في الخامس عشر من الشهر الجاري أدلي وزير الخارجية الأمريكية جون كيري, بتصريح بشر فيه بأن نافذة الدبلوماسية تزداد انفتاحا مع إيران, وهو بالتبعية ما سوف ينعكس بالإيجاب علي الملف النووي الإيراني الشائك, ويؤكد من جهة ثانية أن الولاياتالمتحدة تقدم الخيار الدبلوماسي علي العسكري للتخلص من كابوس قدرات طهران النووية. في نفس التوقيت تقريبا كانت واشنطن قد انتهت بالتعاون مع كوريا الجنوبية من إعداد خطة عسكرية شاملة مفصلة بشأن مواجهة التهديدات النووية الكورية الشمالية, وذلك بعد أن قدمت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية تقريرا للبرلمان ذكرت فيه أن الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية حقق تقدما كبيرا في برنامجها النووي خلال السنوات الثلاث الماضية, وأن بيونج يانج قادرة علي استخدام السلاح النووي وقتما شاءت. وبما أن القضية متعلقة بالخطر النووي فإنه لا مهرب من المقارنة بين السلوك الأمريكي المتناقض مع الطرفين من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما, فمع احدهما إيران تفتح أبواب التفاؤل والأمل والإصرار علي تسوية سياسية وليس عسكرية لأزمتها الخانقة مع الغرب, بينما تتمسك واشنطن بالتلويح الدائم بالعصا الغليظة في تعاطيها مع الطرف الثاني كوريا الشمالية . صحيح أن بيونج يانج مشهورة باستفزازاتها العسكرية ودفع الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية دائما لحافة الحرب, ولم ينفع معها كل وسائل الضغط وأولها العقوبات الدولية, لكن أمريكا ومعها البلدان الحليفة لها في شمال شرق آسيا يعلمون علم اليقين أن هذه الطريقة الاستفزازية ليست سوي وسيلة يداري بها الجانب الكوري الشمالي ضعفه وقصوره العسكري والاقتصادي, فما الذي يعوق فتح النافذة الدبلوماسية في الحالة الكورية الشمالية وعدم إغلاقه ا بالضبة والمفتاح كما يقولون؟ العائق أن أمريكا وحلفاؤها عليهم وضع الصين في حساباتهم وتحركاتهم, فالجامع بين هذه الأطراف المتنافرة اتفاقهم علي هدف إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية, غير أنهم يختلفون حول سبل تحقيق هذه الغاية النبيلة الرامية لحماية القارة الآسيوية من أخطار محدقة اقلها اندلاع سباق تسلح محموم وسعي بعض الدول غير النووية للتفكير في امتلاك هذه النوعية من الأسلحة الفتاكة. فالصين لا تري سوي الحل الدبلوماسي كسبيل لا رجعة فيه, خاصة وأن هذا يخدم مصالحها الاستراتيجية والأمنية ليس فقط لكونها أقرب الأصدقاء لعائلة كيم آل سونج الحاكمة, وإنما أيضا بحكم وقوعها جغرافيا لجوار كوريا الشمالية, وإذا اندلعت الحرب فيها فإن الرصاص المتطاير سيصيبها ويلحق بها خسائر كبيرة اقتصاديا وسياسيا, وهو ما لا تتمناه ولا ترغب فيه, وذاك ربما يفسر لنا حرصها علي احتواء النظام الشيوعي الكوري الشمالي المشهور بشطحاته وقراراته المتعجلة غير المدروسة والمفتقرة للحنكة والرؤية السياسية الصائبة. علي الضفة الأخري فإن أمريكا واليابان وكوريا الجنوبية ترفض الاعتراف بكوريا الشمالية كدولة نووية تلبية لرغبة بيونج يانج التي تريد أن يعترف الكبار أولا بها كقوة نووية, ثم تجلس معهم علي طاولة المفاوضات لعرض طلباتها وشروطها, فهي تعارض بشدة النظر إليها كطرف أضعف أو أصغر في المعادلة, لأنها مؤمنة بأنها في قامة الولاياتالمتحدة ويجب معاملتها كند وليس كتابع مفروض عليه قبول ما يلقي إليه من الأمريكيين ومن يشاركونهم الرأي والتوجه من دول الجوار. التباعد في الموقف الامريكي الصيني كان سببا ولا يزال وراء تعثر جهود استئناف المحادثات السداسية الباحثة عن حل سلمي للمعضلة النووية الكورية, بالإضافة إلي أن بيونج يانج تطمح للفوز بتأكيدات وضمانات أمريكية بعدم محاولة الإطاحة بنظام كيم جونج اون الذي ورث الحكم عن أبيه الراحل كيم جونج آيل, وتشعر بأن التقارب العسكري الأمريكي الكوري الجنوبي الذي زاد في الآونة الأخيرة يستهدف تغيير النظام وليس فقط حرمانها من سلاح الردع النووي, والأمل معقود علي التقاء الأمريكيين والصينيين والكوريين في منطقة وسط تتيح فتح نافذة دبلوماسية عصية علي الإغلاق, وأن تستفيد أمريكا من أخطائها القاتلة في تعاملها مع عدة أزمات دولية أخيرا.