أحب أن أشاهد القرود داخل جبلايتها فقط, لا أحب أن أراها تتقافز حولي في الحياة, كما أنني لا أحترم ولا أثق في القرداتية, الذين يعيشون علي عوائد تسخيرها, بإطلاقها وسط حلقات من البشر, أشبه ب دوائر الاستباحة بعد أن يلقنوها دروسهم في ألعاب الحركة والإبهار والإغراء, وأيضا اللصوصية. لا أعلم لماذا ينتابني احساس من حين لآخر, بأننا أصبحنا نعيش داخل جبلاية قرود مفتوحة, بدأت الحالة منذ طرح سؤال المصير: ماذا سوف يفعل القرد اذا ما مات القرداتي؟, ثم تطور السؤال الي ما هو مصير القرداتي, اذا ما مات القرد؟!, ثم الي ماذا سيحدث اذا مات الاثنان معا؟ وأخيرا هل يمكن أن تحكم القرود؟!, كان السؤال افتراضيا, ولكنه تحقق في الواقع بشكل أو بآخر, في لحظة استثنائية, عندما قفزت إلي أعلي شجرة الموز!. القرود لا يمكن أن تحكم, وإن حكمت, فإنها سرعان ما تسقط: هذا هو درس التاريخ القريب والبعيد, إنها من فرط استباحتها تنعدم عندها الأخلاق, فتمارس الكذب والتدليس, وتتاجر بكل قيم السماء والأرض, من أجل أن تحقق أهدافها, في انتهازية لا تتناسب إطلاقا مع ادعاءاتها بالتقوي والورع, وهي بطبيعتها أنانية لا تحب إلا نفسها, وبارعة في ممارسة الاحتكار, فتستأثر بكل ما تلتقطه مخالبها, من حبات الفول وأصابع الموز.! وأخطر ما في حكمها هو إصرارها علي إعادة إنتاج دوائر الاستباحة مرة أخري, للذين لا ينتمون الي فصيلتها, وهي الدوائر التي اعتادت العيش في داخلها, تؤدي أدوارها وألعابها, وتعقد صفقاتها, وهي لا تأخذها رحمة أو شفقة بالذين يرفضون دخول دوائر استباحتها, فتلقي في طريقهم بكل قشور الموز, حتي تنزلق أقدامهم ويسقطوا الي النهاية. إن مأساة القرود أنها لا تقرأ سوي كتابها, ولو قرأت التاريخ لأدركت أن القرد والقرداتي يواجهان مصيرا واحدا وحتميا, هو السقوط, وأن الجمهور حين يسأم اللعبة, ينقلب علي الاثنين معا, ويفض الدائرة, ويتخلص منهما, مهما أصرا علي العودة مرة أخري بأي ثمن!. أحذر أن تعيش الحياة كقرد أو قرداتي, فلا تقيم دوائر استباحة لأحد, ولا تدخل دائرة استباحة أحد, طمعا في سلطة, أو بدعوي محبة أو صداقة, ففي الحالتين سوف تسقط لا محالة, حتي لو ألهمتك قردنتك أن تتحول في أوقات السقوط وما يليها إلي أسد, فلن يصدقك أحد, وستكون مثيرا للسخرية والاستياء والشفقة, ولن تنجو, لأن أوان الإجابة عن السؤال الأخير عن المصير قد فات!. في الختام.. تقول الحكمة القديمة: السلطة لا تغيرنا, انها فقط تكشف عن حقيقتنا. لمزيد من مقالات محمد حسين