هذه قضية كثر الحديث عنها في هذه الايام بعد ثورات الربيع العربي وبعد تحرر العالم الاسلامي من النظم الفردية والاستبدادية وتطلعهم الي نظام حكم جديد يحقق لهم الكرامة والعدالة والازدهار والحرية والتقدم والنهضة الحضارية. والسؤال هو ايهما نختار لمستقبلنا وتحقيق امانينا.. الدولة الدينية كم نشأت في عصور الحكم الاسلامي الرشيد.. ام الدولة العلمانية كما نشأت في اوروبا وامريكا وكثير من دول العالم الناهضة ونبدأ بشرح كلمة العلمانية كما تطبق اليوم في كثير من دول العالم الناهضة, فقد كانت اوروبا في العصور الوسطي تعاني نفوذ الكهنوت ورجال الدين الذين حرفوا الدين وجعلوه نوعا من الخرافات والسيطرة والتجارة والتحكم في رقاب الناس وافكارهم. كانوا يبيعون صكوك الغفران ودخول الجنة لمن يدفع ويمنعون العلم والبحث ويمنعون حتي الاطباء من علاج الناس بادعاء ان المرض عقاب من الله علي العبد اذا ارتكب معصية في حق الله, وان علاج المرض بالدعاء الي الله واضاءة الشموع, وان الكاهن وحده له الحق في ممارسة هذه الشعائر, واذا تجرأ الطبيب علي علاج الناس بالدواء فهو كافر ويضعونه علي الخازوق حتي الموت!! ولم تستطع اوروبا التخلص من هذه الخرافات الا عندما اعلنت العلمانية الاعتماد الكامل علي العلم والبحث والتجربة في كل مشاكل الحياة,واستبعاد الدين والكهنة عن السيطرة علي حياة المجتمع, وبذلك نهضت بسرعة, كان هذا في الغرب وبعض الدول الآسيوية التي فيها نظام كهنوتي كالبوذية وغيرها. ولكن الحال في الاسلام يختلف عن هذا المفهوم اختلافا جذريا فليس في الاسلام رجل دين يختص بالواسطة بين الانسان والرب بل ان الصلة في الاسلام مباشرة بين الرب والعبد وان المحن والنكسات التي تحل بالانسان اكثرها تكون من الخطأ في سلوكه, وان عليه اصلاح هذا الخطأ بنفسه وبعلاقته بالله وتقربه اليه والعمل الصالح, وان المرض ليس عقابا علي ذنب يقترفه الانسان في حق الله, فحتي الانبياء يمرضون, وقد كان الرسول وهو المعصوم من الخطيئة يؤكد ذلك. فيسألونه أتمرض مثلنا يارسول الله فيقول( اني لأوعك مثل رجلين منكم) اي يصيبني المرض بأشد صورة.والاسلام دين العلم! العلم في كل شيء في حياة الناس, واول اية خاطب بها الله رسوله هو قوله( اقرأ) وان معرفة الله والتقرب اليه يكون بالعلم فيقول( إنما يخشي الله من عباده العلماء) وعندما مرض نبي الله ايوب دعا ربه ان يشفيه من مرضه: لم يقل الله عليك بالصلاة والاستغفار من ذنوبك بل قال له( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب). فمفهوم العلمانية في الاسلام هوالدراسة والتجربة والبحث والتنقيب وليس الكفر بأنعم الله ولا إنكار وجوده ولاالبعد عن الدين. ومنذ خمسين عاما تقريبا الفت كتابي بعنوان( كيف تحكم بالاسلام في دول عصرية) فقد كنت ابحث عن نهضة لهذا الوطن, وعن الطريق الي إنشاء وطن قوي متماسك متألق ناهض علميا وحضاريا واخلاقيا وقد هداني الله بعد طول تأمل وتجربة وتفكير, ألي ان الامم لاتنهض ولاتخرج من التخلف والفقر والانقسام إلا بأحد امرين, اما بالعلم فنصبح مثل اي شعب اوروبي علي قدر من التعليم العالي والوعي والروح العلمية, وهذا يستغرق منا قرونا طويلة, حيث لم تنهض اوروبا الا بعد3 او4 قرون من تخلصها من ظلام العصور الوسطي, اما الوسيلة الثانية والاسرع للنهضة فهي العقيدة الدينية المستنيرة التي تبعث الهمة والطموح والعمل الصالح, والتفاني في خدمة الناس والوطن, والتي تبعث في الانسان الروح العالية والعبقرية والابداع والابتكار, بالعقيدة الدينية قامت الدولة الاسلامية واقامت اعظم حضارة في التاريخ واسرع نهضة. ولن نستطيع أبدا ان نقيم نهضة كبيرة اونصلح اقتصادنا او نقضي علي مظاهر الجهل والفرقة والتخلف والفقر إلا بالعقيدة الدينية ولكن بشرط مهم ان يكون فهمنا للدين بالاسلوب العلمي المستنير الذي قام عليه الاسلام وليس باسلوب البدو والأعراب والتطرف الذي بدأ يظهر كثيرا.