رئيس جامعة بنها يستقبل وفدًا من أكاديمية هوبي للعلوم والتقنية الصينية    مدبولي: نتابع يوميًا تداعيات زيادة منسوب المياه    مدبولي: «إيني» تعتزم ضخ 8 مليارات دولار في مصر خلال السنوات المقبلة    محافظ الأقصر يشهد انطلاق فعاليات أسبوع الخير أولى.. صور    «الأحجارالخمسة» تشعل الضفة    منتخب إيطاليا يحصد برونزية كأس العالم للناشئين على حساب البرازيل بركلات الترجيح    دوري أبطال إفريقيا - الأهلي بالزي الأساسي أمام الجيش الملكي    بالأسماء.. إصابة 7 طلاب فى حادث تصادم سيارتين بأسوان    إصابة سائق و3 آخرين فى حادث تصادم جرار قطار غرب الإسكندرية    وسام «التفرد الإبداعى» ل«صبحى»    وزير الثقافة يكلّف غادة جبارة قائمًا بأعمال رئيس أكاديمية الفنون    مفتي الجمهورية ومدير مكتبة الإسكندرية يبحثان توسيع التعاون في التوثيق والتراث والبحث العلمي    مبادرة "جميلة يا بلدى" بالغردقة تناقش علاقة أخلاق المسلم بالبيئة والصحة    رئيس الوزراء: بدء خطوات تنفيذ المرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    «فاكسيرا» تضع خارطة طريق لمواجهة فصل الشتاء    نتنياهو يعقد اجتماعا أمنيا طارئا لبحث التطورات على الساحة اللبنانية    انخفاض الحرارة غدا.. وأمطار على بعض المناطق والصغرى بالقاهرة 16 درجة    الأزهر: التحرش بالأطفال جريمة منحطة حرمتها جميع الأديان والشرائع    توزيع جوائز الفائزين بمسابقة أجمل صوت فى تلاوة القرآن الكريم بالوادى الجديد    رئيس المجلس الوطني للإعلام بالإمارات يزور عادل إمام.. والزعيم يغيب عن الصورة    مُصطفي غريب ضيف آبلة فاهيتا "ليلة فونطاستيك.. السبت    أحمد عبد القادر يغيب عن الأهلي 3 أسابيع بسبب شد الخلفية    رئيس لجنة مراجعة المصحف بالأزهر: دولة التلاوة ثمرة الكتاتيب في القرى    سوريا تعلن إطارا تنظيميا جديدا لإعادة تفعيل المراسلات المصرفية    عقدة ستالين: ذات ممزقة بين الماضى والحاضر!    «التأمين الصحى الشامل» يقرر تحديث أسعار الخدمات الطبية بدءًا من يناير 2026    وزير الصحة يزور أكبر مجمع طبي في أوروبا بإسطنبول    الصحة: فحص أكثر من 4.5 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    روسيا تصدر أحكاما بالسجن مدى الحياة بحق 8 أشخاص بشأن الهجوم على جسر رئيسي في القرم    أوقاف الغربية تنظّم ندوة علمية بالمدارس بعنوان «حُسن الجوار في الإسلام»    «إعلام الأزهر» تطلق مؤتمرها الدولي السادس    منظمات حقوقية: مقتل 374 فلسطينيا منهم 136 بهجمات إسرائيلية منذ وقف إطلاق النار    التحقيق مع 5 عناصر جنائية حاولوا غسل 50 مليون جنيه حصيلة النصب على المواطنين    إصابة شخص في انفجار أنبوبة غاز بقرية ترسا بالفيوم    غلق 32 منشأة طبية خاصة وإنذار 28 أخرى خلال حملات مكثفة بالبحيرة    لتعاطيهم المخدرات.. إنهاء خدمة 9 عاملين بالوحدة المحلية وإدارة شباب بكوم أمبو    وزير الري يعرض المسودة النهائية لهيكلة روابط مستخدمي المياه    السعودية: 4.8% من سكان المملكة أكبر من 60 عاما    وزير البترول يعقد لقاءً موسعاً مع شركات التعدين الأسترالية    وزير الشباب والرياضة يستقبل سفير دولة قطر لبحث التعاون المشترك    الهلال الأحمر المصري يرسل القافلة ال82 إلى غزة محملة ب260 ألف سلة غذائية و50 ألف بطانية    عشرات القتلى و279 مفقودًا في حريق الأبراج العملاقة ب هونغ كونغ    كأس مصر| البنك الأهلي في اختبار حاسم أمام بور فؤاد بحثًا عن عبور آمن لدور ال16    عادل فتحي نائبا.. عمومية المقاولون العرب تنتخب مجلس إدارة جديد برئاسة محسن صلاح    الليلة: نادى الفيوم يعرض فيلم "فيها ايه يعنى" ضمن مهرجان المحافظة السينمائى    3 قرارات جديدة لإزالة تعديات على أملاك بنك ناصر الاجتماعى    ارتفاع حصيلة الفيضانات وانزلاقات التربة في إندونيسيا إلى 19 قتيلا    حقيقة فسخ بيراميدز تعاقده مع رمضان صبحي بسبب المنشطات    الأحزاب ترصد مؤشرات الحصر العددى: تقدم لافت للمستقلين ومرشحو المعارضة