المشهد السياسي في مصر يتجه حاليا إلي تجاوز الأزمة, والخطاب الديني العشوائي البعيد عن مقاصد الشريعة يؤدي حتما إلي القتل وتخريب الأوطان, هذا ما أكده لنا الداعية الدكتور أسامة الأزهري, المشرف علي مكتب رسالة الأزهر, في حواره مع الأهرام. وطالب بضرورة التصدي بكل حزم وحسم لكل من يخرج علي المجتمع بسلاحه للقتل أو للترويع, موضحا أن الاعتداء علي الكنائس جريمة لا تغتفر. وناشد مؤسسات الدولة, باحتواء الشباب المغرر بهم, والذين تم استغلالهم من قبل التيارات الدينية المتشددة, وإعادة صياغة خطاب ديني جديد يقوم بإعداده الأزهر الشريف, والي نص الحوار: ما رؤيتك للمشهد السياسي الراهن ؟ هناك شبكة معقدة من الملفات الحساسة في الداخل المصري, وفي الخارج, علي المستوي الإقليمي والعالمي, وكل ذلك يحتاج منا إلي فترة مركزة من المجهود الشاق, والعكوف علي تشغيل كل التروس والآلات في الجسد المصري الكبير,فالدولة المصرية العظيمة, التي هي كيان وشعب, وتاريخ وحضارة, وجيش وأمة, وأزهر ونيل, وعراقة, وقلب نابض للإسلام والعروبة, والقدرة علي توليد أسباب البقاء والتجدد رغم كل الأزمات والأحداث الجسيمة, مما يمكننا معه أن نقول إن مصر ربما أصابها المرض, لكنها لا تموت. وكيف تري مستقبل التيارات الإسلامية بعد ثورة30 يونيو ؟ التيارات الإسلامية تشتمل علي أطياف كثيرة, تتفاوت في أطروحاتها وحجمها وتأثيرها, لكني أريد أن أرصد علي الخصوص حال الشباب المتحمس, الذي تم استغلاله والتلاعب به خلال الفترة الماضية, وتم شحنه نفسيا وعاطفيا, وامتلأ ذهنه بفكرة الصراع والجهاد والاستشهاد, والخطاب الديني المعتمد علي تأويلات مغلوطة ومضللة للآيات القرآنية, واستغلال الأفكار الدينية علي نحو صارخ, فسوف ينتهي به هذا الضباب الكثيف إلي مزيد من الشراسة والعدوانية, وتتحول الي حالة التكفير واستحلال الدماء والتطرف الشديد في فكرة الجهاد, حتي تصل إلي حالة تشبه فكر تنظيم القاعدة, وهناك فئة ثانية منهم سوف تدرك مقدار ما كان في تلك الخطابات الدينية من مغالطات واستغلال, وتفيق من السكرة, وترجع إلي الحالة المعتادة والمعتدلة من تدين الإنسان المصري, أما الفئة الثالثة من هؤلاء الشباب فسوف ترجع إلي إعادة بناء الفكرة من الصفر مرة أخري, والتي تظل متمسكة بأصولها الفكرية, مع السخط الشديد علي القيادات التي أوصلتهم إلي هذه الحالة من الاصطدام بالشعب والدولة, مع ملاحظتهم مقدار الانحراف في المحتوي الفكري طوال الفترة الماضية, مما يجعلهم يحاولون توليد الفكرة الإخوانية مثلا من جديد, علي نحو يستوعب أخطاء الفترة الماضية, ويخرج للناس منتج يجتهد في تفادي الأخطاء الفادحة في كل ما سبق. وما أسباب شيوع الفكر المتطرف, وكيف يمكن مواجهته؟ وما دور المؤسسات الدينية والمجتمع في احتواء هؤلاء الشباب المغرر بهم ؟ أسباب التطرف كثيرة, بعضها نتيجة سمت نفسي ميال للتشدد والجفاء, وبعضها اجتماعي, ناتج من الضغوط المعيشية الممتلئة بالإحباط, والتي تجعله يفر بفكره إلي ما يتصوره يحقق له الارتواء والتوازن النفسي والتميز والثقة بالنفس, وبعضها نتيجة خطأ معرفي, أو تسرع في معرفة العلوم الشرعية الموقرة, فيقتطع جملة من هنا, وعبارة من هناك, دون مراعاة الشروط الخمسة لصناعة العملية العلمية المتقنة, وهي: الأستاذ, والتلميذ, والكتاب, والمنهج, والجو أو البيئة العلمية, مما يؤدي إلي ذهن مشوش, فينتج من ذلك التطرف الديني, وقد كان مشايخنا يقولون: إن نصف العلم أخطر من اللا علم, أو أخطر من عدم العلم بالمرة, ومعالجة هذه الأمور يكون من خلال عدة مسارات, أولها: التنبه إلي المصادر التي يتولد منها هذا التطرف, وثانيها: نشر المعرفة الصحيحة, وثالثها: وضع برامج طويلة الأمد لانتشال العشوائيات ومعالجة البطالة, ورابعها: الإنصاف من النفس وألا يزج أحد بنفسه فيما لا يحسن. هل يعني ذلك أننا بحاجة إلي خطاب جديد؟ نحن أمام واجب وطني وعلمي وفكري وديني, ويجب علينا دراسة الخصائص النفسية, والمقولات الفكرية لكل طيف من تلك الأطياف, ووضع برامج لكيفية التعامل والاستيعاب مع كل فئة منها, والأزهر الشريف, ومؤسسات الدولة هي المنوطة بالإعداد السريع لهذا البرنامج, الذي يترتب عليه تأسيس خطاب علمي متفهم لهذه التضاريس الفكرية المتعرجة, ومدرك لأعماقها, وقادر علي التعامل معها. فالخطاب الديني في الأعم الأغلب, كان خلال السنتين الماضيتين عشوائيا, وصارخا, وصادما, وفاقدا لمقاصد الشريعة, التي هي حفظ النفس والدين والعقل والعرض والمال, خاليا من الخلق النبوي الرحيم الراقي, وبجوار هذا الخطاب الصارخ والصادم كان هناك الخطاب الرصين الراقي, الموصول بمواريث النبوة, لكنه لم يكن منتشرا ولا متاحا ولا لافتا للنظر بالقدر الذي كان عليه النمط الصارخ من الخطاب, ويؤكد لك هذا أن الأزهر الشريف مثلا ليس له قناة فضائية إلي الآن, وقد أصدر الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب قراره بإطلاق قناة الأزهر قبل نحو سنة من الآن, ونحن جميعا ونتمني أن تري النور في القريب العاجل بإذن الله. وما دور الأزهر الشريف في الفترة القادمة؟ دور الأزهر في الفترة القادمة يعتمد علي عدة إجراءات, منها القناة الفضائية, ومنها القوافل والأروقة الأزهرية, ومنها التواصل مع المثقفين وإثراء الحوار الوطني. فالأزهر الشريف, مثل نهر النيل بالنسبة لمصر, وكما أن نهر النيل هو شريان الحياة, وهو في صميم الأمن القومي المصري, ويمس الحياة المباشرة لكل إنسان في القطر المصري, فكذلك الأزهر الشريف, هو شريان الأمان الديني والفكري في مصر, وهو الأمين علي حركة علوم الإسلام في مصر والعالم, وقد حفظ الأزهر الجميل لمصر, كما حفظت مصر الجميل للأزهر, إنها علاقة تاريخية مركبة, نشر فيها الأزهر الشريف لمصر مكانة عالية جدا في العالم الإسلامي كله, وقدمت مصر في المقابل الثقة والرعاية والاحترام للأزهر الشريف, وكما هي سنة الله تعالي في الأمور الكبري, أنها ربما تتراجع أو تمرض لكنها لا تموت, لأنها من أسباب عمران الكون, فكذلك الأزهر الشريف, ربما يعاتبه بعض الناس علي فترات من التراجع, لكن الأزهر لا يلبث بعدها أن يجود بأجود الثمرات, حتي نصل إلي القيادات المعاصرة للأزهر, وعلي رأسها الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب, الذي ندعو له بكل توفيق وسداد, وأدعو الشعب المصري كله إلي النظر في كل العثرات التي تعوق الأزهر عن القيام بدوره الأصيل, والبحث في كيفية تخطيها. ما تعليقك علي الدماء التي سالت خلال الأحداث الجارية؟ حرمة النفس الإنسانية وإحياؤها وإكرامها من أعظم مقاصد الشريعة علي الإطلاق, والآيات والأحاديث النبوية في هذا المعني كثيرة جدا ومشهورة, قال الله تعالي:( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما), وروي البخاري في صحيحه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال:( إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله), وروي الترمذي في سننه أنه صلي الله عليه وسلم قال:( لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار), ومن خرج علي المجتمع حاملا سلاحه, ملوحا بالعنف والقتل أو مستخدما له, فقد بادر هو بالعدوان, وهدد أمن البلاد والعباد, ولابد من التصدي له, وفي المقابل فعلي القائم بحماية أمن البلاد عدم الإفراط في استخدام القوة, وألا يستخدمها في غير موضعها. ما الكلمة التي توجهها إلي الإخوة الأقباط ؟ هم إخوة الوطن, الذين يجمعنا وإياهم وطن واحد, وسفينة واحدة, وتاريخ مشترك, وعلاقات اجتماعية وطيدة وراسخة, وقد وقفوا موقفا وطنيا نبيلا في الأزمات الأخيرة, حتي لقد أرسلت إلي الأنبا أبرام أسقف الفيوم وعضو المجمع المقدس أقول له:( مصر أمانة في أعناقنا جميعا, والعدوان علي الكنائس جريمة لا تغتفر), فرد علي قائلا:( كل كنائسنا فداء لمصر ولدماء المصريين), والشعب المصري بكل أبنائه فوق أي حدث يهدد أمن البلاد.