صدر حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة كتاب حكاية الدساتير المصرية في مائتي عام, وهو الكتاب التاسع عشر ضمن سلسلة حكاية مصر, والكتاب للزميل ماهر حسن, رئيس قسم التراث والثقافة بالزميلة المصري اليوم. ويتناول فيه تطور الفكرة الدستورية في مصر منذ بذورها الأولي في عصر محمد علي, موضحا الإرهاصات الأولي للدستور منذ أن ترجم رفاعة الطهطاوي الدستور الفرنسي مرورا بالثورة العرابية ومشروع دستورها, ووضع محمد شريف باشا لدستورعام1879 وصولا إلي دستور1923, الذي يعتبر عماد الحياة الليبرالية في مصر في تلك الفترة وما بعدها. كما ناقش تطور الدساتير المصرية منذ ثورة يوليو حتي صدور دستور1971, الذي استمر بشكل أو بآخر يمثل أساس الحياة السياسية في عصري السادات ومبارك, ويضم الكتاب ملابسات ميلاد كل دستور وما صاحبه من جدل في العلن وفي الكواليس, حيث يرصد أهم المعارك والوقائع والمراحل الدستورية الساخنة ويحرص علي تضمين النصوص الكاملة لجميع الدساتير التي شهدتها مصر, وصولا لدستور1971 وجميع التعديلات التي لحقته حتي سنة2007, مؤكدا أن الهدف هو إشاعة المعرفة والثقافة الدستورية لدي عموم أبناء الشعب المصري حتي لايكون هناك مجال للتلاعب بهم دستوريا من قبل البعض. ويفرد ماهر حسن فصلا خاصا عن شريف باشا الملقب بأبي الدستور المصري وكيف ضحي برئاسة الوزراء4 مرات بسبب تمسكه بالحق والكرامة والمباديء الدستورية والوطنية في وجه أي سلطة أيا كانت حيث كان معارضا لاستبداد الخديو كما كان يرفض تدخل الضباط في الحكم والسياسة ولم يقبل بتشكيل الوزارة في المرة الثالثة إلا بعد أن وعده العرابيون بعدم التدخل في شئون الحكم. ومع قراءتك لصفحات الكتاب سيبدو لك أن تاريخ المصريين في القرنين السالفين يتمحور حول الدستور باعتباره أبا لكل القوانين وإطار لنظام الحكم; ففي الوقت الذي شهدت فيه الفترة من1879 إلي1930 أربعة دساتير, شهدت أيضا الفترة بعد ثورة23 يوليو1952 عشرة دساتير وإعلانات دستورية. وفي مقدمة الكتاب يقدم المؤلف قراءة استرشادية لمضمونه والهدف منه, ويري أن دستور1879 يعتبر أول صيغة سليمة ومتكاملة وواضحة في تاريخ مصر مع الدساتير, كما يعتبر أن دستور1971 كان أول محطة شهدت تلاعبا دستوريا يتفق وأهواء الحاكم, وكان أول دستور ينص علي أن الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع, وهي نقطة الارتكاز الأولي لتيار الإسلام السياسي في السعي للوصول إلي الحكم. ولا شك أن هذا الكتاب صدر في توقيت مناسب للغاية خاصة في ظل الجدل الذي يصاحب لجنة الخمسين المنوط بها صياغة الدستور سواء بشأن قرار سرية التصويت علي مواده أو بشأن حسم بعض القضايا التي التي تثير بدورها جدلا بين أطراف مجتمعية وسياسية مختلفة حول مثل قضايا الهوية والحريات والمحاكمات العسكرية للمدنيين والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والفصل بين السلطات وصلاحيات كل سلطة. ويبرز الكتاب إشارة تاريخية بارقة ذات دلالة قوية ومعبرة تتمثل في أن أكثر صيغ الدستور المصري تطورا مثل دستور1923, والأحدث منه دستور1954 قد شارك فيهما لجان شملت رجال دين يهودا ومسيحيين ومسلمين وفقهاء دستوريين ورجال سياسة وفكر وأدب وعلوم وقانونيين, تحقق هذا في لجنة الثلاثين التي صاغت دستور1923 وكما تحقق في لجنة الخمسين التي صاغت دستور1954 مما يؤكد العقيدة الوطنية التاريخية بأن مصر للمصريين.