وزيرة التضامن الاجتماعى بالشرقية .. الاستثمار في الطفولة المبكرة أولوية وطنية    توزيع حقائب مدرسية وأدوات مكتبية على الأيتام والأسر غير القادرة بمطروح    إطلاق مجالس الفقه بمساجد جنوب سيناء للتوعية ضد فوضى الفتاوى والأفكار المتطرفة    المؤتمر: توجيهات الرئيس بتعظيم التعاون مع سكاتك وصنجرو تعكس رؤية مصر    برلماني: رسائل الرئيس تؤكد أن الإصلاح الاقتصادي يسير بالاتجاه الصحيح    زراعة البحيرة: شروط صارمة لاعتماد مواقع تجميع قش الأرز    منال عوض تلتقي الجهات المنظمة لاحتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    أطفال غزة .. بين التجويع والقصف والأمراض وغياب الدواء    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و94 ألفًا    تحذير لم يؤخذ به.. تقرير: حياة تشارلي كيرك كانت في خطر بنسبة 100%    انطلاق مباراة الطلائع ومودرن بالدوري    "فيشر موجود وأسد مش صح".. شوبير يكشف تحركات الأهلي في الساعات الماضية    «صلاح من بينهم».. أبوتركية ينتقد لاعبي ليفربول: «لابسين بدلة وبيلعبوا بالشوكة والسكينة»    "أسرار كارثية".. نجم الزمالك السابق يفجر مفاجأة بعد رحيله: "أنا صريح"    بالصور- شباب سفينة النيل العربي يزورون معبد فيلة والسد العالي بأسوان    حريق يلتهم حظيرة مواشي في قنا| صور    قضية الخبز المسموم.. المتهمة بقتل زوجها وأطفاله في قفص الاتهام غدًا    تموين الوادي الجديد: حملات فجائية بالمخابز لمكافحة الغش والتلاعب    تحريات مكثفة لكشف ملابسات مقتل شخص طعنا بسلاح أبيض فى بولاق الدكرور    5 أيام على العام الدراسي الجديد.. تفاصيل القبول والدراسة بالبكالوريا المصرية    افتتاح معرض "إبداعات عربية معاصرة" بجاليري ضي (صور)    تطعيمات ضرورية يجب حصول الطلاب عليها قبل بدء العام الدراسي    تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 284 ألف مواطن ضمن "100 يوم صحة" بالمنيا    البنك الأهلي يساهم ب 60 مليون جنيه لصالح وحدة "الايكمو" من خلال لجنة زكاة طوارئ قصر العيني    مستشفيات سوهاج الجامعية تطلق نظام حجز العيادات الخارجية هاتفيا    مدرب بيراميدز السابق: أتمنى تدريب الأهلي وهو أصعب فريق واجهته في مصر    «ديجافو» من ما تراه ليس كما يبدو تتصدر المشاهدة على المنصات بعد عرض أولى حلقاتها    حتى المساء.. أمطار غزيرة على هذه المناطق في السعودية    وفاة الإعلامي السعودي سعود العتيبي    وكيل تعليم الجيزة: لا تهاون في صيانة المدارس.. وسد العجز قبل الدراسة    تامر فرج: قدمت دورًا مختلفًا في «أزمة ثقة» ومشهد ضربي لملك زاهر بجد    نور النبوي يستعد لتصوير «كان يا مكان».. ويواصل صعوده نحو نجومية مختلفة    نجوم الفن حاضرون في جنازة أرملة سيد مكاوي.. إسعاد يونس ونادية مصطفى أبرزهم    رسالة صادمة من ريهام سعيد لمنتقديها.. اعرف التفاصيل    متحدث الوزراء: افتتاح المتحف المصري الكبير نوفمبر القادم والتجهيزات تسير وفق الجدول الزمني    جامعة قناة السويس تُكرم فريق المتطوعين بمركز خدمات الطلاب ذوي الإعاقة    تعرف على مواجهات الدور التمهيدى الثانى لكأس مصر بعد سحب القرعة    "معلومات الوزراء": الذكاء الاصطناعي أصبح جاهزًا لإحداث ثورة في مجال السياحة العالمية    منظومة شرطية إنسانية.. الجوازات تقدم خدماتها للحالات الطارئة بكفاءة    مستقبل وطن بالإسماعيلية يدعم مستشفى القصاصين التخصصي    مطروح: توزيع حقائب وكتب وزي مدرسي على 2000 من طلاب المدارس من الأولى بالرعاية    السيسي يؤكد أهمية تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوفير فرص العمل في قطاع الطاقة الجديدة    فلكيًا.. موعد شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيامه    هل يجوز أن أنهى مُصليًا عَن الكلام أثناء الخُطبة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    رئاسة مركز باريس: تنفيذ مبادرة "أهلا مدرستى" بقرى بغداد لتخفيف الأعباء عن الأسر    خلاف مالى يتحول إلى معركة بالأسلحة البيضاء بين 11 شخصاً فى الغربية.. فيديو    تعطيل العمل بالقسم القنصلي للسفارة المصرية بالدوحة    حشود بالآلاف واشتباكات عنيفة مع الشرطة.. أكبر مسيرة لليمين المتطرف فى لندن    الخشت يفرق بين فلسفة الدين وعلم الكلام: الأول نقدى شامل والثانى دفاعى تقليدى    «الإفتاء» تواصل عقد مجالسها الإفتائية في المحافظات حول «صلاة الجماعة.. فضائل وأحكام»    طولان: أنا مدرب منتخب مصر بالصدفة    خبير في شئون الجماعات الإرهابية: أكاذيب الإخوان تستهدف الاقتصاد عبر التضليل الرقمي    الهلال الأحمر يدفع ب3200 طن مساعدات إغاثية عبر قافلة زاد العزة ال36 إلى غزة    صحيفة نمساوية: بولندا باتت تدرك حقيقة قدرات الناتو بعد حادثة الطائرات المسيرة    الصين تحذر الفلبين من «الاستفزاز» في بحر الصين الجنوبي    خطوات استخراج البطاقة الشخصية 2025 ب 5 طرق أبرزها عبر الإنترنت    ارتفاع قياسي عالمي.. أسعار الذهب اليوم الأحد 14 سبتمبر بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    د.حماد عبدالله يكتب: حينما نصف شخص بأنه "شيطان" !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القلق من الحوار الوطني
نشر في أخبار مصر يوم 04 - 04 - 2011

أعرف أن مفهوم الحوار الوطني من تلك المفاهيم التي تلقي احتراما خاصا لدي الجمهور السياسي المصري‏.‏ وما إن تظهر قضية أو موضوع إلا وتنشب فورا دعوة للحوار الوطني حولها‏.
وإذا لم يحدث ذلك الحوار فإن نوعا من رد الفعل السلبي يدور فورا, خاصة وأن فئات سياسية أعادت اختراع المفهوم فصار الحوار المجتمعي الذي ما زلت لا أعرف له فارقا عن الحوار الوطني.
والحقيقة أن التاريخ لم يكن أبدا إلي جانب ذلك الحوار الذي تتحدث عنه كل الأطراف السياسية في مصر, ثم بعد ذلك لا نعلم ما يعنيه تحديدا. وفي عام1984 خرجت علينا الحكومة, أو الحزب الوطني الديمقراطي, أو الرئيس شخصيا آنذاك للحديث عن حوار وطني شامل. وبعد ذلك كانت المسألة هزلية من أولها إلي آخرها, فقد تشكلت لجان, واجتمعت مؤتمرات, واحتج هذا أو ذاك علي طريقة الحوار, وفجأة أصيب الحوار الوطني بالسكتة القلبية بعد بيان هزيل ظهر فيه أن أحدا لم يكن يعلم ما هو الغرض من الحوار أصلا.
تكرر الأمر بعد ذلك مرات عديدة, وفي مناسبات مختلفة, وكانت الحكومة أو الحزب الحاكم تستخدمه ساعة الأزمة, أما المعارضة فلم تكن تجد شيئا غيره بعد انتهاء الأزمات, وفي كل مرة جري فيها النقاش أو الحوار وطنيا أو مجتمعيا حسبما اتفق كانت الصيحات كثيرة, والطحن بلا طحين أكثر.
الطريف أنه رغم ولاء الجميع للفكرة الديمقراطية, أو هكذا يظهرون بما فيهم أكثر الجماعات فاشية, فإن نظرة علي البلدان الديمقراطية لا تجد فيها مثل هذه الحوارات الوطنية المجتمعية التي تجري الدعوة لها كل يوم في بلادنا. ولكن ما يحدث حقا هو أن هذه المجتمعات في حالة حوار دائم يجري داخل كل جماعة سياسية, كما يجري بين جماعات بعينها, وهو يخرج أو يتسرب إلي أجهزة الإعلام التي تبدأ في مناقشة الأفكار, وهنا تدخل مراكز البحوث المتخصصة في القضية, مع جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالقضية لكي تدلي بدلوها. وتكون الحصيلة بعد ذلك إما توافقا وطنيا شاملا مرجحا لوجهة نظر بعينها لا يجد القائد السياسي بدا من اتباعه; أو أن هناك خلافا عميقا لا بأس في وجوده أحيانا بين الفرق والجماعات, فينتهي الأمر إما بالاستفتاء كما جري حول التعديلات الدستورية الأخيرة أو في الانتخابات العامة حيث يقرر المواطنون الجهة التي ينحازون لها وتحمل وجهة النظر المقتنعين بها, وبعدها تصير توجها للبلاد تجري ترجمته إلي قواعد وقوانين.
