بدت بريطانيا مؤخرا وكأنها في حالة تأهب أمني بعد أن أعلن أندرو باركر مدير جهازMI6 البريطاني المسئول عن الأمن الداخلي ومكافحة التجسس, أن الجهاز يتوقع هجوما أو هجومين إرهابيين في بريطانيا كل عام. وقال إن الإرهاب أصبح ظاهرة منتشرة ليس من السهل توقعها تماما, وأن تنظيماته تلجأ لاستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة, وهو ما جعل التهديدات الإرهابية متنوعة في أشكالها وتتزايد بشكل دائم. وقال باركر إن330 شخصا قد أدينوا بارتكاب أعمال إرهابية في بريطانيا من11 سبتمبر2011 وحتي نهاية مارس2013, وأن120 شخصا منهم قد أودعوا السجون, وأن75% منهم يحملون الجنسية البريطانية. وخلال الأشهر الأولي من العام الحالي جرت أربع محاكمات لمشاركين في مؤامرات تدعو للإرهاب بما فيها التخطيط للقيام بهجمات علي أماكن عامة باستخدام قنابل موضوعة في حقائب يد, وهو ما يأتي استكمالا بسلسة من العمليات الإرهابية التي وقعت قبل ذلك ومنها التخطيط في يوليو2005 لقتل جنود الشرطة وتخطيط آخر للهجوم علي مسيرة لذوي الاتجاهات اليمينية كان يشارك فيها بريطانيون. وبالرغم من خطورة المعلومات التي أعلنها أندرو باركر, فإن هناك البعض في بريطانيا الذين يعترضون علي الوسائل التي تتبعها أجهزة المخابرات بالتنصت والمراقبة علي المشتبه بهم من الإرهابيين, والتي تعتبر أن قيامها بهذا الدور فيه حماية للأمن القومي وسلامة الأفراد والحيلولة دون قتلهم عشوائيا أو قتل أشخاص بعينهم, بينما تمسك المعارضون بالجانب الخاص بحقوق الإنسان وقدسية حماية الحياة الخاصة للأفراد, لكنهم يفصلون ذلك عن الجانب المتعلق بالأمن القومي للدولة. ومن ضمن الجدل الذي دار حول الاختلاف بين وجهتي النظر بشأن خصوصيات الأفراد وحماية أمن البلاد, كان هناك اهتمام بما قال آلن روشبريدجر رئيس تحرير صحيفة الجارديان البريطانية, الذي قال إن تصريحات أندرو باركر كانت متوقعة منه بإعتباره رجل مخابرات محترف, لكن جهازMI6 لا يمكن أن يكون الصوت الوحيد في المناقشات الدائرة حول هذا الموضوع بل يجب الإستماع إلي مختلف وجهات النظر. إن هذا الاختلاف في وجهتي النظر ربما لا يكون قاصرا فقط علي ما يجري الآن في بريطانيا ولكنه موضوع جدل في كثير من الدول التي تعاني الإرهاب, فالأجهزة المختصة بمكافحة الإرهاب بالدولة هدفها أولا وأخيرا حماية المواطن وسلامته, بينما منظمات المجتمع المدني التي تنشط في مجال حقوق الإنسان يتركز اهتمامها علي الجانب المختص بطبيعة عملها وهو حماية المواطن وحياته الخاصة وسلامته, وبذلك يستمر الجدل, ولعل رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون كان قد حسم هذا الأمر عندما قوبل بانتقادات علي الهجوم الشديد الذي شنته قوات الأمن علي الفوضويين والمجرمين والبلطجية الذين قاموا بأعمال شغب في لندن وغيرها في أحداث العنف التي شهدتها في صيف2011, وأمر بأن تقوم قوات الأمن بقمعهم بقوة وشدة, وكان رده علي من ينتقدونه هو لا تسألوني عن حقوق الإنسان عندما يكون الأمن القومي البريطاني مهددا. إن ما يجري في بريطانيا اليوم يوضح وجود عناصر مشتركة تربط بين ما يجري هناك وما تشهده مصر من عمليات إرهابية تستهدف المجتمع بمختلف مؤسساته والمواطن الذي لا ينتمي إلي تلك الجماعات المحدودة العدد التي لها فكر تنظيمي يخصها يزعم الدفاع عن الإسلام, وهو ما سيطرح السؤال عن الجهة التي تخدمها هذه الجماعات في النهاية وأجندتها الخاصة من فرض تصور صدامي ورجعي عن الإسلام لا تؤدي سوي إلي دفع المجتمعات الإسلامية إلي الوراء وجعلها عاجزة علي أن تخطو نحو التقدم وخدمة أهداف من يريدون يقولوا هذا هو الإسلام مع أن الإسلام ليس له علاقة بذلك سواء من قريب أو من بعيد.