أقول الحق.. لقد مللنا في مصر من سماع تهديدات أمريكية بمنع المعونة, فكلنا يذكر أنها بدأت في سبعينيات القرن الماضي, وكانت أحد بنود اتفاقية السلام.. أما قيمتها فكانت أكثر من ملياري دولار.. لكنها في كل عام تنخفض قيمتها حتي أصبحت مليارا و200 مليون دولار سنويا تقسم بين معونة مدنية وأخري عسكرية.. ولاشك أن هذا التخفيض في قيمتها نقابله في كل مرة بالحسرات.. وفي أحسن الأحوال بالأمنيات ألا تنخفض قيمتها أكثر وأكثر. الغريب أن حديث المعونة الأمريكية يتجدد هذا العام وسط ظروف اقتصادية صعبة, ووسط إرهاب لا يريد أن يترك أخضر أو يابسا إلا ويحرقه, ويتعامل معنا وكأننا أصبحنا أسري لديه.. لقد شعرنا بالخيبة تجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تسمي نفسها حامية حمي حقوق الإنسان.. وراعية القيم الديمقراطية.. ومناهضة كبري للإرهاب, لأنها بهذا المعني العقابي للمعونة إنما تقف ضد التحول الديمقراطي الذي تعيشه مصر حاليا وتعارض حق الشعب في تقرير مصيره, وتقف مع الإرهاب في وجه شعب يريد الاستقرار. والحق أن الشعب العظيم الذي صنع ثورة30 يونيو التي أذهلت العالم يعرف جيدا أن أمريكا لا تعطينا المعونة من أجل سواد عيوننا, وإنما من أجل أن نلوي عنق حقائق السياسة الخارجية المصرية لتكون في مصلحة أمريكا, أي أن شعب مصر يعرف جيدا أن هذه المعونة لا تعطي مجانا, وأجرها هو التنازل عن جزء أصيل من سياستنا الخارجية. والأسلوب العقابي الذي تتبعه أمريكا هو الرد علي اتخاذنا قرارات مصرية خالصة دون الرجوع إلي أمريكا في عليائها. أقول: لقد مللنا حديث المعونة.. فمنذ عشرات السنين وأنا أقرأ لكتاب كانوا يطالبون يوما بالاستغناء التام عن المعونات الخاصة لأمريكا ولدول أخري, وأذكر أنهم كانوا يمهدون لرفض المعونة لأنها تحد من قراراتنا المصيرية, وتؤثر علي استقلالنا الوطني. ولم ينس هؤلاء الوطنيون أن يفندوا لنا هذه المعونة التي تستفيد منها الدولة المانحة قبل الدولة الممنوح إليها ويذهبون إلي أن أكثر من نصفها يعود إليها في شكل رواتب لخبراء منها ليسوا بخلاء علي كل حال أما النصف الآخر فلا نعرف أين يذهب نتيجة غياب الشفافية في العالم النامي الذي ننتمي إليه! وأقول الحق.. إن حديث المعونة يملأ أفواهنا بالمرارة.. ولست أدري لماذا أفكر في الآتي: وهو أن يكون شعبنا أول شعب في التاريخ يقول للمعونة الأمريكية لا.. وليس هذا بعزيز علي الشعب المصري الذي قام بثورة مجيدة في30 يونيو جعلت القاصي والداني يتكلم عنه بفخار واعتزاز.. أعترف بأن الفخار والاعتزاز بهذا الشعب سوف يتضاعف إذا قلنا جميعا امنع معونة. والحق أن أمريكا نفسها سوف تغير موقفها إذا وجدت الشعب المصري كله يقول ذلك.. وسوف نلقن قادة أمريكا درسا في الديمقراطية إذا ضربنا المثل في الحفاظ علي استقلالنا الوطني! قد يري البعض أن هذه المقاطعة سابقة لأوانها, وأن مصر حاليا تمر بوعكة اقتصادية ولا يمكن تحميلها فوق ما لا تحتمل! لكن لا ننسي أن هناك أساليب أخري مثل ممارسة الضغط علي أمريكا والتعامل مع مصالحها في الشرق العربي بضغوط تهدد هذه المصالح, ولا ننسي أن الدرس الأول الذي تعلمناه في العلاقات الدولية هو: أنه لا صداقات دائمة, ولا عداوات دائمة, وإنما المصالح هي الدائمة. كما يجب ألا ننسي أن الرئيس أوباما في خطابه الأخير ذكر اسم المصالح الأمريكية أكثر من مرة, واعترف أن سياسته الداخلية والخارجية إنما تهدف إلي المحافظة علي هذه المصالح. باختصار نريد أن ينتهي حديث المعونة الأمريكية, لكن علي أن تظل مصر مرفوعة الرأس, وشعبها العظيم.. يتسيد كل شعوب الأرض. الساكت عن الحق: لابد أن ندعو الله لكي يسلم أستاذنا الدكتور أحمد يوسف أحمد عميد معهد الدراسات العربية من الجراحة التي ستجري له في باريس, وأن يعود إلينا سليما معافي. لمزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي