أرجو ألا تكون دعوتي متأخرة وحسم الأمر بالنسبة لشكل النظام السياسي في البلاد, وهو الجزء الأهم الذي لم يتم التوافق عليه في الدستور الجديد للدولة. فما نقله الزميل العزيز الدكتور وحيد عبد المجيد عن المداولات التي جرت داخل' التحالف الديمقراطي' كلها تشير إلي أن النظام المختلط ما بين الرئاسي والبرلماني هو ما جري الاتجاه نحوه. وبهذا فإن حزب الحرية والعدالة يكون قد عدل عن توجهه الأول لتفضيل النظام البرلماني واقترب من أنصار توجه النظام الرئاسي تماشيا مع سياسته في الاقتراب من باقي القوي السياسية وأفكارها. ولكن ذلك علي ما يبدو فيه من فضيلة لا يعطي البلاد أكثر النظم السياسية كفاءة في إدارة موارد الدولة وتحديد المسئولية السياسية والاقتصادية. لقد سبق لي أن عددت مميزات' النظام الرئاسي' بما فيه من فصل حقيقي بين السلطات, والقدرة الأكبر علي اتخاذ القرار, والمسئولية التنفيذية المحددة لرئيس الجمهورية بحيث لا تضيع المسئولية بين قبائل رئيس الوزراء والبرلمان ومؤسسة الرئاسة. ولكن ربما لا يعرف الكثيرين أن هذا النظام يعطي للبرلمان سلطان وقوة وفاعلية لا تتوافر في باقي النظم الأخري; فهو ليس قابلا للحل, وهو الذي يصدق علي كافة التعيينات' السياسية' من وزراء وسفراء ومناصب أخري أهمها أعضاء المحكمة الدستورية العليا, وهو الذي يعلن الحرب ويقيم السلام. وفوق ذلك وبعده هو الذي يمسك بالموازنة العامة ويبسط منها ويقبض فيها حسب ما يري للصالح العام. وهو الذي يحاكم الرئيس إذا ما تجاوز السلطات المقررة له دستوريا, وهو الذي يضع عليه الحدود في استخدام القوة العسكرية. إن القضية ليست فقط التوصل إلي حلول وسط ما بين وجهات نظر, ولكن الأكثر أهمية أن نصل إلي وجهة النظر التي تلائم حالة البلاد. وإذا كانت هناك حالات تماثل النظام الفرنسي المختلط, فإن العالم يوجد به211 وحدة سياسية متنوعة معظمها دول وأقلها كيانات, وكلها اختارت ما بين النظامين البرلماني أو الرئاسي وفي السنوات الأخيرة كان النظام الثاني هو الأكثر تفضيلا خاصة بين الدول المتحولة حديثا نحو الديمقراطية حيث لا يوجد شغف بنظام' برلماسي' يقوم علي شرعيتين متصادمتين بالضرورة إذا جاء رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من أحزاب مختلفة: شرعية رئيس الجمهورية الذي ينتخبه الشعب, وشرعية رئيس الوزراء الذي تأتي به الأغلبية في البرلمان وكل ذلك يجري في إطار متوازن يفصل ما بين السلطات, ويضع في يد كل منها ما يجعله رقيبا ومحاسبا للسلطتين الأخريين بوسائل متنوعة. المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد