جاء قرار الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف, بإلغاء صناديق التبرعات بالمساجد ووقف العمل بها, حماية للمساجد من استغلال أي طرف في جمع تبرعات تحت أي مسمي خلال الفترة الحالية. ليلقي المزيد من التساؤلات حول مشروعية جمع الأموال في ساحات المساجد, وأوجه جمع التبرعات وصرف اموال الزكاة التي كان ينفقها اهل الخير لعمارة المساجد ؟! علماء الدين يؤكدون أن كثيرا من الأموال التي يتحصل عليها أصحاب التيارات التي تدعي أنها دعوية والتي كانت تأتي من خلال صناديق التبرعات بالمساجد, تم الاستعانة بها في أمور سياسية تضر مصلحة البلاد, ويطالبون بتشريع قانوني ينظم عمل تلك الصناديق وأوجه صرف مدخراتها. وأكد العلماء أن منع التبرعات داخل المساجد ضرورة ملحة بعد أن أصبحت المساجد بعد ثورة25 يناير مستغلة من بعض التيارات المختلفة استغلالا لدرجة أنهم بسطوا نفوذهم علي كثير من المساجد في مختلف المحافظات واستغلوها لتمويل عدد من التيارات والجمعيات الكبيرة والتي وضعت نفسها في موضع غير منضبط. ويقول الدكتور احمد كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, ان قرار وزير الأوقاف بمنع جمع التبرعات في المساجد, يتفق تماما مع المباديء العامة لفقه الزكاة, ويحفظ حرمة المساجد. وأضاف قائلا: من المقرر شرعا أن تحصيل الزكاة له آليات تحددها نصوص الشريعة من جهة والعرف المجتمعي من جهة أخري, وعلي أيام الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم, كان يبعث سعاة لتحصيل الزكاة من أصحاب الأموال وكانوا متفرعين لهذا العمل ولذلك كانوا يأتون اعاشتهم من هذه الزكاوات بنص القرآن الكريم: والعاملين عليها, فالرسول كان يتولي جمع الزكاة بنفسه أو يرسل نوابا عنه, وتطور الأمر في عهد سيدنا عمر بعد إنشاء السجلات وظهور ما يعرف ببيت المال والذي سبقه نواة بيت الزكاة, لكن لم ينقل أية زكاوات كانت تجمع من المساجد لا قبل الصلاة ولا بعدها سوي حادثة واحدة هي أن الرسول صلي الله عليه وسلم لما فرغ من خطبة صلاة العيد اقبل إلي النساء في مصلاهن فوعظهن وحضهن علي الصدقة وكان معه بلال رضي الله عنه ولم يثبت في تاريخ المسلمين أن المساجد كان بها أوعية لجمع التبرعات والمساجد الأثرية القديمة في جميع البلاد الإسلامية شاهدة بذلك, فلا توجد بها صناديق لكن المساجد كانت أماكن للصرف وليس للتحصيل منعا لعمليات النصب والسرقة وحتي لا تذهب الأموال المخصصة للتبرعات لدعم أية أنشطة سياسية وهذه مفسدة لأنها خيانة للأمانات, وتضييع لذوي الحقوق وتقوية لجماعات العنف الفكري فكل هذه مفاسد, يجب دفعها بمنع جمع الصدقات بالمساجد كلها. وأكد الدكتور أحمد كريمة, أن البديل العصري الذي يتماشي مع فقه الواقع والمصالح هو إنشاء بيت الزكاة في القري والمراكز الكبري بالمحافظات, ويضم مراقبا شرعيا من الأزهر ومحاسبا ماليا وعضوا من التضامن الاجتماعي وشخصية عامة نزيهة, ويجب أن يتضمن سجلات لحصر واستحقاق ذوي الحاجات في المنطقة من خلال مستندات ومعاينات لتوضيح الحالات وتزكية من التضامن الاجتماعي وقيامه بالصرف لأنه ليس من المقبول أن نترك الفقراء لتذهب أموال التبرعات لخدمة أغراض سياسية معينة. من جانبه قال الدكتور محمد الشحات الجندي, الأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية, أن التبرع للمساجد أمر مشروع إذا كان بغرض النهوض ودعم رسالة المسجد وإظهار المسجد في أبهي صورة وتحسين الخدمات فيه, ولكن لوحظ في الفترة الأخيرة أن المساجد اختلط فيها الدين بالسياسة وظهر مفهوم جديد للدعوة وانخرط كثير من الأئمة والدعاة في هذا الاتجاه, الأمر الذي اخل بحرمة المسجد مما جعله ينحاز لفصيل بعينه وانحراف بالمسجد عن رسالته الأساسية وهي الدعوة, وبالتالي التبرعات التي كان يدعو البعض إليها انحرفت عن وظيفتها, وان العديد من التبرعات كانت تستخدم لأغراض سياسية ودعم فصيل سياسي معين باسم الدين وعلي حساب الدعوة, ولهذا لابد أن تكون التبرعات خالصة لوجه الله سبحانه وتعالي وان تستخدم في أغراض مشروعة من اجل الدعوة والارتقاء برسالة المسجد, ولكن هذا الانحراف في التبرعات وتوجيهها لأغراض غير دعوية كان خطأ وكان ينبغي أن يكون هناك وقفة جادة وصارمة من اجل تصحيح ذلك. وان ما اتخذته وزارة الأوقاف في هذا الصدد من منع الحصول علي التبرعات من داخل المسجد هو خطوة علي الاتجاه الصحيح, لأنها تمنع العنف والمصادمات الذي يؤدي إلي اقتتال وتخريب داخل المجتمع مما يجعل هذه التبرعات لا تحقق الهدف المنشود منها لأن من تبرع بأمواله في المسجد لا يريد أن تستخدم لأغراض سياسية لكنه يقدمها لله سبحانه وتعالي وينبغي أن يتم التبرع في أمور تخدم الدين. ولم يذكر أن التبرعات في عهد الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم كانت تستخدم لتشجيع فصيل ما بل كلها كانت لرفعة دين الله ومن اجل الجهاد في سبيل الله وهو جهاد الكفار, لذا ينبغي أن توجد رقابة صارمة علي هذه التبرعات وحسنا فعلت وزارة الأوقاف وينبغي أن يعلم المصلون أيضا أن يتحروا جيدا عما يقدمونه من مال في سبيل الله. وطالب الجندي بتوظيف الأموال والتبرعات للصواب وليس لاقتتال بين أفراد الشعب الواحد وإذا علم المتبرع أن تبرعه يذهب لاقتتال أو فتنة بين الأفراد فهو آثم, ويجب علي الدعاة تفعيل وتدعيم الرقابة حتي تحقق الهدف منها, وحتي لا ننحرف بالتبرعات إلي أمور تهدد امن الوطن, وينبغي علي المتبرع أن يوجه أمواله إلي المصادر الصحيحة للارتقاء برسالة المسجد فقط, ومن المهم أيضا ألا يتورط الأئمة بسبب انحيازهم لفريق دون الآخر, أي لا يجوز استخدام الدين لجمع أموال لخدمة أمور سياسية حتي لا تسفك الدماء علي ارض هذا الوطن.