هل كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أبلغ الجانب الاسرائيلي بموعد حرب اكتوبر وفقا لما أعلنه الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في التسجيل الذي بث له مؤخرا, مخليا بذلك مسئولية العاهل الأردني الراحل الملك حسين والذي اتهم بحكم علاقاته القوية مع القيادات الاسرائيلية بأنه نقل الموعد الذي أبلغه به الرئيس المصري الراحل أنور السادات؟ طرحت الأهرام السؤال علي السفير محمد صبيح الأمين السابق لسر حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح والأمين العام المساعد للجامعة العربية لشئون فلسطين والأراضي المحتلة حاليا, وذلك بحكم معرفته الدقيقة بالزعيم الفلسطيني الراحل أبو عمار- وبمفردات علاقاته مع مصر والتي تراوحت صعودا وهبوطا علي مدي الرؤساء الثلاثة: جمال عبد الناصر ثم أنورالسادات ثم حسني مبارك, لكنه قبل أن يجيبني عن السؤال أبحر بي الي مناطق غير معروفة في تعامل أبو عمارمع القيادات المصرية, كاشفا الكثير من الأسرار التي تنشر للمرة الأولي عن طبيعة التنسيق بين الجيش المصري وقوات الثورة الفلسطينية والتي شكلت مرتكزا قويا في المواجهة مع الكيان الغاصب والمحتل للأراضي العربية. بدأ صبيح حديثه من هزيمة يونيو1967 والتي وصفها بأنها كانت قاسية بكل المعايير, واستهدفت المنطقة العربية بأسرها خاصة أن العدوان في هذا العام استهدف مصر في تواطؤ غريب قبل استكمال بناء السد العالي لكنه يلفت الي أن الشعب المصري بعظمته خرج بجموعه الهادرة ليطلب من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر البقاء في موقع القيادة ومواصلة تولي المسئولية من أجل إعادة بناء الجيش المصري وهي ملحمة لم تحظ بعد بالتوثيق والكشف عن حقائقها, وكان من أهم الخطوات التي تم اتخاذها علي هذا الصعيد هو إلحاق خريجي الجامعات والمعاهد العليا بالقوات المسلحة والذين جاءوا من كل المدن والقري والنجوع مكونين جيشا وطنيا بلا طائفية أو مذهبية أو مرتزقة, وفي التوقيت ذاته أخذ الشباب الفلسطيني الذي احتلت أرضه في1967 في الضفة والقدس وغزة ينخرط في العمل الفدائي ومع استعادة القيادة المصرية لأنفاسها بدأ التنسيق القوي والمتين بين الجيش المصري من جانب وحركة التحرر الوطني فتح- ومنظمة التحرير الفلسطينية من جانب آخر وفتحت معسكرات التدريب للشباب الفلسطيني خاصة من شباب الجامعات, ومنهم أعداد كبيرة ممن تخرجوا في مصر وبعضهم شارك في عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال حتي قبل أن يتخرج وفي الوقت نفسه كانت هناك مجموعات شبابية فلسطينية تتلقي تدريبا خاصا من أجهزة أمنية مصرية حساسة. وبالتوازي مع هذه الخطوات يضيف السفير صبيح كان هناك جهد مصري واضح علي صعيد تسليح الفدائيين الفلسطينيين, وكان عرفات يحصل علي ما يريد من أسلحة وعتاد عسكري. ويتوقف صبيح قليلا ثم يعود الي الوراء قليلا متذكرا واقعة كان هوشاهدا عليها: ففي زيارة أبو عمار للزعيم الراحل جمال عبد الناصر في1969 بمنزله بمنشية البكري وجده مسكونا بالهموم والأحزان التي كانت بادية علي قسمات وجهه وعلم منه أن طائرة اسرائيلية مرت فوق منزله قبل حوالي الساعة من بدء الزيارة وعندما حاول عرفات أن يخفف عن ناصر ويقلل من أهمية الحدث لم يتجاوب معه ورد عليه قائلا: يا ياسر هذه رسالة أفهمها جيدا ولكن ما يحزنني هوأن ثلث الطيران الاسرائيلي قادر علي الطيران ليلا وليس لدينا في مصر مثل هذا العدد فالاتحاد السوفيتي زودنا بالمقاتلة ميج21 لكنها تفتقر الي الجهاز الخاص بمنع التشويس مما يشكل خطورة بالغة علي الطيران المصري علي نحو يجعله صيدا سهلا للطيران الاسرائيلي. وعلي الفور أبلغ عرفات الزعيم الراحل عبد الناصر أنه سيتوجه علي رأس وفد رفيع المستوي من منظمة التحرير الفلسطينيةلموسكو ليبحث مع القيادة السوفيتية هذه المسألة وبالفعل عقب عودته الي بيروت بادر بتشكيل الوفد المرافق والذي ضم فاروق قدومي أطال الله عمره والشهيد أبو إياد وخالد الفهوم وقائد قوات اليرموك الشهيد سعد صايل بطل معركة بيروت بالإضافة الي قائد جيش التحرير الفلسطيني مصباح البديري. وبعد وصوله الي العاصمة السوفيتية لم أر أشرس من أبو عمار في تفاوضه مع قادة الكرملين لقد أبلغهم بوضوح: إذا تخليتم عن عبد الناصر فسوف تتخلون كلية عن منطقة الشرق الأوسط وقد نجم عن هذه الزيارة حصول الجيش المصري علي الكثير مما يطلبه من الأسلحة الحديثة والطائرات المزودة بأجهزة منع التشويش والصواريخ المضادة للطائرات من طراز سام بأنواعها المختلفة ومع المزيد من تدخل بعض القيادات