رغم كم الزخم المصاحب لحملته الرئاسية2009, وبتبنيها شعار التغيير نعم نستطيع, ذلك الذي ساهم في صعود معدلات شعبيته, خاصة بين أوساط الشباب في مختلف أنحاء العالم, فإنه سرعان ما خفت نجمه بعد ثورات الربيع, التي ما لبثت أن كشفت الأيام عما تخفيه وراءها من مشروع استعماري جديد برعاية صهيو- أمريكية لتفتيت المنطقة, الذي كتب سقوط الإخوان بعد30 يونيو نقطة النهاية له, بل ربما النهاية لمستقبل الرئيس الأمريكي أوباما نفسه, الذي ثبت زيف إدعاءاته حول البداية الجديدة مع العالم العربي والإسلامي, التي سبق وأعلن عنها في خطابه بجامعة القاهرة يونيو2009, ثم ما لبثت وأن أثبتت الأحداث إنها كانت بمثابة البداية لمشروعه الجديد للمنطقة, الذي ساهم عزل مرسي-3 يوليو- في توجيه ضربة قاصمة له, تلك التي لم يفيق منها حتي اليوم, بل يعمل جاهدا علي محاولة الالتفاف حولها, متجاهلا ما حملته من نتائج, ذلك عبر السعي نحو عمل عسكري ضد نظام بشار في سوريا, ذلك في ظل إحجام دولي علي المشاركة في مغامرة أمريكية جديدة ستفاقم من الأزمة, كما سبق وحدث في أفغانستان وبعدها العراق, الأمر الذي وصفه البعض بأنه بمثابة المسمار الأخير الذي يدق في نعشه. كشف مراسل صحيفة نيويورك تايمز في البيت الأبيض مارك لاندر, ذلك في مقال له تحت عنوان: تقرير سري أصدره أوباما تنبأ بالاضطرابات العربية, نشر في صحيفة النيويورك تايمز16 فبراير..2011 حيث كشف عن وثيقة سرية تعرف اختصارا باسمPSD11 تعود إلي12 أغسطس2012, تلك التي حملت حقيقة علاقة الرئيس باراك أوباما وإدارته بجماعة الإخوان, لاسيما بعدما أشارت إلي أن أوباما قد وضع بموجب الوثيقة الخطوط العريضة لالربيع العربي. وشملت الوثيقة طلب تقييم منافع وأضرار تغيير الأنظمة العربية علي المصالح الأمريكية, وجاء جواب اللجنة قاطعا: أن تغيير الأنظمة العربية التي فقدت شرعيتها سيصب في خدمة المصالح الأمريكية, لأنه سيقدم شركاء جددا عبر شرعية ديمقراطية, ولهذا ينبغي دعم الحراك علنا. وذكر لاندر أن أوباما بني رؤيته علي عدة وثائق أمنية, الوثيقة الأولي هي تقديرات مجلس المخابرات القومية الأمريكيةNIC للعام2009 وتحدث عن سيطرة الحركات الإسلامية ديمقراطيا علي نظم شمال إفريقيا والشرق الأوسط وافترض التقدير4 عمليات تحول في4 دول عربية, والوثيقة الثانية هي مشروع معهد السلام الأمريكي تحت عنوان دعم الأمن والديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير, وقد بدأ المشروع أعماله بعد إعلان فوز أوباما بالرئاسة نوفمبر2008, ونشرت وثائقه في2010/2/21, التي أوصي فيها بتقويض النظم العربية بعملية ذات شقين, التحرر السياسي الاستراتيجي, والتحول الديمقراطي التدريجي. الأمر الذي يعني أن أوباما لم يكن يدعم خيار الشعب المصري كما زعم, بل كان ينفذ سياسة خارجية رسمها البيت الأبيض قبل اندلاع ثورات الربيع العربي بعدة أشهر, تقوم علي تمكين الإسلاميين من السلطة بعد السقوط المتوقع لبعض الأنظمة العربية ومنها نظام مبارك, مقابل تأمين مصالح أمريكا في الشرق الأوسط, وهو ما يعني أن ثورات الربيع العربي لم تفاجئ البيت الأبيض كما يشاع, ولكنها اندلعت بعد أن أعدت أمريكا لها العدة واستقرت علي خياراتها نحوها, وهو نفسه ما ذكره لاندر في سياق تقريره من أن: الوثيقة التي تحولت إلي توجيه رئاسي لاحقا حددت سياسات الولاياتالمتحدة في احتواء موجات وقلاقل متوقعة في منطقة الشرق