في الوقت الذي أثارت فيه تصريحات رئيس وزراء تركيا حول شيخ الأزهر ردود أفعال غاضبة وعاتبة من جميع المصريين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم. فإن تلك التصريحات جاءت بعيدة كل البعد عن تاريخ وأمجاد الدولة العثمانية, لتؤكد الانحياز السياسي لرئيس وزراء تركيا المعاصرة ضد شيخ الأزهر وإمام المسلمين في العالم. وتانسي اردوغان تاريخ وأمجاد أجداده الذين نتذكر منهم في هذا المقام السلطان سليمان القانوني فاتح بلجراد, وكانت مدينة بلجراد التابعة للإمبراطورية المجرية (في القرن العاشر الهجري) هي مفتاح أوروبا الوسطي, وكانت قلعتها الشهيرة من أحصن القلاع في أوروبا, وأشدها منعة, وكان المجريون يكنون الكثير من العداء للعثمانيين, ويسعون لطردهم من أوروبا بأسرها ومن منطقة البلقان علي وجه الخصوص, ولعل هذا ما جعل العثمانيين يوجهون جهدهم لفتح بلجراد والقضاء علي خطرها, وإزالتها كعقبة تعترض طريقهم نحو الانسياب إلي قلب أوروبا وفتح فيينا وبودابست. وقد حاول العثمانيون فتح بلجراد 3 مرات, ولم يتمكنوا من ذلك إلا في المرة الرابعة بعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان علي محاولتهم, وصعد السلطان سليمان بن سليم الشهير ب'سليمان القانوني' إلي الحكم بعد وفاة والده, ولم تمض إلا 8 أشهر علي توليه الحكم حتي قام بحملته الهمايونية (السلطانية) الأولي والتي أراد أن تكون وجهتها بلجراد, وأن تكون حملة تبث الرهبة في قلوب الأوروبيين المعادين للدولة العثمانية. ومن الناحية الأخري استطاع "القانوني" بحنكته السياسية الكبيرة أن يحيد القوي الأوروبية عن التدخل لإنقاذ بلجراد, ومن ثم تلكأت أوروبا عن نصرة بلجراد. وكانت الظروف الداخلية والأوربية مهيأة لأن يقوم السلطان القانوني بفتح بلجراد وانتظر القانوني الذريعة التي تمكنه من شن الحرب علي المجريين, وأسعفه القدر عندما قام المجريون بقتل الرسول الذي أرسلته الدولة العثمانية إلي المجر ليطالبهم بدفع الجزية السنوية المقترحة من سليمان في مقابل تجديد الصلح معهم, ووجد في تلك الجريمة سببا كافيا لإعلان الحرب علي مملكة المجر. أخذ سليمان في الترتيب لفتح بلجراد طوال شتاء 1520م, فجمع قوات النخبة العثمانية المسماة' السباهية' من عدد من الولايات, وزاد في عدد القوات النظامية, وأمر بتخزين المؤن والحيوانات علي طول الطريق إلي بلجراد, وتم تعهد الطرق والجسور علي طول الطريق بالإصلاح والترميم. وأصر القانوني أن يكون خروجه يوما مشهودا يشهده سفراء الدول الأجنبية في الدولة العثمانية, وكان يهدف من وراء ذلك إلي القيام بحرب نفسية ضد المجر, وحرب نفسية أخري ضد الأوروبيين حتي لا يفكروا في تقديم يد العون لبلجراد, لعلمه أن هؤلاء السفراء سيرسلون إلي دولهم بحجم هذه الاستعدادات, ومن ثم فإن ما قام به كان استعراضا مدروسا للقوة. وكان في مقدمة هذا الجيش البديع التنسيق, 6 آلاف من فرسان الحرس الإمبراطوري بأزيائهم الرائعة, وخيولهم الأصيلة, وأسلحتهم الحديثة, وكان في الحملة 3 آلاف جمل محملة بالذخيرة والبارود, و30 ألف جمل محملة بالمهمات, وسفينة محملة بالخيول كانت تسير في نهر "ألطونة" (الدانوب), و50 سفينة حربية, و10 آلاف عجلة محملة بالطحين والشعير, وعدد كبير من المدافع, وكان الجيش يسير وفق نظام دقيق محكم, فكان النظام هو السمة الرئيسية في التحرك, وعندما جاء سليمان وجنوده نصبوا المدافع فوق الجزيرة في ملتقي نهر الدانوب,وبدأت المدافع تقصف القلعة بدون انقطاع حسب الخطة الموضوعة, وتوالت الهجمات تلو الهجمات طيلة 3 أسابيع, وفتحت القلعة في (4 من رمضان 927ه 8 من أغسطس 1521م) أما بلجراد المدينة فتم فتحها في (25 من رمضان 927ه 29 أغسطس 1521م), وسرعان ما انتشرت أخبار الانتصار في العالم, وأرسل الأوروبيون في البندقية وروسيا وفودا للتهنئة بالفتح. وقد تسبب فتح بلجراد في وضع مأساوي لمملكة المجر, فقد توفي ملكها لويس بعد سماع نبأ سقوط بلجراد حصن المسيحية في أوروبا الشرقية, ولم تلبث هذه المملكة أن انهارت علي يد القانوني, وتدفق العثمانيون علي أوروبا كالسيل الجارف.