علي الرغم من أننا جغرافيا نقع في قلب العالم... وعلي الرغم من أننا أمة وسطية... إلا أن رقبة مصر كانت لمدة عام كامل علي مذبح الإسلام السياسي الذي أراد ان يحكم بمرجعية الماضي وليس المستقبل... لمدة عام كامل طفح علي سطح الأحداث السياسية التي مرت بها البلاد الكثير من حمم البركان الخامد المتمثل في عدد من التنظيمات والأفكار المتطرفة التي بدأ ظهورها في الستينيات وتعاظم دورها في الثمانينيات. اتضحت الصورة وطفا علي السطح كل ما كان يخبئه أي نظام سابق...اتضحت الصورة وطفا علي السطح دور أمريكا واستخدامها للإسلام السياسي كسلاح تحت مسمي الربيع العربي لإضعاف البلاد العربية واحتلالها.. حول بداية ظهور الفكر المتطرف والتنظيمات المتطرفة وحول الفرق بين الفكر الجهادي والتكفيري وبداية الجماعة الإسلامية, ودور أمريكا في دعم الإسلام السياسي, كان هذا الحوار الشيق مع اللواء سعد سليمان, وكيل جهاز المخابرات سابقا والمتخصص في شئون الشيعة والتطرف. ما هي بدايات ظهور الفكر المتطرف تاريخيا؟ بدأ الخلاف المذهبي في الإسلام لأسباب سياسية بالأساس, حين اختلف المسلمون بعد النبي أي الناس أحق بالحكم. ولقد ظهر الخلاف علي أشده في الفترة من655 م. وحتي661 م. وبالتحديد في آخر سنة في حكم عثمان بن عفان وهي أيضا السنة التي أطلت فيها أحداث الفتنة الكبري ثم تولي علي بن أبي طالب الذي ظهر في عهدة أول فرقة في الإسلام للخوارج, وتوالي بعد ذلك ظهور الفرق وكان الاختلاف إما لخلافات مذهبية أو سياسية. فقد استشهد عثمان, ثم استلم الحكم بعده علي بن أبي طالب(655-661), وطالب معاوية عليا بالثأر لعثمان, علي طريقة قبائل الجاهلية ولم يقبل علي بهذا المنطق, فثارت ثوائر بين القائدين وانتهت بدماء كثيرة لولا أنهم استفزوا تدينه برفع المصاحف علي الرماح طلبا للصلح, وأرسلوا له عمرو بن العاص ليفاوض أبا موسي الأشعري, فاتفق هذان علي أن يخلع أبو موسي عليا وأن يخلع عمرو معاوية, فخلع الأول الثاني ولم يخلع الثالث الرابع, بل ثبته فأصبح معاوية ليس حاكما فقط بل حاكما شرعيا, وجرد علي من سلطته سياسيا. و لسوء حظ علي انشق بعض شيعته عليه احتجاجا علي سياسته التصالحية, وسموا بالخوارج وكفروا معاوية لخروجه علي الحاكم الشرعي, وطالبوا بإسقاطهما معا بالقوة. وقد حارب الخوارج عليا علي أن يحاربوا معاوية بعده, فهزمهم علي عسكريا في معركة النهاوند وسياسيا, فضعفت قيادتهم, وتحولوا إلي مجموعات مسلحة أكثر تعصبا. ثم لجأوا إلي الاغتيال السياسي ونجحوا في اغتيال علي(661 م) مع سبق الإصرار والترصد. وبعد هذا توالي ظهور فرق المنقسمين إما لأسباب سياسية أو مذهبية وجدير بالذكر أن خلافهم السياسي تطور ليصبح عقيدة تسمي بعقيدة الاستحلال فمبدؤهم تكفير المخالف وقتاله واستحلال دمه وماله. ومن هنا نجد أن بداية الاغتيالات كانت لتحقيق هدف سياسي بهدف استقرار الدولة الإسلامية ولقد وضعوا بأنفسهم بعد مقتل علي بن أبي طالب أول كلمة في دستور فكرهم المتطرف وهي غلطنا وكفرنا وتبنا لتظهر كلمة كفرنا لأول مرة وظهر لهم نوعين إما من ذوي التطرف السلمي الذين فضلوا البعد عن الحاكم والمجتمع وأقاموا بمنطقة حروراء, أو ذوي التطرف الإرهابي وهم الذين رأوا ضرورة تقوية أنفسهم لإجبار المجتمع الكافر علي أن يلتزم بالدين وبالقوة. وبعدها بقرون طويلة تم إرساء بعض قواعد الفكر الخاص بجماعة التكفير والهجرة فيما بعد والتي أسسها شكري مصطفي سنة1975 وعلي أساس تلك الأفكار تم اغتيال وزير الأوقاف حينذاك الدكتور محمد حسين الذهبي بعد أن كان قد انتقد في إحدي المناسبات فكر جماعة شكري مصطفي, بسبب إحساسه بخطورة هذا الفكر و عظم مخالفته للعقيدة الإسلامية. وما هي حكاية فرق الشيعة الإسماعيلية الموجودة بشمال شرق إيران ؟ هم أكثر فرق الشيعة ذوات النزعة الثورية, و امتلكت من القوة في القرن العاشر الميلادي ما يجعلها أن تعلن عودة الإمام الغائب وتحكم الشمال الإفريقي بأكمله و تخطته إلي حكم سوريا والحجاز. وقد كان الإسماعيليون في صراعهم الثوري يعتمدون علي إزاحة النظام السياسي القديم ثم تنصيب الإمام المختار اعتمادا علي مبدأ الاغتيالات وقد تم عمل تنظيم سري عنقودي للقيام بذلك. أما البداية فكانت بعد رفض طائفة من المسلمين ولاية معاوية ومطالبتهم بألا تخرج الخلافة من بيت الرسول(,), ظهر المذهب الشيعي في العالم الاسلامي, ثم تعددت الفرق الشيعية حتي انقسموا الي طائفتين هما الإسماعيلية والإثني عشرية. وقد نشط الإسماعيليون في جنوبالعراق واليمن وشواطئ الخليج العربي, إلا أن وجودهم لم يثمر إلا هناك في أقاصي العالم الإسلامي شمال غرب إفريقيا, وقد وصلوا إلي درجة من القوة دعت الإمام المستور إلي الظهور, وأعلن نفسه خليفة للمسلمين, ولقب نفسه بالمهدي, وهكذا نشأت الدولة الفاطمية بدعوي أنها من نسل السيدة فاطمة بنت النبي(,), وبعد60 عاما من إقامة الخلافة الفاطمية في شمال إفريقيا, دخل الفاطميون مصر,إلا انه بعد عقود من ازدهار الدولة الفاطمية بدأت تنهار. وبدأت بعد ذلك الدعوة الجديدة التي قادها الثوري حسن الصباح الذي ولد بمدينة زس. وماذا عن مرحلة أبو الأعلي المودودي مؤسس فكر الحاكمية ؟ ولد أبو الأعلي المودودي في جنوبالهند, واشتغل بالصحافة وأصبح رئيس تحرير لجريدة أصدرتها جمعية علماء المسلمين في الهند. وفي1926 قتل شاب مسلم زعيما هندوسيا متطرفا فنشبت صراعات بين المسلمين والهندوس فرد المودودي علي ذلك بمجموعة من المقالات نشرت في كتاب بعنوان الجهاد في الإسلام. ودعا المودودي إلي إنشاء حركة إسلامية تؤمن بالإسلام منهاجا للحياة وليس مجرد انتساب لدين متوارث عن السلف دون تطبيق مبادئه وتحقيق شرائعه علي ارض الواقع. وهكذا تأسست الجماعة الإسلامية وانتخب المودودي أميرا لها عام.1941 وقد نادت الجماعة الإسلامية بإقامة نظام إسلامي في باكستان علي أن يسير هذه الدولة دستور يرتكز علي الحاكمية لله وحده أو بمعني آخر لا يحل لأحد غير الله أن ينفذ حكمه في عباد الله. ويعتبر سيد قطب من أكثر المفكرين الإسلاميين تحمسا لآراء المودودي وقد نقل عنه كثيرا في كتاباته. ونظرية الحاكمية لله تستند في ركيزتها الأساسية علي العبودية التامة لله, وبالتالي فإن حياة البشر تعود بجملتها إلي الله, فلا يقضون هم في شأن من شئونها ولا في أي جانب من جوانبها من عند أنفسهم, بل يرجعون فيه إلي حكم الله ليتبعوه. فالمودودي المؤسس لهذه النظرية بعد شعار الخوارج الذي رفعه المحكمة الأوائل لإنهاء القتال بين علي ومعاوية, القائل:( لا حكم إلا الله). وبالرغم من أن الشعار في سياقه التاريخي كان محددا بواقعة معينة, إلا أنه امتد عبر التاريخ الإسلامي واستخدم