ينافسون بقوة فى عدة دوائر    جولة إعادة مشتعلة بين كبار المرشحين واحتفالات تجتاح القرى والمراكز    جامعة بنها ضمن الأفضل عربيًّا في تصنيف التايمز البريطاني    وزير الانتاج الحربي يتابع سير العمل بشركة حلوان للصناعات غير الحديدية    عمر خيرت يوجه رسالة للجمهور بعد تعافيه من أزمته الصحية.. تعرف عليها    عصام عطية يكتب: «دولة التلاوة».. صوت الخشوع    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 27نوفمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك    موعد أذان وصلاة الفجر اليوم الخميس 27نوفمبر2025.. ودعاء يستحب ترديده بعد ختم الصلاه.    كرة يد - "أتفهم حزن اللاعبات ونحتاج دعمكم".. رسالة مروة عيد قبل كأس العالم للسيدات    «امرأة بلا أقنعة».. كتاب جديد يكشف أسرار رحلة إلهام شاهين الفنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البساطة العميقة
الشواش.. والتأرجح بين الانتظام التام والعشوائية المطلقةب

ساد خلال القرون الوسطي وحتي نهاية القرن الثامن عشر مفهوم الانتظام التام في كل العلوم, أي أن الظواهر الفيزيائية تخضع لقوانين ثابتة وصارمة: فمثلا تتحرك الأجسام علي الأرض حسب قوانين نيوتن للحركة, وتدور الأجرام السماوية في أفلاك تم التوصل إلي المعادلات الرياضية التي تصفها, بل وتحدد أوضاع هذه الكواكب بدقة عالية وفي أي لحظة زمنية مضت أو قادمة, وقد أطلق علي هذه النظرية' الحتمية'.
في منتصف القرن التاسع عشر ظهرت النظرية الحركية للغازات التي تعتمد علي نظرية الاحتمالات والتي تصف النظم العشوائية التامة, وتمكن من حساب احتمالات وتوقعات فقط لحدوث حدث فيزيائي معين. أدت هذه النظرية إلي نجاحات كبيرة ومفيدة عديدة وفي مختلف المجالات العلمية والتطبيقية, وبهذا أصبح تصنيف النظم الفيزيائية مقتصرا علي نوعين فقط: نظم تامة الانتظام ونظم تامة العشوائية, وظل هذا الوضع سائدا حتي منتصف القرن العشرين. ولكن منذ ستينيات القرن الماضي بدأت تشد الانتباه نظم ليست تامة الانتظام ولا تامة العشوائية, وانما تأخذ من الاثنين معا, فإما أن تكون عشوائية بها بعض الانتظام أو منتظمة بها بعض العشوائية, وهذه هي النظم الشواشية وتسمي الظاهرة نفسها بالشواش.
فاذا عدنا مرة أخري الي الماضي السحيق نجد أن العلم القديم ارتكز علي الحقائق البسيطة التالية:
- تسقط الأجسام دائما وأبدا الي أسفل.
- تشرق الشمس من الشرق.
- الكل أكبر من الجزء.
- لايمكن التكهن بوضع زهر النرد قبل القائه.
- لايمكن التكهن بحالة الطقس بعد عدة أيام أو شهور.
في نفس الوقت واجه العلم نظما معقدة مثل:
المعادلات التي تصف حركة ثلاثة أجسام( الشمس الأرض- القمر) مترابطة والتي لا تسمح بحل تحليلي دقيق مثل حركة جسمين مترابطين وبالتالي فهي ليست نظاما حتميا, كما أنها ليست نظاما عشوائيا: نمو الكائنات, تقلبات الطقس, الزلازل والبراكين, أشكال المخلوقات( بشر- نباتات- حيوانات).
رغم كل ذلك كان العالم جيمس موراي يؤمن بأن التعقد مبني علي بساطة عميقة, ربما تجلت في قوانين نيوتن ونجاحها في وصف حركة الأجسام, ثم ثبات سرعة الضوء( في اطار النظرية النسبية الخاصة) وتفسير تعقيدات الظواهر المرتبطة بكل من النظرية النسبية الخاصة والعامة, كما تجلت في قوانين الوراثة وتفسيرها المبدئي لتنوع الكائنات الحية وهكذا.
ولكن: ما هو الشواش؟
اشتق العالم البلجيكي يوهانز هيلمونت(1579-1644) كلمة غاز(gas) من كلمة(chaos) أي الشواش بمعني الفوضي. وهكذا ظهر مسمي الشواش ليصف النظم غير المنتظمة, أما علم الشواش فهو العلم الذي يبحث عن أوجه الانتظام في نظم تبدو وكأنها تامة العشوائية. أول من اكتشف الشواش وعبر عنه وبشكل واضح عالم الأرصاد ادوارد لورنتس(1917-2008) في عام1960 م. كان لورنتس يعمل علي حل مشكلة توقعات الأحوال الجوية باستخدام حاسب آلي يحل نظاما من اثنتي عشر معادلة, وكان الحل في الواقع لا يعطي الأحوال الجوية ولكن يعطي توقعات فقط, أي ما يحتمل أن يكون ما نسميه بالأحوال الجوية( المتوقعة).
