لم يكن السؤال صعبا, وإنما جاء مفاجئا, كان أحد أسئلة المرحلة: إذا ما مات القرد, ماذا سوف يفعل القرداتي؟!. بعد إعمال الفكر طويلا اكتشفت أنه لا توجد مشكلة علي الإطلاق, فلن يعدم القرداتي الحيلة في الاستمرار في الحياة, فهو المعلم للقرد ألعابه وتفانينه, التي تبهر الناس, وتجعلهم يتحلقون حوله في دوائر استباحته. لن يواجه إذن القرداتي أي مشكلة, قد يعتمد علي قرد آخر يرتزق من ورائه, وفي أسوأ الأحوال, يستطيع أن يقوم هو بدور القرد بصفته معلمه ويحقق نفس الدهشة والإبهار, وقد يتفوق علي جبلاية بأكملها. ولكن ماذا لو طرحنا سؤال المرحلة من زاوية أخري وهي: اذا ما مات القرداتي, فماذا سوف يفعل القرد؟!. أعتقد أنه لن يستطيع أن يعود إلي حياته الطبيعية, فقد أدمن الوجود داخل دوائر الاستباحة, أدمن كشف عوراته أمام الناس, لم يعد يتألم من سقوطه علي الأرض, في أثناء قيامه بألعابه وأدواره الشهيرة: عجين الفلاحة ونوم العازب والزوجة الخائنة! إن مأزق القرداتي أخف وطأة من مأزق القرد: القرداتي يستطيع أن يعيش بمفرده, أما القرد فلابد له من صاحب. أعرف قرودا تمردت علي استباحتها وألعابها الرخيصة, ففرت من صاحبها الذي وضعها علي بداية طريق السقوط, ولجأت إلي شجرة الحياة, طلبا للسكن والحماية والكرامة, وحفظ العورات, ولكن للأسف بعد أن استقرت علي الشجرة, وأبهرت الجميع بأدائها في ارتقاء الأغصان ببراعة, قامت بحركة بهلوانية ارتدادية غير متوقعة وصادمة. قفزت من أعلي الشجرة إلي دائرة استباحتها الأولي, وكأنه قدرها الذي لا تستطيع الهروب منه!. يشغلني دائما مصير البشر القرود أو القرود البشر, أسأل نفسي أحد أسئلة المصير: ما هي شروط عدم الدخول أو الخروج في ومن دوائر الاستباحة.. كل دوائر الاستباحة؟! في الختام.. يقول الكاتب البريطاني جوليان هكسلي: يتفنن القرد في ألاعيبه كلما صعد فوق الشجرة. لمزيد من مقالات محمد حسين