من جديد تحتل مواد الهوية في الدستور المساحة الأبرز إعلاميا علي حساب ماعداها لاسيمامع اقتراب لجنة الخمسين من انهاء عملها.... الحق أن وجهة نظري في هذا الباب لم تتغير عن ذي قبل فأنا مصر علي اعتبار الهوية مرآة تعكس الحالة الموجودة في الشارع والمجتمع بالفعل; بحيث لا يمكن الحديث في المجتمعات الناضجة حضاريا عن هوية تفرض علي الشعب أو تزيف. وحزب النور المشارك في لجنة تعديل الدستور يتبني وجهة نظر المحافظة علي المرجعية الواضحة للشريعة الإسلامية في نسخة الدستور المعدلة كما كانت في نصه الأصلي الفائز بنسبة64% في استفتاء لا يمكن أن تنتفي عنه صفتا النزاهة والشفافية; والسبب في هذا الإصرار هو أولا المرجعية الإسلامية التي ينتمي إليها الحزب والتي يزعم أنها تعبر عن الأغلبية الكاسحة من الشعب المصري; وثانيا حرصه علي إيقاف نزيف المكاسب الديمقراطية التي حققها الشعب خلال عامين من بعد الثورة. أما من ناحية المرجعية الإسلامية; فالذي نؤمن به أنها ليست حكرا علي فصيل معين يبتز بها الآخرين; وأحد أبرز الأدلة علي عدم انتزاعنا هذا الحق عنوة من الآخرين ليس فقط نسبة الاستفتاء الماضية علي الدستور الذي احتوي المادة219( وهي موطن النزاع الآن) وإنما أن مؤسسة الأزهر( وهي المرجعية الإسلامية الرسمية المتفق عليها في مصر) وكذلك المؤسسة العسكرية ظلا مشاركين في جمعية الدستور الماضية حتي النهاية; بل إنهما شاركا في احتفال تسليم الدستور للرئيس مرسي في هذا الوقت ليعرضه علي الشعب في استفتاء عام. والأكثر من ذلك( وهذه شهادتي كأحد الأعضاء المنتخبين في لجنة الدستور السابقة) أن اتفاقا قد جرت وقائعه بين حزب النور والأزهر والكنيسة وشهد عليه رموز باقي التيارات وخرج موثقا وموقعا عليه من قبل الجميع; ويحوي هذا الاتفاق المادة219 المفسرة لمبادئ الشريعة جنبا إلي جنب مع المادة الثالثة التي استحدثت للمرة الأولي في تاريخ المصريين وتقضي بحق المسيحيين واليهود بالتحاكم إلي شرائعهم; في سابقة غير موجودة في أي دستور آخر يتحدث عن أقلية( اليهود في مصر لا يتجاوزون مائة شخص علي أقصي تقدير). ويوم أن شارك حزب النور كطرف أساسي في خارطة الطريق يوم3 يوليو كان تأكيده علي الحاضرين آنذاك( الفريق السيسي; د البرادعي ممثلا للتيار العلماني; شيخ الأزهر; بابا الكنيسة) أن قضية الهوية الإسلامية ينبغي أن تكون مستقرة بعيدا عن التصحيح الذي ننوي إجراءه بعزل رئيس منتخب ثار الناس علي سياساته الفاشلة; وأن حزب النور لا يسعي لمكسب سياسي من جراء مشاركته في خارطة الطريق قدر ما يبحث عن خروج من المأزق السياسي واستكمال للمسار الديمقراطي وتصحيح لأخطاء الإخوان الكارثية( وهو ما ترجمه الحزب بعد ذلك عمليا برفضه المقاعد الوزارية التي عرضت عليه في الحكومة المؤقتة)... وقتها وافق كل الحضور علي ذلك وأقروه. نريد أن نتجاوز هذا المنعطف التاريخي العصيب دون ارهاق كاهل المصريين بصراع لن يخرج أحد منه منتصرا; فالمدهش أن الصراع الليبرالي الإسلامي من الناحية السياسية غير موجود أصلا في قاعدة المجتمع بالصورة الموجود بها بين النخب السياسية... فمن ناحية المصطلح السياسي مازال الشعب المصري يصنف بأنه محافظ وهو ما يعبر عنه عامة الناس بدرجة التدين; ومازالت مظاهر التدين الظاهري مهيمنة علي كل طبقات المجتمع; بل إن كثيرا من المتدينين والأسر المحافظة قد خرجوا يوم30 يونيو للتظاهر ضد حكم الإخوان المتخبط. أما الإخوان فقد اختاروا مبكرا الرهان علي إفساد المشهد تماما بعد الثلاثين من يونيو; فعمدوا إلي استنزاف طاقة السلطة المؤقتة في الداخل باستمرار التظاهرات والاعتصامات وتنوعها وتعدد أماكنها لبث الإحباط في نفوس المصريين وإفقادهم الأمل في أي استقرار حلموا به بعد مرسي; يساعدهم في ذلك قناة الجزيرة الفضائية التي كرست كل امكاناتها لتعميق هذا الشعور لدي المتابع المصري والأجنبي علي السواء; ومن ناحية أخري سعوا خارجيا بكل الصور لإعاقة التحركات الدبلوماسية المصرية الساعية إلي تسويق الفترة الانتقالية, وتفنيد مزاعم حدوث انقلاب عسكري بمصر. وأما النخبة العلمانية ففي مجموعها قد فشلت علي مدار مائة يوم في إثبات قدرتها علي تلبية طموحات الشعب المصري وتطلعاته البسيطة; ووقعت في الفخ الإخواني بسذاجة بالغة فلم تستطع أن تقدم حلولا واقعية عملية للمشاكل الاقتصادية التي كانت تعيبها علي نظام مرسي; ولم تستطع في غالبيتها إخفاء ميولها الإقصائية وأنها بدورها لا تعترف إلا بلون واحد وبرأي واحد. فإذا استقر لنا ذلك سنستفيد نقطتين هامتين; أولهما بطلان ادعاء الإخوان الذي يروجونه علي نطاق واسع في مصر والعالم الإسلامي والعربي أن الثلاثين من يونيو كان ضربة موجهة للإسلام ذاته; والثاني بطلان ادعاء النخبة العلمانية لتمرير دستور لا يعكس هوية الغالبية العظمي من هذا الشعب بحجة رفض الفاشية. لمزيد من مقالات نادر بكار