استخداما واسعا في الصراعات والمصادمات العقيدية والسياسية والإيديولوجية, وصولا إلي الوقت الحاضر. ويذكر أن الهضيبي المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين حينها اصدر كتابا في الستينات بعنوان دعاة لا قضاة ليرد فيه علي منطق سيد قطب فيما يخص الحاكمية وأشار ان تلك الكلمة لم ترد مطلقا لا في القرآن ولا في السنة, كما ان الحكم بالشريعة لا يمنع الإنسان ان يقوم بإصدار التشريعات. وكيف لنا ان نواجه كل تلك الأفكار الآتية من كل اتجاه؟ وما هي أكثر التنظيمات شيوعا؟ في سنة1994 سمعت من إرهابي تائب كلمة لا أنساها وهي أنه قد قرأ بعض الكتب الصفراء ولم يجد من يصحح له. وبالتالي أقول أن دور المؤسسة الدينية كبير جدا في المرحلة المقبلة كما أن التعاون مطلوب من كافة مؤسسات الدولة. فتلك التنظيمات المتطرفة تسعي لأقامه الدولة الإسلامية كبداية لأقامه دولة الخلافة الإسلامية رغم أنه لا يوجد في القرآن أو السنة ما يشير إلي كلمة خليفة إلا في سورة البقرة وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة والمقصود بها سيدنا آدم علية السلام. وفكرهم بالفعل يحتاج إلي تصحيح واكبر مثال علي ذلك أن كتاب الفريضة الغائبة كان سببا مباشرا في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات. ولقد اعتمد منفذ الجريمة علي فتوي قيلت لابن تيمية ولذا كفروه واغتالوه في حين ان لأبن تيمية فتاوي تمنع ما حدث. وما هو الفارق ما بين الفكر الجهادي و التكفيري و السلفي الجهادي ؟ وكيف استطاع الإخوان الوصول إلي سدة الحكم رغم ضلوعهم في الكثير من عمليات الاغتيال منذ نشأتهم كجماعة دعوية ؟ الفكر التكفيري أسوأ فكر لأنه يكفر المجتمع بالكامل ويسعي لإقامة الدولة الإسلامية بالقوة. أما الفكر الجهادي فيكفر الحاكم فقط ولا يكفر المجتمع. أما الفكر السلفي الجهادي فهو مصطلح جديد يضع الجهاد كركن أساسي من أركان الإسلام وهو مقارب لفكر مذهب ديوباندي الموجود في باكستان. ونأتي إلي فكر الإخوان والذي يتبني نظرة إستراتيجية بعيدة المدي من خلال الاهتمام بالتربية والتعليم وإنشاء المدارس. وبالنسبة لوصول الإخوان, علينا ان ندرك ان المصري متدين بطبعه والمعابد موجودة علي ارض مصر منذ فجر التاريخ وبالتالي فإن التربة خصبة لأي شخص يتحدث في الدين. وفي2011 الأرض كانت ممهدة فلم يكن موجودا سوي الحزب الوطني وكتلة الإخوان المستمرة من80 سنة ولديها تمويل وتنظيم جيد يضاف إلي هذا كراهية الشعب للحزب الحاكم نتيجة لتردي الأوضاع ونتائج انتخابات2005 و2010 ولم يكن هناك أي حزب أخر ذي قواعد شعبية سواهم وبالتالي استطاعوا القفز علي الثورة.. وكان يجب أن نكون أكثر ذكاء في التعامل معهم ونتبع طريقة الملك حسين ملك الأردن رحمه الله والذي سمح لهم بالتجربة واجري انتخابات حرة وشفافة والنتيجة كانت حصول التيار الإسلامي علي40% من مقاعد مجلس النواب واليوم هم يمثلون6% فقط لأنهم اصطدموا بالشعب والخلاصة أن انهيار الفكر القومي أدي لظهور الفكر المتطرف في الستينات والذي تعاظم وجودة في السبعينات والثمانينات علي مستوي العالم كله. فالفكر الناصري كان اقوي من أي تطرف وبسقوط الفكر القومي بانفصال مصر عن سوريا كانت بداية ظهور تلك الأفكار التي بلغت ذروتها باجتياح صدام حسين للكويت. هل أمريكا تعتبر بالفعل الراعي الرسمي للإرهاب علي مستوي العالم؟ الأمريكان وجدوا أن الإسلام يستطيع أن يناهض الشيوعية ولذا أتوا بأسامة بن لادن وهو رجل أمريكا الأول وهو من فتح باب الجهاد ومن هنا كانت بداية ظهور المجاهدين الذين خرج جزء منهم من مصر لأنة كان ينقصهم التمويل والسلاح والتدريب وهو أمر تيسر لهم في أفغانستان لنري الآن جيلا جديدا من المتطرفين. وماخلقه الأمريكان أصبح شغله الشاغل الآن الجهاد ولذا انطلقوا الي كوسوفو وألمانيا وأصبحوا يشكلون جيلا جديدا من المتطرفين ذوي صبغة عالمية. أما بالنسبة لمصر نجد ان عبد الناصر استطاع ان يحتوي الشباب ويضمهم حول فكرة قومية أما السادات فقد سمح لتلك الجماعات بالعمل ليحارب الفكر اليساري وسمح بذلك دون تقنين وتلك كانت غلطته الكبري لان ذلك سمح بالغزل ما بين الإخوان والجماعات المتطرفة خاصة في الجامعات حتي ظهر هذا الداء في صورته المرضية الكبري باغتيال السادات نفسه. ومن هنا يتضح ضرورة وضع قانون ملزم لمكافحة هذا الفكر بالقانون وهو ما ينادي به الكل الآن بمنع أي أحزاب قائمة علي أساس ديني. واليوم الصورة بالفعل خطيرة فبعد أحداث11 سبتمبر ظهر لدي أمريكا اتجاه يهدف الي خلق مشاكل في العالم الإسلامي وبدأتها بإحياء الصراع السني- الشيعي. وقد بدأوا في العراق ثم لبنان والبقية تأتي. كمتخصص في شئون التطرف وما يخص الفكر الخاص بالمذهب الشيعي... كيف قرأت قصة فتح محمد مرسي للعلاقات مع إيران؟ إيران تسعي لأن تحكم الأمة الفارسية العالم الإسلامي رغم أن إجمالي عدد الشيعة علي مستوي العالم لا يتعدي10%. فعددهم حوالي140 مليونا في حين أن عدد المسلمين السنة مليار وأكثر. من ناحية أخري يوجد في مصر لديها28 مقاما لآل البيت ونحن شعب محب لآل البيت ولكن إيران تعتبر دولة شيعية وتري مصر كهدف استراتيجي. وقد يكون المذهب الجعفري والإثنا عشرة الأقرب لنا ولكن فكر الإسماعيلية وما تفرع منه قد يودي إلي خلاف كبير. الخلاف يتجسد أيضا فيما يخص اختيار الحاكم فالشيعة يروا أنه يجب أن يكون نسله ممتدا لآل البيت والسنة يرون أن يتم اختياره وفقا للشوري ثم البيعة. كما أن هناك خلافا كبيرا فيما يخص زواج المتعة والميراث وغيرهما من الأشياء التي كانت تنذر بكوارث عدة. ففكرهم دخل في صميم السياسة. وبالتالي نجد أن فتح الباب مع إيران حتي لو كان بهدف اقتصادي وهو استجلاب سياحة إيرانية إلي مصر إلا أنه كان سيؤدي إلي كارثة دينية. وما هو الموقف الحالي في مصر بعد30 يونيو؟ مصر هي درة الشرق وجوهرة التاج, وبسقوط الإخوان في مصر ستتهاوي في كل البلاد الأخري الواحدة تلو الأخري. وهم يدركون ذلك لذا قام التنظيم الدولي لجماعة الإخوان برصد مبلغ175 مليون دولار لتشويه صورة مصر بالخارج حتي ان صحيفة شهيرة رفضت إعلانا مدفوع الأجر بهدف القيام بذلك. والسؤال هو أين دور الهيئة العامة للاستعلامات التي يجب أن تتابع وتخرج بتصريحات وصور يومية لكل وسائل الأعلام المرئية والمقروءة. كما أنه من واجبنا أن نقوم باحتواء الشباب المغرر به ليعود الاستقرار إلي مصر. وقادة الفكر والمؤسسة الدينية آن لهم أن يقوموا بدورهم علي أكمل وجه لشرح ما هو التطرف وما هي تبعاته وما هو صحيح الدين. وبالتالي يجب أن تكون هناك منظومة متكاملة لمكافحة هذا الفكر يشارك فيها الأعلام وتلك هي قضية مصر في المرحلة المقبلة.