وجاء اليوم المشهود.. اليوم الذي دعت إليه حركة' تمرد غزة' للنزول في الشوارع والميادين العامة لإسقاط حكم الإخوان المسلمين أو حركة حماس في قطاع غزة. ووفقا لأهدافهم المعلنة فالحركة تسعي إلي إنهاء حالة الانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ سبعة أعوام وإسقاط حكم حماس في قطاع غزة. أما حماس فتري أن ذلك التحرك من صنيع جهات أمنية موالية للسلطة الفلسطينية تريد استثمار فرصة إسقاط حكم الإخوان في مصر للتخلص من حكم حركة حماس في غزة. فما الحقيقة هنا؟ وهل الأراضي المحتلة قادرة علي تحمل المزيد من الصراعات وعدم الاستقرار؟ وعلي غرار حركة تمرد المصرية في استخدامها لأساليب الحشد والتعبئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي, قامت حركة تمر غزة ضد حماس رسميا في8 سبتمبر الماضي, لكن الكثيرين مازالوا يتساءلون عن دوافع حث القائمين عليها سكان القطاع علي المشاركة في مظاهرات اليوم. والمفترض أن تلك الدعوات نتاج حراك شبابي طبيعي نابع من تردي أوضاع القطاع بفعل الحصار والانقسام. وتقول الحركة إنها تسعي إلي الضغط علي الفصائل الفلسطينية, وليس لإقصاء حركة حماس, بل لإعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني وفقا للمشروع الوطني التحرري الذي تعتبر حركة حماس جزءا أصيلا منه. ولذلك واصلت حملتها لعدة أشهر لحصد التأييد حتي أرسلت مبادرتها التي وصفتها' بالفرصة الأخيرة' إلي الأمين العام للجامعة العربية د. نبيل العربي, تدعو من خلالها إلي الاحتكام لصندوق الاقتراع وإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية خلال ثلاثة أشهر, علي أن يشهد عليها كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بما فيها حركة فتح, وحركة الجهاد الإسلامي, والشخصيات الاعتبارية والدينية والسياسية والاقتصادية التي عملت للحصول علي هذه الوثيقة ولم تتخلي عن مسئولياتها. واعتبرت أن حماس تتبع سياسة قمعية وهمجية تجاه أبناء قطاع غزة لتحقيق مصالح حزبية ضيقة للتفرد بحكم القطاع وسلخه عن باقي الوطن. وطبعا فإن الوضع السائد في غزة كان لابد وأن يتأثر بالأوضاع المحيطة. وبدأت حركة حماس تحتاط له منذ سقوط الإخوان في مصر, لأن ثمة مقومات راهنة ربما تقود إلي تصاعد قوة حركة تمرد التي يمكن أن تمارس دورا فاعلا علي الأرض, بغض النظر عن النتائج والتداعيات التي يصعب توقعها. وتعتبر الحركة ومؤيديها أن حماس قدمت نموذجا إسلاميا تسبب في مواجهة القطاع والحركة لحصار مستمر منذ سيطرة حماس السلطة في غزة, كما فشلت في إدارة الحكم لصالح كافة أهل القطاع فيما يتعلق بكافة القطاعات التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية, ومارست أنواعا مختلفة من الاستبداد والتسلط لم تطل التيارات المدنية فقط, لكنها أصابت كذلك تيارات إسلامية غير إخوانية. ومنذ السيطرة الحمساوية عليه, شهد قطاع غزة للمرة الأولي في شهر يناير الماضي, خروج تجمعات حاشدة خلال ذكري الاحتفال بالذكري ال46 لتأسيس حركة فتح. وهو مؤشر حمل في طياته استياء غالبية الغزاويين من حركة حماس. ولأن التركيبة العمرية لسكان قطاع غزة تتميز بغلبة الطابع الشبابي فإن ذلك يساهم في تسهيل الحشد الجماهيري ضد حركة حماس. ومع تزايد الغليان والغضب وإدراك الشارع الفلسطيني بأن حماس هي الطرف المعطل لها, فإن ما يمكن توقعه أنه حتي لو لم تستطع تمرد الفلسطينية إسقاط حكم حماس, فإنها سوف تجبرها علي اتخاذ خطوات اضطرارية لتحقيق بعض الأهداف التي سيكون أقلها موافقة الحركة علي إدارة القطاع بصيغة مشتركة مع الفصائل الفلسطينية الأخري وتخفيف شروط الحركة لتحقيق المصالحة الفلسطينية. وفي المقابل, يذهب آخرون ومعهم حركة حماس إلي أن تمرد غزة تضم شباب فلسطينيين يريدون القيام بعمل يقلدون من خلاله ما جري في دول عربية. ويرون أنها تأتي في سياق مؤامرة تديرها أجهزة مخابرات دولية, بتخطيط وتوجيه إسرائيلي وبتمويل دول أخري لإسقاط معقل حكم الإخوان في غزة. وبالتالي أكدت حماس أن لغة الحوار في ظل الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد لا تحتاج إلي المزيد من الانفصال بل تحتاج إلي الحوار والتوحد. و فعليا وضعت حماس خطتها الأمنية لمواجهة أي تحركات شعبية وخطتها أيضا لامتصاص الغضب قليلا. وكشف نشطاء من حماس أن الحركة بدأت بتخفيف الضغوط عن سكان القطاع, والمتمثلة في هذه الأيام بزيادة قطع تيار الكهرباء, وغلاء المعيشة وزيادة البطالة والفقر, حيث ستكون هذه الخطوة مترافقة مع احتفالات وعروض للحركة في ذكري الحرب الأخيرة واغتيال قائد ذراعها الأول أحمد الجعبري. وفي جميع الأحوال, فإن غزة مقبلة علي اختبار صعب. ونجاح أو فشل الدعوة التي وجهتها حركة تمرد علي الظلم في غزة أمر لا يمكن التنبؤ بنتائجه إلا اليوم. وقد تحدث تغيرات سياسية علي الأرض لا تبقي للدعوة سببا, فدعوة إسماعيل هنية, رئيس حكومة حماس إلي إشراك الجميع في إدارة شؤون القطاع قد تكون مدخلا أوسع إلي المصالحة. وفي المقابل, فإن هناك خيارات قد تدفع هذه التحركات إلي الاهتمام بما طرحته السلطة الفلسطينية لإعلان قطاع غزة إقليما متمردا والدعوة الي انتخابات بدون مشاركة حركة حماس. ويبقي كذلك نجاح عمل مثل هذه الحركات في غزة منوطا بمستوي التخطيط, ومدي حقيقة وجودها من عدمه, وما إذا كان هناك من يقف خلفها ويمولها.