في يوم ما من عام1960 م أراد لورنتس أن يعيد بعض الحسابات التي أجراها, وبهدف اختصار الوقت بدأ عملية إعادة الحسابات ليس من بدايتها وإنما من منتصف الخطوات. عاد لورنتس بعد ساعة ليري شيئا مذهلا, لقد نحت النتائج منحي مختلفا تماما وبعيدا عما سبق. تنبه لورنتس إلي أن ما حدث ليس خطأ ما ولكنه نتيجة طبيعية وصحيحة وبدأ في اتخاذ الخطوات اللازمة لتحديد سبب ما حدث. تنبه لورنتس فورا لما حدث وهو أن التغير الطفيف في قيم المعطيات الابتدائية يؤدي إلي تراكم الفروق وتضخم الأخطاء وفي النهاية تنتهي الحسابات إلي نتائج مختلفة تماما وسميت هذه الظاهرة بظاهرة الفراشة.
نعني بظاهرة الفراشة أن تذبذبات جناحي فراشة يمكن أن يؤدي إلي تغيرات كبيرة في حالة الجو والتي يمكن أن تنتهي إلي إعصار يضرب منطقة أخري وربما لا يحدث هذا وهكذا يمكن أن نضع تعريفا للشواش بأنه:( الحساسية العالية في النظام للقيم الابتدائية, بحيث يؤثر كل تغير في القيم الابتدائية هذه- وإن كان طفيفا- يؤدي إلي تغيرات هائلة في النظام علي المدي البعيد). هكذا توصل لورنتس إلي أنه يستحيل توقع الأحوال الجوية بدقة; ولكن اكتشاف لورنتس هذا أدي إلي أشياء أخري عديدة في أفرع العلم المختلفة. بدأ لورنتس في البحث عن أمثلة لنظم شواشية أخري, فوجد مثالا آخر في عملية رمي قطعة عملة معدنية. برغم أننا يمكن أن نتحكم في سرعة الرمي وارتفاع القطعة عن الأرض قبل سقوطها, فلا يمكن أن نحدد مسبقا سلوك القطعة المعدنية.
النظم المركبة: التحول من الشواش الي التعقيد
عند سماع تعبير نظم مركبة يتبادر للذهن نظم معقدة تصعب دراستها والتوصل للقوانين التي تحكم عملها. ان دور العلماء هو تفكيك أي منظومة تبدو معقدة الي مكوناتها البسيطة ودراسة كل مكون علي حدة, ثم تحديد الروابط ين هذه المكونات التي تؤدي الي عمل المنظومة كوحدة واحدة:
ان الدراجة مثال بسيط وجيد يوضح هذه الفكرة بسهولة. تتكون الدراجة من مجموعة من القطع مثل الاطارين وترسين وبدالات وسير معدني لنقل الحركة. غي أن الفارق كبير بين مجموعة هذه المكونات والدراجة. الدراجة هي مجموعة هذه المكونات مجمعة بشكل ما بحيث تؤدي المهمة المطلوبة.
المجموعة الشمسية أيضا منظومة مركبة وان كنا نعلم الكثير عن مكوناته, ولكن يربطها كلها الجذب العام ويؤدي الي تماسكها وان كانت حركة كل كوكب علي حدة تبدو معقدة وهي نظام شواشي بالضرورة كما ذكرنا.
وكذلك الخلية الحية هي أكثر النظم تعقيدا في هذا الكون, ومازال كثير من علماء الخلية و البيولوجيا يحاولون فصل مكوناتها( الدنا والرنا وغيرها) وكذلك التفاعلات( أي الروابط) بين هذه المكونات التي تؤدي الي قيام الخلية بوظيفتها الحيوية ولكن مازال الطريق طويل وصعب.
لقد تم وضع نماذج حاسوبية عديدة أدت الي فهم سلوك الكثير من هذه النظم بل والي اكتشافات مثيرة في هذا المجال. من الأمثلة ذات الأهمية بل والحيوية دراسة كوكب الأرض.
لقد أصبح الشواش جزءا لا يتجزأ من العلم الحديث وتحول من جزء صغير محدود من العلوم إلي علم بذاته وانتشر في كل أفرع المعرفة, بل وغير نظرة العديد من أفراد الصفوة العلمية, حتي أصبح الكل يؤمن بأن الفيزياء ليست دراسة سلوك الجسيمات النووية في المعجلات فائقة الطاقة, وإنما في دراسة النظم الشواشية, حتي أن العديد من العلماء يصرحون الآن بأن أهم ثلاث نظريات في القرن العشرين هي النظرية النسبية, نظرية الكم, ونظرية الشواش.
استاذ بكلية العلوم جامعة الفيوم
لمزيد من مقالات د . صبحى رجب عطا الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.