أحدث كتاب سياسي صدر أخيرا في باريس يحمل عنوان السادات.. مصر أخري للكاتب الصحفي الفرنسي روبير سوليهRobertSole ذي الجذور المصرية الذي ولد بالقاهرة في14 سبتمبر..1946 صدر الكتاب عن دار نشر بيرينPerrin الذي اعتبرته الدار أكسيره الأكثر أهمية ليفهم القاريء الفرنسي الظروف والتطورات التي تعيشها مصر اليوم عقب ثورتي25 يناير و30 يونيو. ويكتسب هذا الكتاب أهمية كبيرة في ضوء شهرة الكاتب في الأوساط الفرانكوفونية حيث درس بمدرسة ليسيه هيليوبوليس ثم الجيزويت بالقاهرة وحصل علي شهادة البكالوريا الفرنسية من لبنان ووصل إلي فرنسا عام1964 في عمر لم يتجاوز الثمانية عشر ربيعا ليدرس بالمدرسة العليا للصحافة بمدينة ليلLille الفرنسية ولينضم إلي جريدة لوموند العريقة عام1969 ثم يعين مراسلا بروما من1974 إلي1980 ثم مراسلا بواشنطن من عام1980 إلي1983 ويتولي رئاسة تحرير لوموند من1989 إلي1992 ويشرف بعد ذلك علي الملحق الأدبي الذي يحمل مسمي عالم الكتب ثم يتفرغ بعد ذلك منذ عام2011 لكتابة الكتب والروايات عن مصر والمصريين ومن أهمها رواية الطربوش والمملوكة وفنار الأسكندرية و سهرة في القاهرة وهو صاحب دراسات وروايات تاريخية مثل المسيحيين الجدد وتحدي الإرهاب ومصر ولع فرنسي و علماء بونابرت و قاموس عشق مصر و الرحلة الكبيرة للمسلة الفرعونية و الحياة الأبدية لرمسيس الثاني و الفرعون المخلوع و تذاكر وشامبوليون و السادات الذي سيتم إصداره بالقاهرة يوم10 نوفمبر بالمعهد الفرنسي بالمنيرة وتعقد بهذه المناسبة دائرة حوار تحت عنوان السادات.. مصر أخري بعد أن أعادت ثورة30 يوليو للرئيس السادات حقه في التاريخ وفي الوطنية المصرية وفي حرب اكتوبر المجيدة.. ذلك الحق الذي يسلب من جميع العظماء ولكن سرعان ما تعيده إليهم عجلة التاريخ. وجدير بالذكر أن روبير سوليه الذي انصهر في مصر وانصهرت مصر فيه منذ نعومة أظافره شارك في دراسات وأعمال مشتركة مع مثقفين ومتخصصين في مصر وأثري المكتبة الفرنسية بالكتب مثل حجر رشيد مع دومينيك فالبيك. و الإسكندرية المصرية مع كارلوس فرير. و رحلات إلي مصر مع كورتيجياني وإيف أمبيرور وفلورانس كونتين.. و مصر اليوم بالألوان مع ماكس كاركيجي.. أكبر وأعظم جامع للوثائق والخرائط المصرية والتي أهداها للمكتبة القومية بفرنسا قبيل وفاته. يقول روبير سوليه عن كتابه لملحق الجمعة: في هذا الكتاب لم أبحث عن سلبيات السادات ولم أهتم بأن أشيد له تمثالا.. ولكنني اكتشفت ثراء السادات وشخصيته المركبة بعد أن أعطانا بنفسه عدة تفسيرات متتابعة للأحداث التي شارك فيها.. ويقول: كان السادات محافظا وإصلاحيا في آن.. زعيم قرية أو عمدة كما كان يحلو له أن يقول وصديق لكبار رجال العالم.. و سوبر ستار للإعلام.. لقد تناولت انجازات السادات في جميع المجالات الدولية والاقتصادية والسياسية الداخلية.. وفي كل ميدان أردت أن أقدم قراءتي بدقة وشمولية وبموضوعية وأعطيت القراء كل العناصر وتركتهم ليستخلصوا رأيهم الخاص. وأري أن سوليه استطاع أن يكشف أبعاد شخصية السادات رجل الدولة... والسياسي الجريء.. وصاحب مبادرة السلام بعد نصر أكتوبر.. وأن التناقضات التي يذكرها قد تتعلق باعتزازه بأنه فلاح مصري.. ورغبته في أن يلحق بركب عظماء العالم في نفس الوقت.. وساستهم ولقد نجح في ذلك.. ونجح أيضا في كسب حبهم ولا شك أنه كان رجلا خلاقا.. وشخصية درامية ساهمت في تغيير صفحات مهمة من تاريخ مصر. وأشار روبير سوليه في كتابه عن