الدستور ليس نصوصا وموادا, بل هو ثقافة اجتماعية وبيئة سياسية ومناخ يسمح بتطبيقه وإلا أصبح مجرد كلمات وعبارات يكتبها أهل الخبرة من القانونيين والساسة. تظل فقط حبيسة معانيها ولا تجد لها ظلا علي أرض الواقع. أقول ذلك بمناسبة المعارك الطاحنة بين القوي السياسية حول وضع دستور جديد للبلاد منذ ثورة25 يناير حتي الآن, وعلي مايبد و فإن هذه الصراعات سوف تستمر لسنوات حتي لو تم انجاز الدستور والاستفتاء عليه خاصة في ظل العنف والانقسام الموجود في المجتمع حاليا. ولو افترضنا انه تم وضع أفضل دستور في العالم وتضمن نصوصا عن الحريات والعدالة الاجتماعية وغيرها من المواد التي تكفل حقوق المواطن, فقل لي بالله عليك كيف تلتزم الدولة بتوفير هذه الحقوق في ظل هذه العجز المالي الذي يلازمنا منذ سنوات طويلة حتي أصبحنا لا نعرف متي نخرج من عنق الزجاجة. دعنا نتحدث علي سبيل المثال عن الحق في التعليم والصحة, وهذا الحق موجود في دستور71 مرورا بدستور2012 المعطل!! والسؤال هل بالفعل تقدم الدولة بالفعل خدمات تعليمية أو صحية حقيقية طبقا للمتعارف عليه عالميا؟ أقول هيهات واذهب إلي المدارس والمستشفيات الحكومية لتري حجم الاهمال والتراجع والتخلف الذي لا يوفر الحد الادني من الخدمة, بل يصل الأمر إلي انتهاك كرامة الانسان. وقد يسأل البعض هل نتوقف عن وضع دستور يحدد المسئوليات ويضع الخطوط الفاصلة بين السلطات؟ وأجيب بأنني لم أقصد ذلك علي الاطلاق, بل ما أقصده تحديدا هو أن نخوض معاركنا بالتوازي, من وجهة نظري أن معركة التنمية والارتقاء بالمواطن والقضاء علي الأمية والفقر والجهل والمرض وبناء اقتصاد قوي وتحقيق قواعد العدالة والمساواة هي الأكثر الحاحا وأولوية لأنها تمثل البيئة الحقيقية لتطبيق أي دستور مهما يكن الاختلاف علي المواد والنصوص فاصل قصير: عندما أسمع خبرا عن تعرض بعض جنود وأكمنة القوات المسلحة لهجوم إرهابي من مجهولين مسلحين أشعر بالحزن الشديد والانقباض لأنني اعتبره نذير شؤم, فالجيش هو الحصن الباقي لنا في هذا الوطن.. اللهم أحفظ بلادي. لمزيد من مقالات هانى عمارة