استعجب الكثير وأنا منهم لوضع مادة دستورية تنص علي الضرائب التصاعدية كمنهج أساسي لإعادة توزيع الدخل القومي لتحقيق العدالة الاجتماعية, وإن كنت أري أن الضرائب كنص في حد ذاتها هي أمر أحمد, إلا أن كلمة تصاعدية هي مقيدةللغلية ولاتترك مساحة من المرونة للمشرع فيما بعد في المجالس النيابيةلتكيفها حسب الظروف الاقتصادية المتغيرة. ولا أريد أن يفهم البعض أني ضد الضرائب التصاعدية, علي العكس من ذلك أنا أول من نادي بتطبيقها في كل كتاباتي قبل و بعد الثورة, إلا أني أري أن مكانها الصحيح, القوانين المكملة للدستور وليس الدستور نفسه. ولمزيد من الفهم, يجب أن يعلم القراء أن الضرائب بشكل عام لا تتدخل بطريقة مباشرة في التوزيع الأولي للدخل القومي. ولكنها تشكل أداة مالية مهمة من أدوات إعادة توزيع هذا الدخل, فهي تمارس أثرها هذا عن طريق التأثير في الدخول النقدية وفي الدخول الحقيقية, أي عن طريق خفض أثمان عوامل الانتاج( الدخول النقدية) وعن طريق رفع أثمان السلع( الدخول الحقيقية) وحتي يمكننا أن نستوعب الآثار التوزيعية للضرائب يجب أن نفرق بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة. فالضرائب المباشرة هي التي تفرض علي الدخول والثروات ويمكن أن تكون ثابتة أو تصاعدية أو تناقصية( حسب الحاجة الاقتصادية), أما الضرائب غير المباشرة هي التي تفرض علي استخدام الدخول والثروات, أي علي السلع والخدمات( وغالبا ما تكون ثابتة وإن اختلفت معدلاتها من استخدام إلي آخر حسب نوع السلعة والقطاع). والقصد من هذا التوضيح أن نفسر للقارئ منفي النهاية الذي سوف يتحمل عبء الضرائب في واقع الامر, فالضرائب المباشرة يقع عبئها علي المكلف قانونا بأدائها( مثل الضرائب علي الدخول) وهو ما يعني أنها تؤثر في إعادة التوزيع( سواء كانت تصاعدية أو غير تصاعدية) علي تخفيض الدخول لا محالة. أما الضرائب غير المباشرة فيقع عبئها علي المستهلكين, وهو ما يعني رفع أثمان السلع والخدمات( أي خفض الدخول الحقيقية). والحق أن الأمر ليس بهذه البساطة ذلك أنه يتوقف علي ظاهرة معقدة, وهي ظاهرة مرونة العرض ومرونة الطلب والعلاقة بينهما( وليس هنا مجال الحديث عنهاالآن) ولكن انتهي رأي بعض المدارس الاقتصادية إلي أن أعباء أي ضريبة( مباشرة كانت أو غير مباشرة) يقع علي المستهلكين, بينما ذهب رأي البعضالاخر إلي أن الضرائب المباشرة تمارس أثرها في إعادة التوزيع من خلال التأثير فقط في أثمان عوامل الانتاج( أي في خفض الدخول النقدية فقط, أكثر من خفض الدخول الحقيقية), وعلي اي الاحوال, كقاعدة عامة, تؤثر الضرائب غير المباشرة في إعادة التوزيع من خلال التأثير في أثمان المنتجات أكثر من التأثير في أثمان عوامل الانتاج( أي في خفض الدخول الحقيقية, أكثر من الدخول النقدية). رأينا إذن من الآراء السابقة أن الضرائب تؤثر في الدخول بشكل عام( نقدية كانت أو حقيقية), وأن الأمر في ذلك يستوي بالنسبة للضرائب المباشرة وغير المباشرة, اذا لم يتمكنوا من نقل عبئها الي غيرهم( أي تحويلها من المنتج الي المستهلك). ويمكن القول في هذا الصدد إن زيادة الضرائب( أقصد الضرائب التصاعدية) تؤدي بدرجة ما تستتبع من انخفاض في الدخول, الي انخفاض المستوي العام للأثمان وبالتالي ارتفاع القوي الشرائية للنقود, والي انخفاض الانتاج, وبالتالي ترتفع معدلات البطالة, وهو ما إذا أفرط في تطبيقها تفضياليركود اقتصادي ثم كساد, ونحن أبعد ما نكون في حاجة له في مصر الآن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد مرحليا. وعلي العكس من ذلك فإن انخفاض الضرائب بشكل عام( أقصد الضرائب التناقصية) تؤدي بدرجة ما يستتبع من ارتفاع في الدخول, إلي ارتفاع المستوي العام للأثمان وبالتالي انخفاض القوي الشرائية للنقود, وإلي ارتفاع الانتاج, وهو ما إذا أفرط في تطبيقهاأيضا يفضي إلي ارتفاع في الانتاج ولكنه يصحبه ارتفاع في الأثمان ينتهي الي تضخم في الأسعار, وهو أيضا ما لا نريده الآن في مصر في ظل انخفاض مستوي الأجور العام وارتفاع نسب الفقر. وعليه يمكن أن ننتهي الي أن فاعلية أي ضريبة تتوقفعلي اثرها فيإعادة توزيع الدخل القومي وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية, وتتوقف في المقام الاول علي السعر الذي تفرض به, وعلي مدي تصاعد هذا السعر(والمعروف بالسعر الامثل للضريبة), وعلي كيفية تحديد وعائها, وعلي الاعفاءات التي تتقرر منه, وهنا يلزم أن ننبه إلي مدي فاعلية سعر الضريبة ومرونة تغيرها من تصاعدية إلي تناقصية أو إلي ثابتة, في التأثير بصفة عامة في إعادة توزيع الدخل القومي,والذي يقاس بمدي نجاحها في إحراز أكبر حصيلة ممكنة لخزانة الدولة فليس الهدف هو سعر الضريبة أو نوعها(بل هي وسيلة), اماالهدفالأهم فهو تعظيمالايراد العام منهالكي يستفيد منه الوطن من سلع وخدمات عامة ونمو اقتصاد يحقق الرفاهة الاقتصادية لجموع الشعب. ولهذه الأسباب كنت أفضل أن ينص الدستور علي كلمة ضرائب عادلةفقط, ويترك للمشروع تحديد السعر حسب الحاجة وطبقا للظروف الاقتصادية المتغيرة. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب