يبدو الموسم السينمائي المصري في عيد الأضحي المبارك, بمثابة كابوس مفزع للجمهور والنقاد علي حد سواء, ولذا كان الموسم الأكثر جدلا بفضل حملات المقاطعة التي لاحقت حفنة من الأفلام لاتزيد علي خمسة. قوامها العبث والبلطجة والعشوائية في زمن ثوري, كان ينبغي أن تمثله لغة سينمائية تتماس مع الواقع المشغول حاليا بالدراما وكوميديا الموقف التي يحظي بها الشارع المصري, كما يبدو لنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي ترصد مئات التعليقات الساخرة, واللقطات الدرامية الحية, وكلها مواد خام يمكن أن يتناولها كتاب السيناريو لتقديم أفلام واقعية تلامس الحياة اليومية, بدلا من الشطط في صناعة تحتضر حاليا. وانطلاقا من أن السينما وجه ثقافي مهم جدا في جميع المجتمعات, ولها دورها الفاعل في زيادة وعي الجمهور وتزويده بالثقافة بشكل عام, فلايصح أبدا أن نطلق الحبل علي الغارب لاحتكار الفن السابع من جانب صناع تخصصوا في إنتاج توابل سينمائية حارقة للأفكار وطاردة للثقافة والوعي علي حساب القيمة والمغزي والمعني. وبنظرة خاطفة علي موسم عيد الضحي لهذا العام سنجد جنوحا واضحا نحو شريط سينمائي قوامه الإسفاف وضحالة الأفكار, والتركيز علي البطل الشعبي بمعايير' البلطجة' وترويع الناس والتأصيل للتحرش العلني, وليس الشهامة كما كان في كلاسيكيات السينما المصرية في أوج مجدها, عندما كان الموضوع الاجتماعي مغلفا بروح شعبية ممزوجة بتابلوهات غنائية تقترب بالمشاهد من مواطن الدفء في العلاقات الإنسانية التي تعكس الروح المصرية التواقة إلي الحب والخير والآمان. والأمر المؤسف أن مقص الرقيب لم ينل من تلك التجارب السينمائية الشائهة, بقدر ما واكب هذا الموسم السينمائي من حملات الغضب والاستنكار, فقد نشرت صفحة الجهاز الإعلامي لوزارة الداخلية' غير الرسمية' علي موقع التواصل الاجتماعي' فيسبوك' وصف لحال أفلام موسم العيد في كلمات موجزة تضمنت' كلمات خادشة للحياء, بلطجة, مناظر تخدش الحياء العام'. وتساءلت الصفحة مستنكرة' أيها الممثلون أيها المنتجون.. أهذا هو تقديركم للشعب المصري ؟ هل المناظر الخليعة والكلمات الخادشة للحياء و البلطجة شيء لتقدم الأمم ؟!'. وتابعت إدارة الصفحة هجومها قائلة' لا تعيبوا علي وزارة الداخلية في عدم تحقيق الأمن والأمان.. فأنتم من تصنعون البلطجة والدعارة بمثل هذه الأفلام.. فإذا ضاعت أخلاق هذا الشعب, فلقد ضاع الأمن والأمان'. ويتزامن هذا مع إطلاق نشطاء مصريين, أخيرا,حملة لمقاطعة أفلام عيد الأضحي, بعنوان'هنقاطعالإسفاف.. مصر مش راقصة أو بلطجي',احتجاجا عليسيطرة قصص البلطجية(الخارجين عليالقانون) والراقصات علي أغلب الأفلام المعروضة. وبالتوازي مع بث المقاطع الترويجية لهذه الأفلام علي شاشات القنواتالمحلية, تجاوب نشطاء علي موقعي التواصل الاجتماعي' تويتر' وفيسبوك'مع حملة'هنقاطعالاسفاف.. مصر مشراقصة أو بلطجي', مشددين علي أن أفلام العيد لهذا العام لا تناقش أي من المشكلات التي يعاني منها المجتمع المصري. وفي إطار التدليل علي وجهة نظرهم قام النشطاءبنشر صور من الشارع لأحد المراهقين, وهو نصف عار ويقص شعره بطريقة غريبة, متشبها ببطل فيلم' قلب الأسد' الممثل الشابمحمد رمضان. وقالمنظمو الحملة علي صفحتهم علي' فيسبوك':' أفلام العيد الآن أصبحت عبارة عن بلطجي وراقصة وأغنية شعبي, وهذا ليس الواقع المصري', مشيرين إلي أن هذه الأفلام قامت بتجميع' أسوأ' ما في المجتمع وعرضتها في فيلم واحد. وأضاف القائمون علي الحملة:' نحن لدينا عشوائيات في مصر وفقراء, ولكنهم ليسوا بلطجية ولا يشربون الخمور ولا يتحرشون بالنساء, مثلما تصور هذه الأفلام'. كما أعرب المجلس القومي للمرأة في مصر, من جانبه, عن استيائه الشديد جراء عرض تلك النوعية من الأفلام خلال عيد الأضحي وأكد ان تلك النوعية من الأفلام تؤدي لازدياد واستفحال معدلات التحرش الجنسي بالشارع المصري وهي الظاهرة التي نعاني منها جميعا بصورة تهدد أمن وسلامة المجتمع المصري, كما أعرب المجلس عن استنكاره الشديد من الإعلانات التي تبثها بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة للدعاية لتلك الأفلام والتي تسيء للأخلاق والمبادئ والقيم الأصيلة للأسرة المصرية. وأهاب المجلس