العربية الأخري لدي موسكو تحسن وضع التسليح في الجيش المصري نسبيا وهو ما تجلي في حرب السادس من اكتوبر1973 لكن دعني أؤكد لك أن الانتصارفي هذه الحرب تحقق بكفاءة الجندي والقائد المصري في ظل غياب عنصر التوازن سواء في النوع أو الكم مع جيش الاحتلال. ولايفوتني في هذا الصدد الكلام للسفير صبيح أن أتحدث عن بعد آخر في التنسيق بين القوات العربية خاصة الجيشين المصري والسوري وقوات الثورة الفلسطينية خلال حرب أكتوبر المجيدة فقد كانت العناصر الفدائية الفلسطينية منتشرة سواء في جنوب لبنان أو داخل الأراضي المحتلة أو علي الجبهة السورية أو الجبهة المصرية بالإضافة إلي قوات عين جالوت التي كانت موجودة في مصر آنذاك والتي طلب السادات قوات إضافية لتنضم اليها من الجانب الفلسطيني وهو ما استجاب له أبو عمار. وطلب صبيح أن يعود هنا للوراء قليلا قائلا: عندما أعلن الرئيس الراحل أنور السادات أن عام1972 سيكون عام الحسم بالنسبة للحرب مع الكيان الصهيوني ولدي زيارة أبو عمار له في هذا العام طلب منه أن يرتب أموره علي هذا الأساس وبالفعل عمل الزعيم الفلسطيني الراحل علي تكثيف عمليات التدريب والتسليح وتجنيد المزيد من الشباب الفلسطيني من خلال نظام هوأقرب للتجنيد الإجباري ولكن المفاجأة جاءت علي لسان السادات نفسه عندما أعلن أنه لن يحقق وعده بأن يكون هذا العام عاما للحسم بعد أن أطلق عليه عام الضباب وكان من حظي أن أرافق عرفات بعد هذا الإعلان في زيارة للقاهرة وقد بدا عليه الغضب والحزن أو قل الحنق الشديد خلال لقاءاته مع بعض القيادات المصرية وكان مقررا أن يلتقي بالفريق أول محمد أحمد صادق وكان قد تولي منصب وزيرالحربية والقائد العام للقوات المسلحة بمقر القيادة العامة بمدينة نصر فذهب أبو عمار الي هناك ولكنه لم يجده وأبلغ أنه ينتظره في منزله وكان ذلك في حدود الساعة الثانية صباحا وفي بداية اللقاء سأله أبو عمار غاضبا: ما الذي جري؟ فسارع صادق الي إحضار المصحف الشريف وأقسم ثلاثا أن مصر ستحارب يا أبوعمارفلا تستمع الي مايقال وهناك ظروف تتعلق بالتسليح والتجهيز وهو ما تحقق بالفعل بعد حوالي عام وتحقق الانتصار التاريخي للجيش المصري ولولا التدخل الأمريكي والإسناد اللوجستي للجيش الاسرائيلي لتغيرت خارطة المنطقة. يبطئ السفير صبيح ثم يتساءل: في ضوء كل هذه المعطيات هل يمكن للمرء أن يقتنع بأن عرفات قام بتسريب موعد حرب اكتوبر للعدو الذي يخوض المعارك ضده ويقود تنظيما مهمته الوحيدة محاربته ؟ ثم يجيب قاطعا: لا علي وجه اليقين مستندا الي الحقائق التالية: أولا: أن مبارك لم يكن طرفا في التنسيق في حربي الاستنزاف وحرب اكتوبرعام1973 بين الدولة المصرية والجيش المصري العظيم من جانب والقيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية من جانب آخر كونه كان يعمل بالقوات الجوية المصرية, حيث كان التنسيق مع القيادة السياسية المصرية في ذلك الوقت. ثانيا: ثمة روابط قوية كانت تربط عرفات بالجيش المصري خاصة أنه التحق به لفترة كضابط احتياط بعد تخرجه في كلية الهندسة من جامعة القاهرة وكان يصف نفسه بأنه مصري الهوي, كما كان ينسق علي مدار الساعة منذ انتهاء حرب عام1967 حتي نصر أكتوبر العظيم وتكريم الرئيس عرفات في مصر هو دليل علي مواقفه البطولية ثالثا: أن الرئيس الراحل عرفات كان الوحيد الذي زار الجيش الثالث بعد حصاره اسرائيليا مدة تزيد علي ثلاثة أشهر والذي حقق فيه صمودا أسطوريا بكل المعايير, واستقبله الجنود المصريون بكل حماس وبكل حب. رابعا: أن تكريم عرفات من قبل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بعد وفاته يعد دليلا في حد ذاته علي تبرئته من هذا الاتهام, فقد أقيمت له جنازة عسكرية وهو في طريقه الي مثواه الأخير في فلسطين كانت تليق بهذا القائد العظيم شارك بها كثير من رؤساء الدول والشخصيات العالمية. خامسا: أن عرفات تعرض ل21 محاولة اغتيال اسرائيلية غادرة, حيث دمر مقره تماما في تونس, ودمر مقره ايضا في الفاكهاني في بيروت, وفي حرب8219 في لبنان كانت الطائرات تبحث عنه في كل مكان, مشيرا الي ان القائد الراحل ياسر عرفات بطل وفدائي من ابطال هذه الأمة, لذلك لا نتصور ان ينسب الي الرئيس الاسبق حسني مبارك مثل هذا القول, حيث ان الرئيس الراحل عرفات كان محاصرا لمدة4 سنوات حصارا قاسيا وبالطائرات والدبابات في وقت لم يجد فيه الماء والدواء ولا حتي الاوكسجين وصمد صمودا بطوليا في وجه هذا الاحتلال الاسرائيلي والذي انقذه في ذلك الوقت شعبه الذي خرج بالملايين بالضفة الغربية وقطاع غزة لإنقاذه في رام الله.