بينما تمضي العملية الانتخابية في طريقها المرسوم, فإن هناك مهمة أخري لن تكون أقل أهمية مما يجري الآن. وليس سرا علي أحد أن الوظيفة الأساسية للبرلمان القادم هي وضع دستور جديد للبلاد. وهي مسئولية تاريخية لأنه يجب أن يتوافر فيها شرطان: أن نحصل علي دستور يجعل مصر أكثر كفاءة في إدارة شئونها, ويعطيها القدرة علي المشاركة في السباق العالمي نحو التقدم. وأن يكون هذا الدستور حاصدا لأكبر توافق ممكن من قبل كل القوي السياسية سواء علي اليمين أو اليسار, من القوي الليبرالية أو من قوي الإسلام السياسي. المهمة هكذا صعبة, والخلاف فيها متوقع, ولكن التحدي مقبول من كل القوي الوطنية التي شاركت في الانتخابات. وعلي ضوء الجولتين الأولي والثانية منها فإن الساحة باتت أقل ضوضاء وازدحاما مما كانت عليه من قبل, وجري الفرز الطبيعي في مثل هذه الأحوال حول الأثقال والأوزان, ومن ثم فإن التفاهم والتوافق ممكن. وشرط هذا أن يجري ذلك بهدوء, وفي غرف مغلقة, وبين خبراء يعرفون في الموضوع أكثر مما يعرفون في السياسة. والفارق بينهما أن الخبير يبحث دائما عن الأفضل والأكثر كفاءة, أما السياسي فإنه يطلب الرضا من جماهيره أو من خارجها أو بغية اكتساب حليف هنا أو هناك. القول هذا لأن القضايا الدستورية المطلوب بحثها متعددة; وأظن أن تقاربا جري وتوافقا علي ما عرف بالمادة الثانية بالدستور, وعلي الهوية العامة للدولة مدنية وديمقراطية. كما أن هناك توافقا علي المبادئ الأساسية للحريات العامة التي وردت في دستور عام 1971 وما سبقها من دساتير; وفي النهاية فإن استفتاء مارس الماضي أقر حدود سلطات رئيس الجمهورية. ولكن بعد ذلك ينتهي الاتفاق وأول ما نحتاج البحث فيه فهو النظام السياسي للدولة حيث هناك من يفضلون النظام البرلماني (الوفد والحرية والعدالة), ومن يريدون النظام الرئاسي (النور ومعظم مرشحي رئاسة الجمهورية), ومن يرون الجمع بينهما فيما عرف بالنظام البرلماسي علي الطريقة الفرنسية (د. محمد البرادعي ود. وحيد عبد المجيد). الاختيار بين هذه النظم ليس مهمة سهلة; ويضاف لهذا الاختيار ما عرف بالأحكام التكميلية التي وردت في الباب الأخير من دستور 1971 والخاصة بمجلس الشوري وما عرف بالسلطة الرابعة أو الصحافة وكلاهما فيه عجب كثير يطلب حكمة المعالجة وشجاعة القرار. ولن ننسي بالطبع قاعدة العمال والفلاحين التي يكون إلغاؤها نقطة فارقة ما بين نظام جديد وأخر استمر لستة عقود. الزمن المتاح للتفكير والتحضير ثلاثة شهور فقط لا غير. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد