كانت مصر في حاجة شديده خاصة خلال السنوات الأخيرة لحكم مبارك إلي زلزال شديد مهما كان ثمنه وتضحياته لتصحيح الوضع في مصر الذي استفحل. وكانت الأمور لا يمكن أن تستمر علي ما كانت عليه من سيطرة لرأس المال علي الحكم وسيطرة حزب واحد ومجموعة معينة من القيادات لا تتغير منذ تولت المسئولية في شرخ الشباب وحتي المشيب. وصار أحفادهم شبابا ومعها مجموعة من رجال الأعمال استباحت البلاد وإمكاناتها وإحتكرتها لمصالحها وإستيقظ الشعب يوما علي معدل عالي للتنميه ظل حبيسا لمجموعة أقل من نصف في المائة وفجوة كبيرة بين الأجور لم تعترف الحكومة وتنفذ قرار المحكمة بالحد الأدني للأجور كما نسيت الحكومة دورها في العدالة الإجتماعيه وكانت رسالتها هي تهيئة المناخ ليس للتنمية والعدالة ولكن لمزيد من نهب مصر وهو ما نوهنا عنه عام2010 في مقال بجريدة الاهرام و اشرنا فيه الي ما تشهده الدولة من إنقسامات إجتماعية بين كمباونديين( سكان المنتجعات) وبين شعب يعيش ربعه علي الأقل تحت خط الفقر وعشوائيات تتزايد عددا ومساحة وسكانا وتدهورا وغيابا للعدالة الإجتماعية وفساد غير مسبوق في التعليم والصحه وتفاوت حاد في الدخول حتي داخل الوزارة الواحده بين المقربين لمعالي الوزير وبين العبيد العاملين بها وشهد الفصل الأخيرللمرحلة مهزلة إنتخابات لمجلس الشعب لم تشهد مصر لها مثيلا في عبقرية التزوير الفاجر. عندما انتهي عصر السادات قالوا عن الفساد الذي ظهر فيه أن الذي لم يغتن في عصره لن يغتني ابدا ثم حوكم نجوم الفساد في ذلك العصر ولم يتجاوز عددهم خمسة من بينهم شقيق السادات ذاته غير أن خميرة الفساد او بذرتها وضعت في النصف الثاني من السبعينيات علي يد المعونة الأمريكية التي تعهدت في جانب منها بخلق مجموعة جديدة من رجال الأعمال يمثلون اللبنة الأولي للقطاع الخاص المصري والذي كان قد أطيح به في تأميمات الستينات الناصرية. وتمت زراعة الفساد وعلي مدي سنوات ترعرع وأصبح هناك الفساد الأكبر والفساد الأصغر أي فساد الحكام وفساد الموظفين. تضاعف الفساد وتوالد معززا بتحالف بغيض لطبقة جديدة من رجال الحكم والأعمال وقامت ثورة يناير ترفع شعار العيش والحريه والعدالة الإجتماعية ثم جاءت ثورة يونيو ولا تزال السفينة تبحث عن شاطيء الأمان وبين الثورتين شهدت مصر إعتلاء الإخوان الحكم في فرصة تاريخية لن تتكرر وأضاعوها. هناك عشرات من الملاحظات في دوائر مختلفة تمثل إنتقادا حادا لهم ومن بينها وقوعهم في نفس خطأ الحزب الوطني وهو الإستئثار بالسلطة وسيطرة فصيل واحد علي الحكم وهو أهم درس يمكن ان نخرج به من تلك المرحلة و نتجنبه مستقبلا. فمصر الآن في مفترق الطرق و عليهفإن أحد الأولويات القصوي هي البحث عن أسلوب للمصالحة بين كافة أطياف المجتمع السياسي وإنهاء هذا الانقسام والإقتتال وبناء الثقة والمستقبل وهذه مسألة تحتاج إلي جهود مضنية وتعهدات وأمان وثقة حتي نعبر بالبلاد من هذا النفق الذي دخلته وفي تصورنا أن العمل السياسي يجب ان يتاح للجميع دون أي إقصاء لفصيل. وأن القضاء له كلمته الفاصلة في قضايا تلوث الأيدي بالدم وان الفصل في هذه القضايا يجب الا يعطل مسيرة الديمقراطية. هل تستطيع مصر الآن أن تعبيء كل قدراتها البشرية؟ هل تستطيع مصر أن تفتح ذراعيها لكل أبناء الوطن مهما إختلفت الرؤي السياسية بينهم ؟ هل تستطيع مصر أن يتعايش أبناؤها علي أرضها؟ هل يستطيع أبناء الوطن أن يشعروا بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات؟ هل يستطيع أبناء الوطن أن يشعروا بأن الفرص متاحة أمام الجميع بكل عدل وشفافية؟ هل يستطيع أبناء الوطن الإنتفاض من دائرة الفقر والجهل والمرض؟ هل نعي أن قوتنا في وحدتنا؟ لماذا هذه الأسئلة كلها؟ إنها أسئلة مشروعة تنطق بها جباه شباب الوطن الذي يجب ان توفر لهم الدولة فرص الحياة الكريمة. وهي أسئلة مشروعة لجيل أو أجيال قاربت الخمسينات أو مايزيد قليلا دون ان تتاح لهم فرص المشاركة في بناء الوطن رغم قدرتهم علي ذلك إذ يجب ان تزاح قشرة او طبقة الفساد من علي جسد الوطن ويتقدم هولاء بكل ثقة وثبات لتولي مقادير حكم البلاد فقد ضاعت علي مصر فرص التقدم بإهدار كل تلك الإمكانات البشرية كما ضاعت علي مصر فرص توفير الحياة الكريمة لملايين من البشر معظمهم من الشباب والإستفادة من قوتهم فراح بعضهم يبحث عن لقمة العيش خارج حدود وطن ضاق عليه حتي ولو كان الثمن حياته في هجرة غير مشروعة عالية المخاطر وقد تبتلعه البحار وهناك علي الطرف الآخر ملايين السكان الفقراء والشباب من قاطني المناطق العشوائية التي باتت تحاصر المدن كلها وإنفجر سكانها ينطلقون منها يطالبون بحقهم في الوطن الذي طال إهمال قيادته لهم وقد وجد بعضهم في تجارة الرصيف الحل العبقري الذي يؤمن لهم لقمة اليوم وهم فريسه لآي تيارات يمكن أن تستغلهم وتلعب بهم وتحقق أغراضها. المشهد الآن رغم تعقيده فإنه يمثل إخوانا مسلمين خارج السلطة والشارع السياسي برغبتهم وتشكيل للمجتمع السياسي عليه أن يحاول بعزم وإصرارعلي المصالحة والمشاركة فلا بديل عنها لبناء الوطن وسلامة وحدته ودرءا لصراع قد يطول أو يخبو كامنا ثم يعود بمرارة وإنتقام وعلينا الإنتباه إلي إزاحة بعض قوي الفساد التي تتربص وتتهيأ للعودة وتكاد تطل برأسها علي زمن لن يعود الي الوراء وتحاول إعادة إنتاج أسوأ ما في النظام السابق والذي تجد فيه مصالحها. وقبل ذلك علينا الإستعداد للحرب بجديه مخططه ضد التخلف برئاسة جديده ودستور جديد ومؤسسات نيابية جديدة وحكومة جديدة في إطار دولة مدنية حديثة ديمقراطية. إن الوطن ممتليء بالقدرات والإمكانات ومن الخطيئة ان نتركه علي تخلفه بينما المستقبل أمامه واسع رحب يحتاج إلي إدارة قادرة علي نقله إلي أعتاب التقدم وهذا ليس بالصعب او المستحيل. لمزيد من مقالات عصام رفعت