مشكلتنا دائما مع الحوارات الوطنية المرغوبة دائما والمحبطة في كل الأحوال أنها تتأرجح حول الغرض من الحوار, ومن ثم قائمة الأعمال التي تنبثق منه; كما أنها لا تعلم أبدا من المعنيون بهذا الحوار. وفي بلد توجد فيه أحزاب يقال عنها ورقية وأخري كرتونية; وثالثة تنتمي إلي العهد البائد والقديم والتي وجب حلها ونفي من لا يزالون فيها نفيا سياسيا أو معنويا; ورابعة لا تزال في دور التكوين وتريد وقتا غير محدد يبقي الحال علي ما هو عليه حتي تكبر وتزدهر وتصبح قادرة علي كسب الانتخابات العامة أو علي الأقل التأثير البالغ في حواراته الوطنية; وخامسة تعبر عن كتلة هائمة من المستقلين لا تعرف إلي أين تذهب, ولكن لأنها كانت دوما الأغلبية فلا بد لها من مكان في الحوار تحت اسم وهمي هو الشخصيات العامة التي إذا ما اختفي منها مواطن مهم بات من الشخصيات الخاصة; وسادسة تعبر عن كتلة واسعة أكبر تعرف في الكتب السياسية باسم الأغلبية الصامتة التي لا يعرف أحد سبب صمتها, وعما إذا كان هو الخوف, أو أن المسألة ببساطة أنها لا تهتم بالموضوع كله لأنه لا يهم الأغلبية في كثير أو قليل.
المسألة تحتاج نقطة بداية لها علاقة بالرؤية التي نريدها لمصر, ومع قدر من الاجتهاد, الرؤية التي تراها الطبقة الوسطي والنخبة السياسية المنوط بها إدارة البلاد أو التي تسعي إلي إدارتها من خلال توافق وطني حول قواعد اللعبة. وهنا نجد حديثا كثيرا, وربما توافقا وطنيا علي أننا نريد دولة ديمقراطية مدنية, وهي خطوة كبيرة إلي الأمام لو أننا فهمنا هذا الهدف علي أننا نريد دولة ديمقراطية مدنية مثل تلك التي يعرفها العالم أو علي الأقل84 دولة فيه تواضعت علي المعني المتفق عليه بالنسبة لهذا الهدف. أما إذا أردنا دولة ديمقراطية مدنية تفصيل علي قدر خصوصيتنا فساعتها سوف تنفتح كل أبواب جهنم السياسية لأن خصوصيتنا التاريخية لم تكن إلا فصولا متغيرة من الطغيان والاستبداد.
علي الأقل عند هذه النقطة يمكن أن تتميز الجماعة الوطنية بين من يريدون دولة ديمقراطية من طراز عالمي معروف أوصافها ومواصفاتها, وهؤلاء الذين يريدون الديمقراطية الخاصة ذات الأصول التاريخية. ولكن للديمقراطية وجها آخر, و|إذا كانت الديموقراطية في النهاية واحدا من النظم السياسية التي جري الإدعاء أنها الأكثر كفاءة في إدارة شئون الدول فإن ذلك لا يمكن أخذه علي إطلاقه لأنها تحكم من خلال أدوات ونظم وقواعد. صحيح أن كل الديمقراطيات تتفق علي سيادة القانون, وضرورة الفصل والتوازن بين السلطات, وقدرة كل سلطة علي الحد من إمكانية طغيان السلطات الأخري; إلا أن أشكال ذلك كله متعددة في العالم, ونعرفها هنا في ثلاثة نظم: الجمهورية البرلمانية; والجمهورية الرئاسية, والجمهورية الخليط فيما بينهما. والأمثلة هنا علي سبيل التبسيط هي المملكة المتحدة, والولايات المتحدة, وفرنسا; وبينهم تسير دول العالم الديمقراطية المختلفة.
