا ما, قد تغير في مصر علي صعيد السياسة الخارجية, مؤداه أن هناك نظاما جديدا لن يقبل الإملاءات, وأن هناك قوات مسلحة بقيادة مختلفة, لن تقبل الوصاية, وأن هناك شعبا انتفض, ولم تعد المعونات تغريه, أو القروض, والصفقات تحنيه.
ومن هنا, فإن ندية التعامل, تفرض علي كل طرف عدم التدخل في الشئون الداخلية للطرف الآخر, وهذه هي أبسط قواعد العلاقات الثنائية بين الدول, التي ترغب في إقامة علاقات مشتركة فيما بينها, وإذا كانت مصر قد تنازلت عن هذا الحق في الماضي, لأسباب عديدة, فإن الأوضاع قد اختلفت الآن داخليا وخارجيا, ولم يعد مقبولا ذلك الانبطاح أمام الهيمنة الإمبريالية, التي كانت قد بلغت حدا لا يمكن قبوله شعبيا, حتي وإن تم قبوله علي المستوي الرسمي في السابق, لأسباب خاصة بالاستمرارية في الحكم.
فعلي مدي نحو35 عاما, كانت الإدارة الأمريكية, دائما وأبدا, عائقا أمام تحسن العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق, أو روسيا الاتحادية فيما بعد, كما كانت عائقا أمام توطيد العلاقات مع دول أخري مثل, إيران, أو كوريا الشمالية, وغيرهما من الدول, بل كانت السياسة الإمريكية تمثل عائقا أمام تحول ديمقراطي حقيقي في مصر, واكتفت باستقطاب نخبة من المثقفين والسياسيين, الذين راحوا يترجمون رغبات واشنطن علي أرض الواقع, في المجالات السياسية والاقتصادية, بل الاجتماعية.
ومن هنا.. كان تنويع مصادر السلاح بمثابة طموح مصري, لا يرقي إلي التنفيذ, وتنويع الاستثمارات ظل حلما بعيد المنال, وهو ما قزم من دور مصر في المنطقة, بل في المحافل الدولية, التي كانت تتطلب تنسيقا مسبقا, والأهم من هذا وذاك, هو أن المواطن لم يشعر يوما بالحرية الحقيقية, أو بالاستقلال الوطني, الذي ترعرع عليه منذ بداية الستينيات, حيث جاءت المعونة الأمريكية لتجهض هذه المعاني السامية تماما.
وربما كانت زيارة الوزيرين الروسيين في توقيت واحد, بمثابة عودة الروح لهذا الشعور الوطني, الذي جعل المواطن يتنفس الصعداء مع بداية عهد جديد, والخروج من هذه العباءة إلي آفاق أوسع, وذلك علي الرغم من أن التجربة السوفيتية معنا في السابق لم تكن ترقي إلي الحد الذي يثير فينا ذلك الزهو أو تلك النشوة, حيث كان بها ما بها من منحنيات, إلا أنها اللعبة السياسية التي تتطلب الانفتاح علي الجميع, وخاصة إذا كان الآخر بحجم الدب الروسي, الذي يعني الكثير للسلاح والاقتصاد, والسياحة, ناهيك عن السياسة, وما لروسيا من قوة في المحافل الدولية, وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي.
فالأرقام تشير إلي أن الجيش المصري مازال يعتمد علي أكثر من40% من السلاح الروسي, وهو في حاجة إلي تطوير وقطع غيار, والأرقام تشير إلي أن السياحة الروسية كانت حتي وقت قريب تتصدر السياحة العالمية القادمة إلي مصر, والتوقعات تشير إلي أن مستقبلا واعدا للتبادل التجاري, والتعاون الاقتصادي بين البلدين, والآمال تتطلع إلي تعاون سياسي وثيق حول العديد من قضايا المنطقة, وفي مقدمتها القضية الفلسطينية, والأزمة السورية, وأمن منطقة الخليج.
إلا أنه في كل الأحوال, يبقي باب الانفتاح المصري علي العالم مواربا, لا ينغلق أمام القادم من الغرب, أو الآتي من الشرق, بالشروط والمواصفات المصرية, فقد كان لنا من التجارب شرقا وغربا ما يحتم علينا ذلك, وبالتأكيد لن يلدغ المؤمن من جحر مرتين, لا علي الطريقة الأمريكية, ولا علي الطريقة الروسية, ولنا في الشقيقتين العراق وسوريا الأسوة.
لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.