الأوسط, قبل اندلاع ثورات احتواء الغضب العربي بتمكين الإسلاميين وعلي رأسهم جماعة الإخوان, الذين أقنع مستشارو البيت الأبيض أوباما بأنهم حليف يمكن الاعتماد عليه في الحفاظ علي المصالح الأمريكية, وبحسب مصادر في البيت الأبيض, فإن البيت الأبيض قد عقد اجتماعات أسبوعية, بداية من أغسطس2010, وكان لأوباما وجهة نظر مختلفة, عبر عنها في وقت مبكر, وفحواها أن ما يحدث موجة يمكن أن تنتشر وتطال كل الحكومات الاستبدادية الأخري في المنطقة, بما في ذلك إيران, كذلك رأي في ثورات الربيع العربي فرصة لخلق بديل لمنطق تنظيم القاعدة, الذي يقوم علي منع التدخل الغربي ورفضه, ذلك أن التيارات الإسلامية مجموعة متنوعة من الأيديولوجيات والطموحات تمتد من الوحشية البدائية لحركة طالبان في أفغانستان إلي حزب العدالة والتنمية التركي, الذي يحكم نظاما سياسيا علمانيا في أنقرة, وأن أوباما منذ أيامه الأولي في منصبه, وهو يسعي لتحقيق هذه الفكرة, التي وصفها ببداية جديدة مع الإسلام, وفي خطابه الشهير في يونيو2009 بجامعة القاهرة أوضح هذا حينما قال إن الولاياتالمتحدة سوف ترحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة, شريطة أن تحكم باحترام جميع طوائف شعوبها, في إشارة فهمها المراقبون علي أنها رفع للحظر- غير المكتوب- عن التيارات الإسلامية إذا التزمت بقواعد اللعبة, تلك بالطبع التي وضعتها أمريكا, والتي ثبت بعدها إنها لا تحترم إرادة الشعوب بقدر احترام رغبتها في استمرارية فرض إرادتها علي المنطقة بما يخدم مصالحها. فشل الخطة لكن وعلي غير المتوقع فإن آمال وطموحات أوباما ما لبثت أن تحطمت علي صخرة الربيع, حيث ذكرت الفورين بوليسي, في سياق تقرير لها تحت عنوان: هل هناك من يتذكر خطاب أوباما التاريخي عن الربيع العربي؟.. ذكرت أنه لم يتحقق شيء من رؤي الرئيس الأمريكي أوباما, التي جاءت في خطابه التاريخي الذي ألقاه في مايو2011 بشأن دول الربيع العربي, ومن بينها مصر. وأكدت المجلة ان: الرئيس أوباما أعلن حينها عن إستراتيجية من ثلاث نقاط لدعم الدول التي تمر بمرحلة انتقالية, حيث تبني قيم الديمقراطية بحزم, ومساعدة الاقتصاد المريض, ومد التعاون لما وراء الأنظمة, وصولا للمواطنين الذين تحرروا مؤخرا, حيث قال لدينا الفرصة لأن نبين أن أمريكا تثمن كرامة بائع متجول في تونس أكثر من السلطة الغاشمة للديكتاتور..علي أمريكا أن تستغل كل نفوذها لتشجيع الإصلاح في المنطقة, وعلينا الحديث بأمانة عن المبادئ, التي نؤمن بها مع الصديق والعدو علي حد سواء. وذكر التقرير أن ثورة الشارع المصري قد عكست سياسات أوباما السلبية, التي اعتمدت علي دعم نظام لا يقبله الشارع المصري, وأن الحكومة الانتقالية الحالية لم تخضع لإملاءات إدارة أوباما, وبالتالي فقد وضعت تلك الإدارة في موقف يعكس غياب سيطرتها علي أهم دولة محورية بالشرق الأوسط وإفريقيا, وهو ما ينعكس بسلبياته علي المصالح والتواجد الأمريكي بالمنطقة بأكملها. بينما ذكرت صحيفة واشنطن تايمز, ان التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط, خاصة التطورات الأخيرة في مصر تسلط الضوء علي فشل سياسات أوباما في المنطقة, مشيرة إلي الانتقادات التي تلقاها أوباما بعد وصول الإخوان للسلطة, حيث احتضن الإسلام الراديكالي جنبا إلي جنب مع الرئيس المعزول محمد مرسي, الذي تبني سياسات ديكتاتورية علي نحو متزايد إلي جانب القمع الواضح والمستمر للأقباط. وأضافت الصحيفة: الآن تواجه الإدارة الأمريكية انتقادات كل من الإخوان, بداعي فشلها في دعم الرئيس المنتخب, والقوي الليبرالية لعدم دعمها الإطاحة بمرسي والاعتراف سريعا بثورة30 يونيو. وأوضحت الصحيفة أنه: من خلال قلب سياسة الرئيس الأمريكي لسلفه جورج دبليو بوش في المنطقة رأسا علي عقب, فإن أوباما حقق إنجازا مستحيلا, ووصل إلي نفس النتائج التي وصل إليها بوش. القائمة السوداء هكذا جسد أوباما وبعد5 سنوات من حكمه امتدادا لمرحلة طويلة من الفشل, تلك التي بدأها سابقه بوش الابن, من ثم جاء ببريق سحر كلماته المنمقة حاملا شعار التغيير, الذي لم يتحقق حتي الآن, حيث فشل أوباما في تحقيق أي انجاز علي المستوي الخارجي فضلا عن الداخلي كما سبق وأعترف أواخر العام الماضي. فشل في تحقيق أي تقدم علي مسار العلاقات الخارجية سواء مع الصين أو باكستان, أو إدارة أي من الملفات الهامة كما هي حال الملف النووي الإيراني أو ملف الوجود العسكري في أفغانستان, كذلك فقد فشلت إدارته في الضغط علي إسرائيل لإيقاف الاستيطان, أو تحقيق أي انفراجة علي مسار التسوية العادلة للقضية الفلسطينية, بل جاءت العودة مجددا إلي طاولة المفاوضات وفق مخطط جديد للإجهاز عليها, ذلك ضمن المشروع الأم دولة غزة الكبري علي أرض سيناء. فشل أوباما في استعادة أمريكا لمكانتها علي الساحة الدولية, كما سبق وأن وعد ناخبيه, بل علي العكس تماما فقد جاء ليزيد من كم الكراهية التي خلفتها سياسات بوش الابن, حيث لم يستطع استثمار نجاحالربيع العربي, لإعادة تقديم صورة أمريكا في الشرق الأوسط وتعويض التراجع ما بين عامي2001 2010, بل ساهم في تعزيز قدرة روسيا علي العودة إلي الساحة مجددا, وكسر الأحادية القطبية من خلال الأزمة السورية, التي تحولت إلي ساحة للمواجهة المباشرة بين الكرملين والبيت الأبيض لأول مرة فيما بعد نهاية الحرب الباردة, بينما نجحت إيران في فرض نفسها أيضا عبر الأزمة السورية كطرف رئيسي ورقم صعب في المعادلة الإقليمية, ذلك بعد نجاحها في ملء الفراغ العربي بالعراق, من ثم زيادة نفوذها في المنطقة, ذلك علي عكس ما خطط له أوباما. ورغم هذا فإن الرئيس الأمريكي مازال مصرا علي المضي قدما وصولا لنقطة النهاية في مسيرته السياسية, عبر نفق سوريا المظلم, ضاربا عرض الحائط بمختلف الاعتراضات سواء في الداخل أو الخارج علي ترجيح الحل العسكري للأزمة, ذلك ظنا منه بإمكانية استعادة التحكم في مجريات الأمور مجددا, غير عابئ بما قد تحمله الضربة العسكرية من فشل جديد مضاف لسيرته, مما قد يمنعه من استكمال فترة ولايته الثانية, من ثم استحقاق الوجود علي رأس القائمة السوداء لأسوأ رؤساء أمريكا في تاريخها, بعدما ساهم في سقوطها كقوة عظمي منفردة باتخاذ القرار علي المستوي الدولي, كذا تضرر صورتها علي مستوي العالم أجمع, الأمر الذي دفع إلي تدشين بعض النشطاء حملة الكترونية لجمع توقيعات من اجل إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية دولة خطر علي السلم والأمن العالمي, نظرا لحروبها المتعددة, والتي انتهكت فيها حقوق الإنسان, ولتدخلها غير الشرعي في الشئون الداخلية للدول الأعضاء بالأمم المتحدة, ما تسبب فيه من دمار وهلاك, استنادا لمبررات تبين كذبها بعد ذلك, وبالمخالفة لميثاق المنظمة الأممية والأعراف الدولية, مما يهدد بحرب عالمية ثالثة تهدد بفناء البشرية, نتيجة أخطاء الإدارة الأمريكية.