بالقائمين علي صناعة السينما المصرية والأجهزة الرقابية والمسئولين بالتدخل السريع واتخاذ قرار حاسم بمنع ووقف عرض تلك الأفلام المسيئة حفاظا علي القيم والمبادئ وحماية للمجتمع من استفحال ظاهرة التحرش المؤسفة, خاصة أن تلك النوعية من الأفلام لا تتلائم مطلقا مع الأوضاع والظروف السياسية التي تشهدها البلاد خلال المرحلة الانتقالية والتي تستوجب من الجميع العمل الجاد والالتفاف حول مصلحة الوطن. وعلي الرغم من قلة المعروض من أفلام جديدة خلال موسم عيد الأضحي المبارك حيث لم تتجاوز خمسة أفلام لكن لوحظ أن لفظ'' الشعبي'' كانت كلمة السر في غالبيتها, بل يمكن القول إنها أساس السياق الدرامي لمحتوي ثلاثة أفلام, أولها فيلم''8%'' الذي تدورأحداثه حول فرقة غنائية شعبية تقوم بإحياء الحفلات الغنائية بالمدارس, وتحدث عملية خطف في أثناء إحدي الحفلات فيتورط أعضاء الفرقة في الخطف بالخطأ إلي أن يتم كشف الحقيقة, والبطولة السينمائية هنا مطلقة لثلاثة من نجوم المهرجانات الشعبية هم شحتة كاريكا, وأوكا, وأورتيجا, ويشارك في بطولته مي كساب ومها صبري ونورهان وسعيد طرابيك, وهو من تأليف ابراهيم فخر وإخراج حسام الجوهري. والثاني'' القشاش'' في حارة شعبية يعيش بطل فيلم الذي يشارك في بطولته محمد فراج وحورية فرغلي وهبة مجدي ودلال عبد العزيز وحنان مطاوع وعلاء مرسي وتيتيانا, وهو من تأليف محمد سمير مبروك, وإخراج اسماعيل فاروق, وتدور أحداثه في إطار اجتماعي إنساني حول شاب بسيط يعيش داخل حارة شعبية متهم بجريمة قتل يهرب من العدالة وتجمعه الظروف براقصة معروفة تساعده علي الهروب لفترة طويلة. أما الثالث'' عش البلبل'' فيتناول حكاية راقصة مغمورة في شارع محمد علي تتزوج مطربا شعبيا, ينقلها الي مستوي فني أرقي مما كانت تعيش فيه, ولكن ذلك لم يكن كافيا لتحقيق الرضا المتوقع, فتلتقي بعدد من الشخصيات التي تؤثر فيها وتغير مجري حياتها, ويشارك في بطولة الفيلم كريم محمود عبد العزيز ودينا ومي سليم وشعبان عبد الرحيم وطارق الشيخ ومحمود الليثي, وهو من تأليف سيد السبكي, واخراج حسام الجوهري. والواقع أن فيلمي'' هاتولي راجل'' و''شمال يا دنيا'' لا يبعدان كثيرا عن سابقتها بما تحتويه من مشاهد بطلجة وجرائم قتل وملاه ليلية ورقص, حيث تدور فكرة'' هاتولي راجل'' في إطار كوميدي- فنتازي إلي حد ما- حول فتاة تعيش قصة حب بين الأمل والخوف من الفراق, لها تطلعات كثيرة لكنها تتورط في مشكلة تؤدي الي انقلاب حياتها رأسا علي عقب, ويشارك في بطولة الفيلم أحمد الفيشاوي وايمي سمير غانم وشريف رمزي ويسرا اللوزي وعزت ابو عوف ونيكول سابا, وهو من تأليف كريم فهمي, واخراج محمد شاكر في أولي تجاربه في الاخراج السينمائي. في حين يتناول فيلم'' شمال يا دنيا'' مشكلة فتاة تعمل مطربة في ملهي ليلي لها تطلعات كثيرة لكنها تتورط في جريمة قتل غامضة, والفيلم بطولة أحمد عزمي ومي كساب وأحمد منير ودعاء سيف الدين وهيدي كرم, وهو من تأليف أحمد رحال, وإخراج اشرف نار في أولي تجاربه الإخراجية للسينما. صحيح إن نشأة السينما المصرية نشأة تجارية, فرضت علي الفيلم المصري أن يتجه منذ البداية إلي أن يكون هدفه الترفيه, فالترفيه وحده ضمان النجاح, وضمان الربح, لكن هذا الهدف سقط بالفيلم المصري لفترة طويلة, وعلي الرغم من تعامل السينما المصرية مع العديد من الموضوعات اليومية للحياة في المرحلة الكلاسيكية للسينمال, إلا أنها الآن فشلت في لمس الجوانب الإنسانية, والتعامل معها علي أنها مجموعات من المشاعر والأحاسيس يجب احترامها وتقديرها. وليس هذا فحسب بل إنها لم تتعامل معها وفق القياس النفسي, لصنع سينما راقية متطورة, ففي غالبية الانتاجات الأخيرة, لاتجد هناك قصة ولا فكرة تطرحها الأفلام وإنما تمنح شعورا زائفا بالمتعة فقط, وقضاء الوقت دون أثر يذكر, يطبع في ذاكرة المتلقي, أي انك تنظر إلي الألوان والأشكال والضربات والقفشات الكوميدية, التي باتت تعتمد عليها السينما في صناعتها الجديدة. ومن هنا لابد للفن أن ينمي الثقافة بالتجربة والاقتراب من الناس والحياة الحقيقية, وإذا ما أحسن تقديم ذلك يستطيع أن يسهم إسهاما حقيقيا في تطوير السينما العربية ويوجد نوعا من الوعي الجاد والسليم الذي يخدم مجتمعاتنا العربية.