وليس سرا علي أحد أنني دعوت دوما إلي الجمهورية الرئاسية الديمقراطية, ولكن رأيي هنا ليس مهما إلا حينما يأتي وقت الحوار الوطني حول أنسب النظم السياسية لمصر. ولكن المهم هو أن الحوار حول أكثر النظم السياسة مناسبة للحياة المصرية من زاوية الكفاءة والاستقرار السياسي والاجتماعي ينبغي أن يكن مفتوحا للجميع, وعلي طريقة الدول الديمقراطية التي أشرنا إليها, وبعد ذلك سوف يجري الاحتكام إلي صناديق الانتخابات لحسم الموضوع بعد أن تتبناه القوي السياسية والأحزاب المختلفة خلال عملية التصويت علي الدستور الجديد.
والحقيقة أنه لا توجد طاولة للحوار الوطني تستطيع أن تستوعب كافة القوي الموجودة, ولا حوارا مثمرا يمكن أن يدور عندما يكون الحال بين عشرات أو مئات من البشر, وإذا كان الذي يدير الحوار بعد ذلك سوف يكون أستاذنا الدكتور يحيي الجمل الذي لديه من الآراء ووجهات النظر ما يكفي كل من في القاعات الحوارية مجتمعين فإننا نصبح أمام استحالة مطلقة للحوار.
ولكن الحوار حول الديمقراطية ونظامها السياسي ليس كل ما لدينا من حوارات مهمة, فلعل أكبر الأخطار التي تهدد الديمقراطية دوما هي ضعف التنمية, وتراجع البنية الاقتصادية, وشعور الأغلبية الصامتة بإن احتياجاتهم المباشرة لا مكان لها في دائرة الحوار, ولا يهم كثيرا ما إذا كان ضروريا أن يحتوي النظام السياسي المصري علي امبودسمان علي الطريقة السويدية إذا كانت البطالة مستشرية وغالبة. هنا فإن القوي السياسية المختلفة عليها أن تخرج من مكامنها الغاضبة علي النظام القديم الذي لم يحقق آمالها وطموحاتها لكي تطرح أولا طموحاتها وآمالها بقوة ووضوح; وثانيا كيف يمكن تحقيقها في الواقع وليس في السماء السابعة.
اعلم أن هذه الأسئلة صعبة, وأن الهروب منها يعود إلي أن الإجابات صعبة بدورها, ولكن ذلك هو واجب الثورات الحقيقية البناءة في نهاية الأمر والتي لا تريد فقط لعنة النظام القديم, وإنما تضيف إليه إضاءة شمعة حول النظام الجديد الذي سوف يحقق ما لم يستطعه من سبقوهم. هنا فإن كل النظم السياسية تواجه بسؤالين لا يمكن تجاهلهما: كيف يمكن تحقيق أكبر معدل للنمو الاقتصادي لأن ذلك هو الطريق لتوسيع حجم وقيمة الكعكة القومية؟ وكيف يمكن توزيع عائد هذا النمو, وهو سؤال عادة ما يختلط بسؤال آخر حول كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية؟ والفارق بين السؤالين هو أن الأول يربط بين التوزيع من ناحية, والعمل والإنتاجية من ناحية أخري; أما الثاني فيطرح ما إذا كان هناك عائد ضروري من الثروة القومية لكل المواطنين بغض النظر عما يقدمونه لعملية الإنتاج من عمل أو مهارة أو فكر.
وهكذا فإن موضوعات الحوار تصبح أكثر تحديدا, وهي لا تحتاج أبدا لحكومة لكي تديرها أو لشخصية وطنية مهمة لكي تحاضر فيها, وهي لا تحتاج إلي قاعات وصالات للنقاش, فمجال ذلك الوطن كله حيث أجهزة الإعلام, والتواصل الإلكتروني يروج ويشرح ويفند ويؤيد ويعترض علي وجهات نظر مختلفة.
المهم في هذه القضية كلها هو أنه لا ينبغي لأحد أن يهرب من المشاركة السياسية, وهي المفهوم الأفضل مقارنة بالحوار الوطني, حيث يصبح علي كل طرف أن يدلي بدلوه في الموضوع وليس بالخروج عليه. ولا بأس علينا إذا ما خصصنا يوما في الأسبوع للعنة النظام القديم, وليكن ذلك هو يوم الجمعة عندما تجتمع المظاهرات المليونية, ولكن علينا بعد ذلك أن نخصص باقي أيام الأسبوع لكي نناقش ما يستجد من أعمال سواء تعلقت بالديمقراطية أو التنمية; الأولي سوف نحسمها أمام صناديق الانتخابات عندما نصل إلي دستور جديد; والثانية سوف نصل إليها من خلال عملية مستمرة لتنمية الثروة والبحث عن طريقة توزيعها كما يحدث في كل بلدان العالم, المتقدم بالطبع حتي لا يخطيء أحد الهدف والطريق.
*نقلا عن صحيفة الاهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.