"ضربات أجنحة فراشة في هونج كونج، قد تغير أساليب الأعاصير في تكساس".. العبارة السابقة ليست عبارة ساذجة تصدر من فم إنسان عادي؛ بل هي نظرية رياضية علمية شائعة ومؤثرة للغاية، تفهم بطريقتين مختلفتين، أولها أن الأحداث الصغيرة غير المؤثرة تتجمع في شبكة عملاقة لتكون تأثيراً بالغ الخطورة، والطريقة الثانية أن الأحداث العشوائية التي لا تخضع لقانون محدد، قد تكون جزءاً من منظومة أكبر لا نستوعب قوانينها لأننا نرى جزءاً ضئيلا منها فقط! حسنا.. قبل أن تبدأ بالاندهاش تعال نستعرض معا كيف وصل العلماء إلى هذه النظرية؟ نظرية الفوضى Chaos Theory.. في عام 1960 كان المراقب الجوي "إدوارد لورنز" يعمل على برنامج لمحاكاة الطقس، وبغير قصد عثر على أن تغييراً طفيفاً في المنظومة الجوية قد يغير كل التنبؤات الجوية؛ فعندما حاول أن يبدأ سلسلة التنبؤ من منتصفها وليس من أولها كالعادة، وجد أن كل إحداثيات الطقس قد تغيرت تماما، وعند هذا أدرك أن الأحداث الأولية البدائية تؤثر في عمل المنظومة ككل، وقد دأب العلماء قبل هذه النظرية على تجاهل الأرقام العشرية الكبيرة، وتقريبها إلى ثلاث منازل عشرية فقط، بمعنى تقريب 0.254877 إلى 0.255، ولكن هذا التقريب يعطي تأثيرا مختلفاً تماماً ويؤدي مع طول السلسلة إلى انحراف رهيب في النتيجة النهائية، وهذا ما جعله يصوغ النظرية في أن أي رقم عشري ضئيل جدا مثل خفقان أجنحة الفراشة، قد يؤدي إلي تغير مكان أعاصير من أستراليا إلى البرازيل.. وهذا ما يطلق عليه اسم تأثير الفراشة! وهذا ما جعله يوقن أيضا من استحالة التنبؤ بالطقس بصورة مثالية؛ فهناك دائما قيمة عشرية يتم تجاهلها أو شروط مبدئية غير محسوبة أو متغيرة بطريقة غير معروفة، وهذا يعني أنه يمكن تفسير سبب وقوع الإعصار، ولكن ليس من الممكن تحديد أي إعصار سينتج من خفقان أجنحة الفراشة، لابد من عَد كل خفقان أجنحة الفراشات في العالم مع إحصاء العوامل الأخرى الضئيلة كلها لحساب مكان الإعصار! النظرية طبقت منذ زمن طويل قبل أن تخضع للتقنين؛ فقد اكتشف العلماء الكوكب "نبتون"، نتيجة اضطرابات غير مبررة في مسار كوكب "أورانوس"، وعندما وضع تأثير جاذبية "نبتون" على مسار "أورانوس" وجد العلماء انحرافات أخرى غير مبررة، وهذا ما أدى إلى اكتشاف "بلوتو"! مفهوم النظرية باختصار؛ أن الأحداث العشوائية غير المنظمة، هي في ذاتها أجزاء ضئيلة من منظومة أكبر بالغة التأثير ولها قوانين خاصة، وهذه النظرية تستخدم بشدة في تغيرات أسواق المال والشركات الكبرى والسياسة الخارجية؛ بل في حياتنا اليومية والعادية، صرخة عادية في الشارع توقظ نائما متعكر المزاج ينتهي به اليوم مستقيلاً من عمله، أو ابتسامة جذابة من زوجة المدير تنهي يوم موظف عادي وقد ترقى في وظيفته! نظرية الكارثة.. طورت هذه النظرية من خلال نظرية الفوضى، وأصبحت نظرية قائمة بذاتها منذ السبعينات، وهي تعتمد على أن الأنظمة تتحول من حالة استقرار إلى حالة استقرار آخر. تخيل أن وابلاً من النيازك قد ارتطم بكوكب ما، ستتغير الحالة من كوكب عادي إلى كوكب مليء بالحفر والأخاديد، ويسقط عليه وابل مستمر من النيازك، وهي حالة مستقرة أخرى، وقد ينفجر الكوكب إلى أشلاء متباعدة، وهذه حالة استقرار أخرى، وهكذا!
نظرية اللعبة.. هذه نظرية مثيرة للغاية وتفسر تناغم وتفاعل كل شيء موجود في الطبيعة والحياة، وهي تتشابه مع نظرية نيوتن "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد في الاتجاه"؛ ولكنها تعتمد على أن كل تغير في المنظومة يقابله تغيير آخر ليس بالضرورة مضاد؛ ولكنه مكافئ له، مثلاً في أتوبيس مزدحم؛ لكي تتقدم إلى الأمام لابد أن يفسح شخص آخر لك المجال للتقدم، تقدمك إلى مكانه معناه أنه سيتقدم إلى مكان آخر، وهناك شخص آخر سيتراجع إلى مكانك السابق، وقد يدخل شخص جديد إلى المنظومة نتيجة تقدمك وإفساحك المجال، وقد يخرج شخص آخر من المنظومة نتيجة دخول شخص جديد، وقد ينتج عن تقدمك ازدياد مجال المنظومة ككل؛ بمعنى آخر لكي تترقى في العمل، يجب أن يكون شخص آخر قد ترقي بدوره، وشخص حل مكانك، وشخص خرج على المعاش، أو أن الشركة قد تطورت وافتتحت فرعا آخر! وقد تتخذ نظرية اللعبة شكل الأحجية أو الفزورة، مثل لعبة الشطرنج، كل قرار تتخذه يقابله قرار آخر من الخصم، ولهذا كل خطوة لك يقابلها عدد محدود من اختيارات الخصم؛ فإذا تغير أي قرار من اختياراتك المحدودة، لابد أن يقابلها عدد آخر محدود من اختيارات الخصم، وهكذا مع عدد الخطوات المطلوبة لتحقيق الفوز تصبح الاختيارات كبيرة جدا لدرجة غير قابلة للإحصاء! نظرية الاحتمالات.. هذه نظرية اجتماعية تستخدم في معظم حالات اتخاذ القرار، وتقوم على ظواهر يصعب تفسيرها؛ فمثلا هناك من يراهن بعشرة جنيهات بنسبة ربح أو خسارة 50% في سبيل ربح عشرة جنيهات أخرى؛ ولكنه لن يراهن بنفس النسبة أبدا على مليون جنيه، على الرغم من أنه قد يربح مليون جنيه أيضا؛ فهناك من ينظر إلى الخسارة المحتملة أكثر من نظرته إلى المكسب المنتظر، ظاهرة أخرى في النظرية وهي نسبة الأعطال المفاجئة غير المتوقعة في أي مشروع.. نظرية الاحتمالات جاءت لتعطي جدولاً تقريبياً لأقصى نسبة ربح ممكن مع أقل خسارة متوقعة مع وجود نسبة معينة للأخطاء والأعطال المفاجئة! هذه النظريات التي قد تبدو للوهلة الأولى معقدة، هي أساس الحياة العملية والنظريات العلمية في الوقت الحالي؛ لذا فهي مهمة جدا ويمكن استخدامها في الحياة اليومية العادية. أضف جاليري: نظريات الفوضى * تكنولوجيا اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: