تكشف أزمنة الفساد عن نفسها, عندما تفوح من الأماكن رائحة عفن تزكم الأنوف والقلوب والعقول, فتحيل الحياة إلي عملية شهيق وزفير مستحيلة, وتصبح الأماكن علي رحابتها ضيقة وخانقة وطاردة, شحيحة في هوائها النظيف, وغارقة في مستنقعات مياه آسنة, تسكنها الهوام والحشرات, وأيضا نوع من البشر, لم يتعلم في الحياة سوي درس واحد فقط عنوانه: السمع والطاعة, لا يرفض ولا يقاوم, ولا يجيد إلا التسلق والتواطؤ والتسخير, كسياط تلهب ظهور الذين يحلمون بزمن آخر, بلا روائح كريهة. حقا إن الأزمنة محايدة تماما, مجرد أوان فارغة نحشوها بأفعالنا, التي إن صلحت صلح الزمن, وإن فسدت فسد, ولكن هذه عادتنا أن نلصق نواقصنا بالزمن, ونحمله مسئولية انحطاطنا وهواننا, وهو في كل الأحوال, مما قدمت أيدينا. إن المجتمعات كالأسماك تفسد من رءوسها, ورءوس المجتمعات هي قادتها ونخبها ورموزها, والرءوس تفسد عندما يحكمها الهوي, فتغلب المصالح الذاتية علي مصالح المجموع, ويصبح المشروع العام علي مقاس رأس واحدة, تديره بميكيافيلية مقيتة, من أجل تثبيت وجودها, والاستئثار بكل عوائده المادية والمعنوية, مع إلقاء الفتات لبطانة الترخص والابتذال والنفاق, منعدمي الكرامة والمهارة, وأعداء الموهبة!. لن تنصلح أحوالنا, إلا عندما نكف عن لعن زماننا, فكل اللعنات لن تغير من واقعنا شيئا, ولن تحقق أحلامنا أبدا. هذه اللعنات يجب أن تتحول إلي غضب نبيل, يحرضنا علي أن نفتش عن تلك الرءوس الفاسدة, التي ستجدونها يانعة تخرج لكم ألسنتها المشوهة, وتنظر إليكم بعيون ذئاب جائعة, تتحين لحظة الانقضاض. لن تكتب لنا النجاة, مادامت هذه الرءوس باقية, تحاصرنا, وتمارس فسادها وإفسادها, ويجب أن نعرف أن كل يوم يمضي في وجودها, في مواقعها وعلي مقاعدها, يتكاثر سوسها, فيفسد زماننا أكثر, وتعطب أماكننا حتي الأعماق, وتصبح أرزاقنا, ويصير وجودنا مهددا. أرجوكم: كفوا عن لعن زمانكم, وأسقطوا هذه الرءوس الفاسدة, البارعة في تغيير ملامحها وأصواتها, وفقا لمقتضي الأحوال, ليس بالعنف والفوضي, ولكن بالرفض وعدم التواطؤ والمقاومة السلمية, حتي يسترد زمانكم صلاحه, وتعود إلي أماكنكم طهارتها المفقودة, وتتنفسوا هواء نظيفا! في الختام.. يقول المثل الشعبي: السلم يكنس من فوق. لمزيد من مقالات محمد حسين