علي الرغم من الجهود الدبلوماسية التي تجري هذه الأيام وإعطاء المجتمع الدولي فرصة للاقتراح الروسي بنزع السلاح الكيماوي عن سوريا, إلا أن شبح الحرب لايزال يخيم علي سماء دمشق المشتعلة بالصراعات الداخلية.. يستفيق السوريون كل يوم علي صراع جديد فها هو الجيش الحر يشتبك مع القاعدة من جهة ومع النظام من أخري بينما تقف ترسانة السلاح الأمريكية تتابع في انتظار أمر مجلس الأمن بالانقضاض علي الفريسة, ووسط كل هذا يعيش المواطن السوري في الداخل والخارج حالة من الرعب والحيرة, خاصة من اختار الرحيل واللجوء لوطن آخر في إنتظار عودة قريبة, الحيرة تأتي من صعوبة الاختيار فطرفا الصراع هذه المرة ليس الوطن والعدو, ولكن عليك أن تخير النفس المحطمة بين الصمت عن مذابح نظام استباح دم أبناء شعبه, وبين عدوان أجنبي بغطاء إنساني يوهم الجميع أنه سيخلص سوريا من نظام دموي. وعلي المواطن السوري أن يختار, إلي من ينتمي؟ مع من يقف؟ وإلي أين مصيره؟ حتي إن فشلت تلك الجهود الدبلوماسية و نجحت الضربة الأمريكية في إسقاط النظام هل سيعود السوري لبلاده؟ أم سيتابع من بعيد ماتبقي منها من خراب يحكمه ما تبقي من المعارضة ؟ تقول دارين إحدي اللاجئات السوريات في مصر, سوريا في النهاية بلادنا ولا نرضي أن يمسها أحد بسوء, فمعظم السوريين في مصر يرفضون القيام بمثل هذه الضربة لأنها وبالتأكيد سوف تستهدف مدنيين أبرياء, حتي وإن قررت الطائرات الأمريكية ضرب المعتقلات مثلا لإخراج من فيها سوف يكون هناك الكثير من الضحايا, كما أن تلك المعتقلات بها كثير من الأبرياء. وحول الموقف العربي من الضربة الأمريكية, تقول دارين إن بعض الدول العربية ترغب في إسقاط نظام الأسد لمصالح شخصية, نظرا لوقوف الأسد عقبة في طريق بعض الاستثمارات العربية داخل سوريا, وهنا أشارت إلي الموقف القطري المساند للتدخل الأمريكي في سوريا, الذي أرجعته إلي رفض نظام الأسد عبور الغاز القطري عبر أراضيه لتصديره لأوروبا في مقابل حماية عمليات تصدير النفط الروسي, وهو ما جعل وجود نظام جديد في سوريا فرصة لعقد اتفاق جديد مع قطر حول تلك المسألة. أما فاتن وهي إحدي اللاجئات التي اعتقل النظام زوجها منذ عام ولا تعلم عنه شيئا, فأكدت أنه لا يمكن الوثوق في النظام الأمريكي بعد ما فعله بالعراق ولكن ما تعتقده أنه وبمجرد إسقاط النظام وخلال24 ساعة سيعود معظم اللاجئين للبلاد, نظرا لتردي وضعهم المالي ومرارة الغربة التي ذاقها كل سوري ابتعد عن بلاده. رأي آخر تحمله لنا أميمة من بلدة( معضنية الشام) في ريف دمشق بالقرب من داريا, تقول أميمة إنها كانت ضد أي تدخل أجنبي في سوريا حتي قام جيش النظام باستخدام الكيماوي ضد الشعب, فهي مع تنفيذ ضربة أمريكية محدودة وموجهه ضد أهداف عسكرية للنظام وقواعد إطلاق الصواريخ التي استخدمها في الهجوم الأخير بالكيماوي علي الغوطة, مع مراعاة البعد عن المواقع التي يتمركز بها المدنيون. وتتوقع أميمة أن الحرب داخل سوريا ستشهد مجازر بعد التدخل الأمريكي نظرا لقوة جيش النظام وامتلاكه لسلاح قوي حتي أن بشار الأسد ووالده الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد نجحا في إمتلاك السلاح الكيماوي بكثرة, وتم وضعه تحت إشراف قادة علويين يدينون بالولاء لعائلة بشار, وهو ما يعزز إمكانية استخدامهم للكيماوي بكثرة بعد التدخل الأمريكي. ومن جانبه, أدان محمد الطريخم المنسق العام لهيئة الشعب السوري والمعارض الشرس لنظام بشار أي ضربة عسكرية علي الأراضي السورية حتي لا تتكرر مأساة العراق من جديد. وحمل الطريخم الائتلاف الوطني المعارض وعلي رأسه( جماعة الإخوان المسلمين ومجموعة رياض الترك) مسئولية إطالة الثورة السورية ومن ثم التدخل الأجنبي نظرا لتفضيلهم مصالحهم الشخصية, وكذلك محاولة بعض الدول ذات المصلحة في تلك الضربة الأمريكية لتفرقة المعارضة عن طريق نظرية( فرق تسد). ويري الطريخم أن الحرب الأمريكية ضد النظام السوري لن تكون بالسهولة التي يتوقعها النظام الأمريكي, نظرا لقوة جيش النظام الذي يخصص80 بالمائة من ميزانية الدولة منذ الثمانينات لتسليحه, كما أن النظام نجح في تخزين كم لا بأس به من السلاح داخل أماكن غير متوقعة كالمساجد والكنائس والمدارس وبالتالي فإن الضربة الأمريكية للأهداف العسكرية السورية لن تكون كافية للقضاء علي النظام. وأكد الطريخم أن الأهداف الأمريكية في تلك الحرب القذرة لن تكون عسكرية فقط فهناك مناطق ذات كثافة سكانية عالية نظرا لهجرة معظم السوريين إليها هربا من بطش النظام, وتوقع أن يقوم الطيران الأمريكي باستهداف تلك المناطق ومن ثم الاعتذار والإدعاء بأنه كان خطأ عابرا كما كانت تفعل أمريكا في العراق. وفي النهاية يعكس اختلاف السوريين حول تلك الضربة واقعا أليما يعيشه الشعب السوري حاليا, بعد أن أصبح( بين ناريين), فالخيارات جميعها مهلك, وعاقبتها دمار, ومستقبلها مظلم, وحتي إن نجحت الإدارة الأمريكية في حربها علي النظام فسوف يزيد عمق الجرح السوري لأنه هذه المرة بأيادي خارجية.