سادت في السنوات الأخيرة بل والشهور الأخيرة ظاهرة الأهالي في الميادين العامة وأحيانا اعتصامهم في ذات الميادين للإعراب عن مطالب سياسية في غالبها. وهي ولا شك صورة من صور الإعراب عن الرأي وممارسة لحرية التعبير وهي حقوق أساسية كفلها الدستور الحالي والدساتير السابقة عليه اعتبارا من دستور 1923 وحتي الآن حيث الإعلان الدستوري المؤقت المنظم للمرحلة الانتقالية لحين وضع دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية وانتخاب رئيس للجمهورية. ولكن هذا الحق كغيره من الحقوق له قواعد وضوابط حتي لا يكون في ممارسته ما يضر بالعباد والبلاد ويمس الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وإذا كان حق التظاهر والاعتصام صورة من صور حرية التعبير فهو لذلك مقيد في تشريعات عديدة من الدول بقيود وتحفظ الدولة معها حقوق المجتمع وأمن المواطنين ومصالح المجتمع بأسره حيث تنص الدساتير المختلفة علي حق المواطن في التظاهر مع غيره للإعراب عن رأي معين وقد أضفنا أخيرا حق الاعتصام ولكن الدساتير المختلفة تنص علي حق المواطن في التظاهر السلمي, وهو الذ ي لا يترتب أذي للناس أو للمجتمع بسبب هذا التظاهر. وتحقيقا للغاية من ممارسة هذا الحق لابد من وضع قيود وشروط وضوابط لضمان عدم نجاوزه هذا الحق عن الغاية المرتجاه منه عن طريق الشعب والتهديد والوعيد والقتل والضرب والسحل والحرق والتخريب وقطع الطرق وغيرها من الجرائم المحظورة أصلا بموجب قوانين المجتمع الذي به التظاهر. من ذلك مثلا ان إجراءات ممارسة هذا الحق تتطلب: (1) أن يتقدم طلب إلي وزير الداخلية أو المحافظ في المحافظة التي يراد التظاهر فيها أو الاعتصام داخلها وهذا الطلب يجب أن يكون صادرا من ثلاثة أشخاص يفترض أنهم يمثلون الجماعة الراغبة في التظاهر أو الاعتصام ومحدد أسماؤهم واثبات شخصيتهم ومجال إقامتهم وسائر البيانات اللازمة لاثبات شخصياتهم والوصول إليهم وتحديد الغرض من التظاهر أو الاعتصام. (2) يعرض هذا الطلب علي المسئول الموجه إليه هذا الطلب وعليه أن يبت فيه خلال ثلاثة أيام من اتصاله بهذا الطلب ولمن وجه إليه هذا الطلب دراسة الأمر وبحث إمكان الموافقة عليه أو رفضه داخل هذا الأجل وفي حال الموافقة علي هذا الطلب يكون عليه أن يحدد مكان التظاهر أو الاعتصام ومدة هذا التظاهر أو الاعتصام, والمفروض أن تكون السلطة قد علمت غاية هذا التظاهر أو الاعتصام وتعد ردا علي طلبات هؤلاء المعتصمين أو المتظاهرين باعتبارهم مواطنين يبحثون عن حقوق يعتقدون انها مشروع ويكون علي الدولة إيضاح موقفها من هذه المطالب, والسعي لتحقيق ما تستطيعه منها وتزود المتظاهرين والمعتصمين برد واضح علي مطالبهم وما يمكن تحقيقه منها وعلة عدم تحقيق بعض المطلوب منها. وفي حالة رفض السلطة الموجه إليها الطلب التظاهر أو الاعتصام يخطر الطالبين له رسميا بهذا الرفض ومن حقهم مقاضاة السلطة أمام محاكم القضاء الاداري, يوصف أن قرار الرفض هو قرار اداري يمكن الطعن فيه أمام محكمة القضاء الاداري وهنا يقول القضاء كلمته في هذا الطلب, وعلي المجتمع أن يذعن لما يقرره القضاء ما دام نهائيا وباتا إعلاء لدولة القانون والنظام القانوني للدولة. (3) أن أي مخالفة لهذا الأمر تنطوي علي جريمة يواجه الجاني فيها عقوبة الجنحة ويكون المسئول الأول عن هذه المخالفات وهذه الجرائم هم من تقدموا بهذا الطلب سواء تظاهروا قبل صدور الموافقة أو تواجد في غير المكان والزمان المصرح لهم بالتظاهر فيه أو الاعتصام بداخله. وإذا وقعت أي جريمة داخل المظاهرة أو الاعتصام يسأل عنها فاعلها كما يسأل عنها من تقدموا بهذا الطلب بوصفهم شركاء في هذه الجريمة أيا كانت, سواء كانت قتلا أو ضربا أو حرقا أو قطع طريق تمر الأهالي فيه. وحرصا علي سلمية هذا التظاهر أو هذا الاعتصام ما دام قد تم التصريح به وحدد زمانه ومكانه فان علي السلطات أن تتأكد من أن أيا من المتظاهرين أو المعتصمين لا يحمل سلاحا أيا كان نوعه لضمان سلمية التظاهر وعدم ارتكاب جرائم حال وقوعه, وكذلك وضع كردون حول مكان التظاهر بحيث لا يدخله الا من كان متظاهرا سلميا يعد التحقيق من عدم حمله سلاحا أو مادة خطرة يتحقق بها أذي حال التظاهر أو الاعتصام وهذه القواعد هي التي تكفل سلمية التظاهر حقيقة وتدفع الأذي عن المتظاهرين وغيرهم وتحول دون أن يندس بينهم من كان من البلطجية والمجرمين الذين يجدون الفرصة في مباشرة طباعتهم وعدوانهم. والواقع أن هذا المشروع من الأهمية بمكان إصداره كقانون من قوانين الدولة لما حققه التظاهر المطلق والاعتصام المطلق من أضرار فادحة مست كيان الوطن واهتزت أروقة الأمن داخله,ذلك أن التيار الإسلامي عندما تظاهر في منطقة رابعة العدوية ومنطقة النهضة بالجيزة واستمر إلي ما يقرب من شهرين وتجمع عديد من الأهالي داخل هذين الميدانين دون رابط أو قيد بما ترتب عليه زيادة أعداد المنضمين لهذا التظاهر حتي بلغت الآلاف من المواطنين بتشجيع من القائمين علي هذا التظاهر مقابل أموال أنفقت علي الراغبين في المشاركة. وتولي التعاون علي هذا التظاهر تلبية حاجة القادمين اليهم من مأكل ومشرب, واستمرت الاعداد تتزايد حتي بلغت مئات الآلاف وتعطلت هذه المناطق حيث تعذر السير فيها واشتكي سكانها من القيود الشديدة عليهم عند خروجهم من منازلهم وضاعف من المشكلة أن زود القائمون علي هذا التظاهر بعض المتظاهرين بالأسلحة وارتكبوا جرائم عديدة في هذين التجمعين وبات هناك في كل منهما ضحايا من القتلي تصل إلي العشرات, وصعب علي سلطة الدولة مواجهة هذه الظاهرة المهددة لأمن الوطن الأمر الذي يفرض حتمية مواجهته تأمينا للمجتمع بما يقتضي من قوات الأمن التدخل بكل وسائلها لفض هذا التظاهر, ولم يكن ثمة وسيلة أخري لإنهائه أو لفضه غير القوة المستعملة والتي راح ضحيتها العديد من المواطنين المصريين سواء كانوا من المتظاهرين أو رجال الأمن, وهذا الحادث المؤسف جدير بالتفكير في ملابساته أن يصدر التشريع المنظم للتظاهر أو الاعتصام علي النحو سالف الاشارة إليه. مساعد وزير العدل سابقا لمزيد من مقالات مستشار د.عماد النجار