بعد تجربة استمرت أكثر من25 عاما, قررت وزارة التربية والتعليم لأول مرة هذا العام, إلغاء تدريس مواد المستوي الرفيع في الصف الثالث الثانوي العام ضمن برنامج الوزارة للتخفيف علي الطلاب في المناهج والمحتوي الذي أعلنته أخيرا. إلا أن هذا الإلغاء أصاب كثيرا من خبراء التعليم والتربويين بصدمة واعتبروا أن هذا القرار بمثابة كارثة تعليمية, ذلك لأن المستوي الرفيع حسب آرائهم يمثل وسيلة أفضل لإبراز الإمكانات العلمية والثقافية والإبداعية بين الطلاب في الوقت الذي لا تمثل فيه درجات هذه المواد قيمة مميزة في مقابل رعايتهم من الصغر. الدكتور حسني السعيد الخبير التربوي يؤكد أن هذه صدمة حقيقية للجميع لأن إلغاء مواد المستوي الرفيع كان يجب أن يخضع لدراسة حقيقية تطرح علي الخبراء والمجتمع, وأن لا يكون التخفيف سببا أوليا لإلغاء مواد أو حتي أجزاء منها لأن الأداء الأفضل هو الهدف, وليس التخفيف, والخوف هنا أن تكون هذه الإلغاءات دون دراسة, فالجامعات تحتاج طلابا متميزين من الثانوي, فإذا كان كل هم الوزارة أن تربح الأسر والآباء من العناء المعنوي والمادي, وبوضع مناهج أسهل وامتحانات في مستوي الطالب المتوسط أو دونه فمعني ذلك أننا نخرج جيلا غائبا عن هذا العصر يحقق انتكاسات, وليس تطورا, فإذا كان معظم أبنائنا من الفقراء لا يمتلكون التعليم في مدارس لغات فإنهم أولي أن يجدوا الفرصة في مواد المستوي الرفيع بالثانوية. وأشار إلي أن إلغاء مواد المستوي الرفيع تعني أننا لا نريد المفكرين أو المبدعين من أبنائنا مع أن هذه الصناعة موجودة في دول العالم باكتشاف ورعاية النابغين منذ طفولتهم حتي تخرجهم لأن هذه الشريحة هي الوحيدة التي تنهض ببلدها, وتسهم مباشرة في تقدمها, فالطالب المبدع في اللغة أو الجغرافيا أو العلوم هو موهبة تظهر من خلال القراءات والثقافات والبيئة المحيطة, ولا تظهر إلا من خلال مادة للمستوي الرفيع التي تميز المجتهد جدا عن ذلك الذي يحفظ الكتاب, ولا يضيف, ولن يضيف شيئا! إبداعيا في غالب الأحيان علي مدي حياته, فهو شخص حافظ ينسي ما درس دون تفاعل حقيقي مع المادة. وطالب خبير التعليم بضرورة أن تكون هناك رعاية كاملة للمتميزين والنابغين, وألا نتركهم دون أي رعاية مما يسهم في تدميرهم وإحباطهم وتضيع علي مصر خيرة العقول والمفكرين الذين هم أهم من حيث الرعاية, وأن تتاح لهم الفرصة كاملة مع استمرار مواد المستوي الرفيع والاتساع فيها لتشمل كل المجالات والمواد الدراسية, لأن هذه النوعية هي الأمل الحقيقي والأول لمصر لتنهض من عثرتها حاليا ومستقبلا. ويري الدكتور محمد أمين المفتي أستاذ المناهج بجامعة عين شمس أن فكرة إلغاء مواد المستوي الرفيع تعتبر انتكاسة تعليمية, وهو قرار لا يوافق عليه أحد لأنه ربما يكون هذا النظام هو الحد الأدني لاكتشاف وتدعيم ورعاية الموهوبين في أي مجال لأننا لا نخرج ماكينات من التعليم, ولكن نفرز الأصلح والأصلح فقط لمستقبل هذا البلد, وهذا القرار يعتبر نوعا من قتل الإبداع والتميز لنجعل الطلاب جميعهم في مستوي واحد متخلف أي متوسط ودون المتوسط, دون إرساء منافسة حقيقية في الإبداع والدراسة, فبدلا من التوسع في مواد المستوي الرفيع التي يجب أن تشمل كل المواد يلغون المواد الأربع الأساسية, وهي ثقافية فكرية موسوعية بالدرجة الأولي, لذلك فإن القرار كان يجب أن يستند لعوامل موضوعية وإجماع بين العاملين في هذا المجال فإن كان المنطق هو التخفيف في المناهج فإن هذا إخلال واضح بأهداف التعليم الذي يقع علي عاتقه تخريج أجيال متميزة تلاحق العصر المقبل, وتكوين قاعدة من العلماء والمبتكرين. وأشار أستاذ المناهج إلي أن فكرة التخفيف عن الطلاب في مواد الدراسة سلاح ذو حدين لأن الحذف المخل بالمادة وتركيبتها المتكاملة يشوه ويشوش المعلومات والصورة الكاملة عنها, ولا يحقق الهدف من العملية التعليمية علي الإطلاق, فالمشكلة ليست امتحانات ونجاحا ورسوبا, ولكنها هضم وتفاعل مع المادة التعليمية الذي يؤهل لمستوي علمي بحثي بالجامعة, لذلك فإن كثيرا من الطلاب حسب النظام الحالي يصابون بصدمة عند الالتحاق بالجامعة لأنهم تعودوا علي التعليم التقليدي, وليس الإبداعي والبحثي, كما أن نظام الثانوية التقليدي يعتمد بصفة أساسية علي الحفظ, وهذا كفيل بقتل الإبداع لدي الكثيرين من طلابه, ويخرج جيلا لا يصلح للمنافسة, وسوق العمل مع التطور الجنوني الحادث الآن. وقال أستاذ المناهج: إن استمرار مواد المستوي الرفيع لمدة تزيد علي25 عاما يدل علي أنه نظام ناجح تماما, ولا يحتاج إلي قرار مفاجيء لإلغائه لمجرد تسهيل الدراسة علي الطلاب فهذه ليست تجربة, ولكنها زاوية أساسية في العملية التعليمية, وليست هناك مبررات حقيقية أو مقنعة لهذا الإلغاء. أما الدكتور محمد فتح الله الخبير بالمركز القومي للامتحانات فيري أن إلغاء مواد المستوي الرفيع كان يجب أن يرتبط باختيار مواد أخري نوعية مثل المواد الثقافية أو العلمية التي تحقق هدف اكتشاف ورعاية الموهوبين والمبدعين فإذا كانت هناك ملاحظات علي المواد التي كانت محددة في المستوي الرفيع, فيمكن ثلاشي ذلك لأن المبدأ هو الأساس في أن يكون هناك اتجاه دائم ضمن العملية التعليمية لرعاية وتنمية المبدعين وتكوين كوادر علمية لبنية علماء المستقبل, ومنها مثلا أن تكون هناك عناوين محددة في هذه المواد دون الارتباط بمادة محددة في كتاب لأن المفترض أن الطالب المبدع يكون قارئا جيدا مجتهدا في بحثه الخاص بمختلف المجالات, وأن هذا القرار يدعونا لتأكيد علي ضرورة ادخال مواد أخري في دراسات حرة للتفرقة بين الطالب المتميز وغيره حتي نضمن للمتميز مكانا أفضل يناسبه. وأشار خبير الامتحانات إلي أن هذه المرحلة السنية للطلاب هي أساس تنمية قدراتهم من حيث البحث العلمي, فهل تنتظر حتي يدخل الطالب الجامعة ليصطدم بنظام مختلف؟! فالمواد المرتبطة بالبحث في الثانوية ربما تؤهل الطلاب النابغين والمتميزين للتكيف مع نظم الجامعات في الأداء والبحث, بل إنه من الافضل أن تطبق مواد المستوي الرفيع بدءا من الصف الأول الثانوي علي الأقل لأن هذه أفضل وسيلة لصناعة أجيال تعيش المستقبل وتنافس عالميا.. فضلا عن أن ذلك يدعو الطالب لأسس تعليمية حقيقية ليتعلم كيف يفكر أو يحل مشكلات من خلال الأسئلة الموسوعية, وهذا يدعو لعدم الارتباط بالمواد الأساسية للمستوي الرفيع سواء في اللغات أو الجغرافيا أو الفلسفة أو غيرها, كما يجب أن تكون الدرجات مجزية, وليست محددة بخمس أو عشر درجات تتعرض للتقسيم إلي3% من المجموع علي الأكثر, فيجب أن ترفع هذه الدرجة, وكذلك بالنسبة للمتفوقين رياضيا والحاصلين علي بطولات لأن هذه الفئة هي الأمل الذي ننتظر منه صناعة مستقبل مصر, لأن التعليم ليس كتابا نحفظه ولكنه فكر نتعامل به ومعه.. وقال: إن أفضل وسيلة لتنمية هذا الاتجاه في المستوي الرفيع يكون تجديد موضوعات أبحاث في المواد يعمل عليها الطالب في التخصص الذي يطلبه, وتعرض علي لجنة علمية.. سواء بالاختبار المباشر أو التحريري ثم تأهيل الطالب في الأولوية للكلية التابعة لهذا التخصص لأن مكتب التنسيق ليس عادلا دائما.