تظل قضية غياب المعايير الدقيقة في اختيار وتفريخ الكوادر القيادية في المؤسسات العامة وسائر الأجهزة الإدارية بالدولة هي لب وجوهر مشكلة الإحساس بالعجز عن تنفيذ سياسات شفافة للإحلال والتجديد ومجاراة متطلبات تحديث مؤسسات الدولة وتجنيبها مخاطر الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه مصر. والحقيقة إنه ليس أسوأ ولا أخطر من الاستسلام لهاجس الخوف من العجز عن تفريخ وإحلال القيادات البديلة لأن ذلك فضلا عن أنه هاجس مبالغ فيه فإنه يعني اعترافا بعجز وتقصير الأجهزة المسئولة عن الوفاء بالتزاماتها في تنفيذ برامج التنمية البشرية التي لا تقل أهمية عن برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن المفهوم الصحيح للتنمية البشرية ليس مجرد فرص عمل جديدة, أو توفير خدمات ضرورية, وإنما المهم هو بناء الكوادر التي تستطيع أن تحمل الراية في كل مواقع العمل والإنتاج بكفاءة واقتدار. وفي اعتقادي أن المعايير العلمية وحدها هي التي تستطيع أن تفرز الغث من السمين, وأن تضع خطوطا فاصلة بين المؤهل وغير المؤهل لمثل هذه المواقع القيادية.. وهذه المعايير المتعارف عليها عالميا تشمل الكفاءة المهنية وعمق الخبرة والسن والمؤهل العلمي والشخصية المتكاملة التي تجمع بين المظهر الحسن ووفرة الثقافة وفن التعامل مع الآخرين, وهو ما يعرف باسم فن القيادة مع الإدراك واليقين بأن لكل معيار من هذه المعايير قيمة يجوز أن تختلف من موقع لآخر, ولكنها كحزمة واحدة هي العامل الأهم الذي ينفي عن الاختيار شبهة الغرض والهوي من ناحية, ويحصن عملية الاختيار من أي ملاحظات تتعلق بالعشوائية أوغياب المصداقية من ناحية أخري! مصر بحاجة إلي قيادات جديدة وبديلة علي كل المستويات ممن تتوافر لهم القدرة علي تفجير طاقات العطاء لدي العاملين باعتبارهم شركاء في المصلحة والمصير تحت مظلة من احترام المبادرات الفردية والتشجيع الواضح للإدارة الذاتية من ناحية, وفي إطار من الحزم الذي يحول- وقائيا- دون تسرب أمراض التسيب والترهل من ناحية أخري! وظني أننا سنكون قادرين علي ذلك عندما نملك شجاعة القدرة علي مواجهة الحقيقة والإيمان الصادق بحتمية تواصل الأجيال اعتمادا علي خطط علمية واضحة المعالم تحدد سياسات تفريخ الكوادر والقيادات المطلوبة في مختلف المجالات من خلال التوصيف الصحيح لمعايير كل موقع قيادي علي حدة حتي يمكن وضع الرجل الصحيح في المكان الصحيح! خير الكلام: إذا كان سرك مثل علنك فلا تخف أحدا! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله