المصري الديمقراطي ينظم تدريبًا حول تحليل الموازنة العامة    انقطاع المياه بعدد من مناطق مركز الخانكة    ويتكوف: تخصيب إيران اليورانيوم خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة    خطف بطاقة التأهل.. الترتيب النهائي لمجموعة منتخب مصر للشباب في أمم أفريقيا    استنفار بالغربية والمحافظ يتابع من مركز السيطرة جهود التعامل مع حريق شونة كتان بزفتى.. صور    تكريم عمرو يوسف ودينا فؤاد بختام مهرجان المركز الكاثوليكي للسينما.. صور    إنقاذ حالة ولادة نادرة بمستشفى أشمون العام    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    محافظ الإسكندرية يشدد على إعلان التصميمات الهندسية واللوحات الإرشادية بطريق الحرية    الكرة النسائية.. الزمالك يخطف نقاط المقاولون بهدف نظيف    قصص «أقفل المحضر في ساعته وتاريخه» لوئام أبوشادي ترصد الصمود الإنساني في وجه الأزمات    وزير الثقافة يصطحب نظيرته الفرنسية في جولة بالجناح المصري في بينالي فينيسيا للعمارة    بوليانسكي: روسيا ترحب بإصلاح متزن لدور الأمم المتحدة    منظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9.. قوة ردع باكستانية أمام الهند    فريق طبي بسوهاج الجامعي ينجح في استخراج «دبوس» من معدة طفل    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    عمرو سلامة عن تعاونه مع يسرا: «واحد من أحلام حياتي تحقق»    "بنقول للضحايا إحنا مباحث".. اعترافات عصابة الشرطة المزيفة ب"عين شمس"    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    موعد بدء العام الدراسي الجديد وتفاصيل الخريطة الزمنية والإجازات    ارتفاع توريد القمح المحلى إلى 128 ألف طن وزيادة التقاوى ل481.829 طن بالدقهلية    خبر في الجول - الزمالك يحدد موعدا جديدا للتحقيق مع زيزو    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    الاتحاد الأوروبي يتعهد بدفع مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة لتمويل الصناعة العسكرية الأوكرانية    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    إعلان نتائج بطولة ألعاب القوى (طلبة - طالبات) للجامعات والمعاهد العليا المصرية    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    جامعة مصر للمعلوماتية تعلن إطلاق هاكاثون 17 .. غدًا    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    نانسي عجرم تعلن غنائها لأول مرة في إندونسيا نوفمبر المقبل    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    «الضرائب»: رفع 1.5 مليار وثيقة على منظومة الفاتورة الإلكترونية    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    بعد تعيينه في الجهاز الفني للزمالك.. أحمد سمير يفسخ تعاقده مع فريق الأولمبي السكندري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البساطة العميقة
الشواش.. والتأرجح بين الانتظام التام والعشوائية المطلقةب

ساد خلال القرون الوسطي وحتي نهاية القرن الثامن عشر مفهوم الانتظام التام في كل العلوم, أي أن الظواهر الفيزيائية تخضع لقوانين ثابتة وصارمة: فمثلا تتحرك الأجسام علي الأرض حسب قوانين نيوتن للحركة, وتدور الأجرام السماوية في أفلاك تم التوصل إلي المعادلات الرياضية التي تصفها, بل وتحدد أوضاع هذه الكواكب بدقة عالية وفي أي لحظة زمنية مضت أو قادمة, وقد أطلق علي هذه النظرية' الحتمية'.
في منتصف القرن التاسع عشر ظهرت النظرية الحركية للغازات التي تعتمد علي نظرية الاحتمالات والتي تصف النظم العشوائية التامة, وتمكن من حساب احتمالات وتوقعات فقط لحدوث حدث فيزيائي معين. أدت هذه النظرية إلي نجاحات كبيرة ومفيدة عديدة وفي مختلف المجالات العلمية والتطبيقية, وبهذا أصبح تصنيف النظم الفيزيائية مقتصرا علي نوعين فقط: نظم تامة الانتظام ونظم تامة العشوائية, وظل هذا الوضع سائدا حتي منتصف القرن العشرين. ولكن منذ ستينيات القرن الماضي بدأت تشد الانتباه نظم ليست تامة الانتظام ولا تامة العشوائية, وانما تأخذ من الاثنين معا, فإما أن تكون عشوائية بها بعض الانتظام أو منتظمة بها بعض العشوائية, وهذه هي النظم الشواشية وتسمي الظاهرة نفسها بالشواش.
فاذا عدنا مرة أخري الي الماضي السحيق نجد أن العلم القديم ارتكز علي الحقائق البسيطة التالية:
- تسقط الأجسام دائما وأبدا الي أسفل.
- تشرق الشمس من الشرق.
- الكل أكبر من الجزء.
- لايمكن التكهن بوضع زهر النرد قبل القائه.
- لايمكن التكهن بحالة الطقس بعد عدة أيام أو شهور.
في نفس الوقت واجه العلم نظما معقدة مثل:
المعادلات التي تصف حركة ثلاثة أجسام( الشمس الأرض- القمر) مترابطة والتي لا تسمح بحل تحليلي دقيق مثل حركة جسمين مترابطين وبالتالي فهي ليست نظاما حتميا, كما أنها ليست نظاما عشوائيا: نمو الكائنات, تقلبات الطقس, الزلازل والبراكين, أشكال المخلوقات( بشر- نباتات- حيوانات).
رغم كل ذلك كان العالم جيمس موراي يؤمن بأن التعقد مبني علي بساطة عميقة, ربما تجلت في قوانين نيوتن ونجاحها في وصف حركة الأجسام, ثم ثبات سرعة الضوء( في اطار النظرية النسبية الخاصة) وتفسير تعقيدات الظواهر المرتبطة بكل من النظرية النسبية الخاصة والعامة, كما تجلت في قوانين الوراثة وتفسيرها المبدئي لتنوع الكائنات الحية وهكذا.
ولكن: ما هو الشواش؟
اشتق العالم البلجيكي يوهانز هيلمونت(1579-1644) كلمة غاز(gas) من كلمة(chaos) أي الشواش بمعني الفوضي. وهكذا ظهر مسمي الشواش ليصف النظم غير المنتظمة, أما علم الشواش فهو العلم الذي يبحث عن أوجه الانتظام في نظم تبدو وكأنها تامة العشوائية. أول من اكتشف الشواش وعبر عنه وبشكل واضح عالم الأرصاد ادوارد لورنتس(1917-2008) في عام1960 م. كان لورنتس يعمل علي حل مشكلة توقعات الأحوال الجوية باستخدام حاسب آلي يحل نظاما من اثنتي عشر معادلة, وكان الحل في الواقع لا يعطي الأحوال الجوية ولكن يعطي توقعات فقط, أي ما يحتمل أن يكون ما نسميه بالأحوال الجوية( المتوقعة).
في يوم ما من عام1960 م أراد لورنتس أن يعيد بعض الحسابات التي أجراها, وبهدف اختصار الوقت بدأ عملية إعادة الحسابات ليس من بدايتها وإنما من منتصف الخطوات. عاد لورنتس بعد ساعة ليري شيئا مذهلا, لقد نحت النتائج منحي مختلفا تماما وبعيدا عما سبق. تنبه لورنتس إلي أن ما حدث ليس خطأ ما ولكنه نتيجة طبيعية وصحيحة وبدأ في اتخاذ الخطوات اللازمة لتحديد سبب ما حدث. تنبه لورنتس فورا لما حدث وهو أن التغير الطفيف في قيم المعطيات الابتدائية يؤدي إلي تراكم الفروق وتضخم الأخطاء وفي النهاية تنتهي الحسابات إلي نتائج مختلفة تماما وسميت هذه الظاهرة بظاهرة الفراشة.
نعني بظاهرة الفراشة أن تذبذبات جناحي فراشة يمكن أن يؤدي إلي تغيرات كبيرة في حالة الجو والتي يمكن أن تنتهي إلي إعصار يضرب منطقة أخري وربما لا يحدث هذا وهكذا يمكن أن نضع تعريفا للشواش بأنه:( الحساسية العالية في النظام للقيم الابتدائية, بحيث يؤثر كل تغير في القيم الابتدائية هذه- وإن كان طفيفا- يؤدي إلي تغيرات هائلة في النظام علي المدي البعيد). هكذا توصل لورنتس إلي أنه يستحيل توقع الأحوال الجوية بدقة; ولكن اكتشاف لورنتس هذا أدي إلي أشياء أخري عديدة في أفرع العلم المختلفة. بدأ لورنتس في البحث عن أمثلة لنظم شواشية أخري, فوجد مثالا آخر في عملية رمي قطعة عملة معدنية. برغم أننا يمكن أن نتحكم في سرعة الرمي وارتفاع القطعة عن الأرض قبل سقوطها, فلا يمكن أن نحدد مسبقا سلوك القطعة المعدنية.
النظم المركبة: التحول من الشواش الي التعقيد
عند سماع تعبير نظم مركبة يتبادر للذهن نظم معقدة تصعب دراستها والتوصل للقوانين التي تحكم عملها. ان دور العلماء هو تفكيك أي منظومة تبدو معقدة الي مكوناتها البسيطة ودراسة كل مكون علي حدة, ثم تحديد الروابط ين هذه المكونات التي تؤدي الي عمل المنظومة كوحدة واحدة:
ان الدراجة مثال بسيط وجيد يوضح هذه الفكرة بسهولة. تتكون الدراجة من مجموعة من القطع مثل الاطارين وترسين وبدالات وسير معدني لنقل الحركة. غي أن الفارق كبير بين مجموعة هذه المكونات والدراجة. الدراجة هي مجموعة هذه المكونات مجمعة بشكل ما بحيث تؤدي المهمة المطلوبة.
المجموعة الشمسية أيضا منظومة مركبة وان كنا نعلم الكثير عن مكوناته, ولكن يربطها كلها الجذب العام ويؤدي الي تماسكها وان كانت حركة كل كوكب علي حدة تبدو معقدة وهي نظام شواشي بالضرورة كما ذكرنا.
وكذلك الخلية الحية هي أكثر النظم تعقيدا في هذا الكون, ومازال كثير من علماء الخلية و البيولوجيا يحاولون فصل مكوناتها( الدنا والرنا وغيرها) وكذلك التفاعلات( أي الروابط) بين هذه المكونات التي تؤدي الي قيام الخلية بوظيفتها الحيوية ولكن مازال الطريق طويل وصعب.
لقد تم وضع نماذج حاسوبية عديدة أدت الي فهم سلوك الكثير من هذه النظم بل والي اكتشافات مثيرة في هذا المجال. من الأمثلة ذات الأهمية بل والحيوية دراسة كوكب الأرض.
لقد أصبح الشواش جزءا لا يتجزأ من العلم الحديث وتحول من جزء صغير محدود من العلوم إلي علم بذاته وانتشر في كل أفرع المعرفة, بل وغير نظرة العديد من أفراد الصفوة العلمية, حتي أصبح الكل يؤمن بأن الفيزياء ليست دراسة سلوك الجسيمات النووية في المعجلات فائقة الطاقة, وإنما في دراسة النظم الشواشية, حتي أن العديد من العلماء يصرحون الآن بأن أهم ثلاث نظريات في القرن العشرين هي النظرية النسبية, نظرية الكم, ونظرية الشواش.
استاذ بكلية العلوم جامعة الفيوم
لمزيد من مقالات د . صبحى رجب عطا الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.