السادات الذي سوف يفتح المجال لمؤلفات أخري كيف أن بعض رجال الدولة في القرن العشرين الذين غيروا التاريخ بخطاب أو إيماءة ليسوا كثيرين وأن أنور السادات ينتمي إلي هذا النادي المحدود. كما أن زيارته للقدس في نوفمبر1977 في اللحظة التي كانت فيها إسرائيل العدو اللدود للعرب أدهشت العالم وأدت إلي اتفاقية السلام.. قبل ذلك بأربع سنوات كان السادات قد اثار مفاجأة من نوع آخر عندما شن حرب ضد الدولة اليهودية التي كان يقال عنها أنها غير قابلة للهزيمة.. وشرح سوليه أن هذا الصراع المسلح تمخض عنه أول صدام بترولي هز الاقتصادات الغربية.. ثم ينتقل إلي حياة السادات التي يعتبرها رواية حقيقية متكاملة.. فقد كان شابا فقيرا يحلم بأن يكون ممثلا ثم ينتهي به الأمر باعتلاء أكبر مسرح دولي! وفي الأربعينيات تآمر مع بعض الجواسيس النازيين خلال الحرب العالمية نكاية في المستعمر البريطاني الذي يحتل مصر, ففصل من الجيش وأمضي سنوات في السجن ثم هرب وعاش في الظلام ودخل في المعترك السياسي ووجد نفسه وراء القضبان مرة أخري, ثم استعاد من جديد بدلته العسكرية... ويقول سوليه: هو الذي أعلن يوم23 يوليو1952 من خلال راديو القاهرة خبر تقلد الضباط الأحرار السلطة.. وبعد الانقلاب علي الدولة.. أعطي السادات إيحاء إنه دخل في الصف. وعاش الرجل في ظل جمال عبد الناصر يلبي الأوامر لكنه تميز بطاعة مثالية لم تتوافر لأقرانه ولم يتصور أحد أنه سيخلف الزعيم الذي عشقته الجماهير العربية وأنه سوف يقوم بمحو الناصرية من البلاد.. غيرت مصر تحت رئاسته توجهاتها وانتقلت من التعاون الحسيس مع الاتحاد السوفيتي إلي التحالف مع الولاياتالمتحدة, ومن اشتراكية الدولة إلي الليبرالية النشيطة, وناهينا عن اتفاقية السلام مع إسرائيل التي وضعت دولة الفراعنة في مأزق مع العالم العربي في حين أن مصر هي أكبر كثافة سكانية في المنطقة وأكثرها تأثيرا.. ويضيف الكاتب أن الانفتاح الاقتصادي الذي تغني به السادات كان لابد أن يواكبه التحرر السياسي, ولم يتم ذلك لأن مصر كانت تناهض صعوبات الفقر ومحو الأمية والانفجار السكاني. وإذا كان السادات مناصرا للديكتاتورية في شبابه لكنه ظل أوتوقراطياAutocrate إلي أقصي الحدود, أي مناصر للحكم الفردي المطلق ولذا أطلق عليه بطل الحرب والسلام فكان يحب المناقشة في حيز خاص ولكنه لا يطيق أن يخالفه أحد علنا.. ويقول الكاتب: إن تناقضات تلك الشخصية جلبت له ردود فعل متعارضة.. فتم رفعه إلي السماء, كما تم انتقاده بشدة.. فرأيناه يمجد في عبد الناصر في كتبه الأولي ثم يهاجمه في كتابات بعد ذلك.. ثم تحول السادات إلي سوبر ستارSuperStar في العالم الغربي لكنه التزم بصورة رجل الشعب في بلاده بل بالفلاح المرتبط بالتقاليد. ولم يمنع زوجته اللامعة جيهان السادات في الكشف عن عصريتها والعمل من أجل الإرتقاء بحقوق المرأة. ويضيف الكاتب في تناوله الجديد للرئيس السادات: أن الرئيس المؤمن لم يكتف فقط بإظهار علامات إيمانه وإنما أدخل في الدستور المصري مباديء الشريعة وفسح الطريق للإسلاميين ليحاربوا اليسار المصري والناصريين وهذا الخطأ كلفه حياته وساهم في إفساح مكان كبير للدين في الحياة السياسية والإجتماعية.. إن فترة حكم أنور السادات لم تكن عارضة في التاريخ المصري ولا يمكن وضعها بين قوسين وإنما الأحد عشر عاما التي حكم فيها السادات مصر كانت لها ثقلها ووزنها أكثر من29 سنة الذي حكم فيها خليفته حسني مبارك الذي تبلورت أفعاله في المحافظة علي ميراث السادات. ويشير روبير سوليه قائلا: إذا أردنا أن نفهم مصر اليوم وحتي العالم العربي فلابد أن نتأمل وندرس سنوات حكم السادات.. ويتساءل ماذا تبقي من رئاسة أنور السادات؟ ويستشهد بما كتبه محمد حسنين هيكل: أنه عندما انطفأ ضوء الشاشات فإن إحدي عشرة سنة من حكم السادات إنطمست.. ويقول سوليه: هذا خاطيء في رأيي, لأن التغييرات الكبري التي أدخلها السادات مثل:( السلام مع إسرائيل, والتحالف مع الولاياتالمتحدة, وسياسة الانفتاح الاقتصادي) تم الحفاظ عليها خلال29 عاما من حكم مبارك. ويستطرد: إن السادات أقحم إلي حد ما في اتخاذ قرار الحرب كما أقحم في عمل السلام لكنه لم يكن لعبة للأحداث: فكان لابد أن يتمتع بجرأة وإصرار ليدخل في مغامرة الحرب ومغامرة السلام. وقليلا من رؤساء الدول ممن هم في موقفه كانوا يستطيعون إتخاذ مبادرات محفوفة بتلك المخاطر!.. ويضيف سوليه: عقب عام1981 احترمت اتفاقية السلام برغم الزلازل والهزات التي طرأت علي الشرق الأوسط.. بالرغم من أن هذا الانجاز الكبير الذي فعله الرئيس السادات تم مقاومته من قبل انتفاضتين فلسطينيتين وحرب أهليه في لبنان وصراع مسلح بين إسرائيل وحزب الله وحرب الخليج واحتلال العراق.. حتي سقوط مبارك ووصول الإخوان المسلمين للسلطة فلم يقبلوا علي إلغاء السلام المصري الإسرائيلي.. لأنه سلام بين دول وليس سلام بين شعوب.. وإذا كان معظم المصريين قد وافقوا علي السلام, إلا أنهم لم يتحملوا إنزلاق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وغوصه في الرمال وكذلك التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.. ويقول سوليه: إن الخطأ الكبير للسادات إنه لعب بالنار.. عندما اعتمد علي الإسلاميين ليحارب اليسار والناصريين انه لم يخطيء فقط في تقدير خصومه لكنه أقدم علي عملية مدمرة كلفته حتي حياته.. فكان لا يمكن الانفتاح في آن واحد علي الغرب ومد اليد للإسرائيليين والإرتقاء بالمرأة في ظل وجود من كانوا يصرون علي إنشاء دولة دينية مبنية علي قواعد زمن آخر.. فالسادات شخصية تجذب مؤرخي الغرب وصدرت عنه كتب عديدة بأقلام كتاب وصحفيين مرموقين لكنه مازال يثير فضول جميع المؤرخين.. إن أنور السادات هو أحد الرجال الأكثر جرأة في المنطقة العربية.. ولقد أبرز سوليه ذلك في كتابه الذي اكتفي فيه بعنوان السادات وأبرز كيف اقترن اسمه بزيارة القدس.. وإذا كان السادات لازال ظاهرة قابلة للدراسة والتنقيب والتأريخ فهذا يعود أيضا إلي ميلاده عام1918 في بلدة صغيرة من دلتا النيل ميت أبو الكوم في مركز تلا المعروف عند الفراعنة باسم تل الملوك.. سلط سوليه الضوء علي نشأة الفلاح محمد أنور السادات الذي كان يعتز بجذوره الريفية, وتحدث عن قربه من التيار الإسلامي عندما كان ضابطا يجسد البعد القومي بكل معانيه.. وكذلك ميله للألمان خلال الكفاح ضد الإحتلال البريطاني.. إنه رجل عاش في ظل عبد الناصر18 عاما ونجح في الإعداد جيدا للوصول إلي السلطة بذكاء. ويبقي السادات بقلم كتاب فرنسا وصحفييها رجل دولة مثل تشرشل وديجول يجد فيه الفرنسيين صورة الفرعون وأخلاقيات الفراعنة التي درسوها في طفولتهم وأنبهروا بها. ولقد كشف سوليه عن هذا البعد في كتابه الذي سوف يحدث جدلا كبيرا لأنه يتناول علاقة السادات بالإخوان وكيف عفا عنهم ثم انقلبوا عليه بدون رحمة لينتهي نهاية درامية ورومانسية في آن لأنه قتل يوم6 أكتوبر يوم النصر العظيم الذي حققه وحققته القوات المسلحة المصرية.