من حين لآخر تلوح الولاياتالمتحدةالامريكية بقطع المعونات التي تمنحها لمصر كوسيلة من وسائل الضغط السياسي, وذلك مثلما حدث في القضية الشهيرة والمعروفة إعلاميا باسم التمويل الأجنبي لمنطمات المجتمع المدني وعاد حديث قطع المعو نة من جديد لكن بشكل أكثر جدية وبشكل اكثر استفزازا للشعب المصري, بعد عزل الرئيس محمد مرسي واشتعال أعمال العنف, فلم تهدأ التسريبات في الصحف الامريكية حول نية الإدارة الامريكية تعليق أو وقف المعونة بشقيها الاقتصادي والعسكري, وتواترت التصريحات المنسوبة الي أعضاء في الكونجرس لتفيد بأن البيت الأبيض سيعلن قريبا وبشكل رسمي وقف تلك المساعدات. خبراء الاقتصاد سخروا من حديث قطع المعونة الاقتصادية التي تبلغ250 مليون دولار سنويا, حيث يرونه مبلغا تافها ولا يجوز ان نثير مثل هذا النقاش بشأنه, خاصة وان الولاياتالامريكية تسترد اضعاف هذا المبلغ في صورة صادرات لمصر بقيمة تبلغ نحو6800 مليون دولار كل عام.. لكن ماذا عن المعونة العسكرية التي تبلغ1,3 مليار دولار, والي اي مدي تخسر مصر في حال صدقت الانباء بشان تعليق تلك المساعدات؟ السفير جمال بيومي- مساعد وزير الخارجية الأسبق- يؤكد ان اسرائيل اول من سيمنع الولاياتالمتحدةالامريكية عن اتخاذ مثل هذا القرار, اولا لان ذلك جزء من اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل, فمن يمس الاتفاقية يمس السلام بين البلدين, كما انه ليس من المتصور ان تخل الولاياتالامريكية بالتزامها بحفظ الامن في منطقة الشرق الاوسط مقابل1300 مليون دولار, واتذكر انه عندما اقدمت مصر في عهد الرئيس عبد الناصر علي شراء300 دبابة من رومانيا في اثناء الحرب العراقية الايرانية لدعم العراق, ثار جنون الولاياتالامريكية, من ناحية اخري اري انه ليس عيبا ان تبدأ مصر و بغض النظر عن وقف المعونة, في تنويع مصادر سلاحها من فرنسا والمانيا. الالتزام بخارطة الطريق السفير جمال بيومي يفسر تلك التصريحات بأنها مجرد نوع من انواع الضغط علي مصر لتنفيذ خارطة الطريق التي تم الاعلان عنها في3 يوليو الماضي, ولابد ان نأخذ تلك التصريحات بجدية, فهم لديهم شك في اننا سنلتزم بتنفيذ ما اعلناه, ويتابع من خلال مشاوراتي مع زملائي من السفراء في الدول الاوروبية استشعر حساسيتهم من الحكم العسكري ولديهم تخوف من عدم الالتزام بتنفيذ خارطة الطريق, وانا اؤكد ان اوروبا ستدعم اي قوي وطنية تحكم مصر, فالغرب من مصلحته استقرار الاوضاع في مصر, فلنمضي قدما في الانتهاء من صياغة الدستور واجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ويختم بيومي حديثه بان المساعدات الامريكية مجتمعة من معونة اقتصادية وعسكرية لا تتجاوز1700 مليون دولار اي ما يعادل6 في الالف من الناتج القومي المصري, اي مبلغ تافه لايمكن الضغط به, لكن الامر في النهاية له دلالات سياسية واستراتيجية تتعلق بالامن القومي للولايات الامريكية وتحالفاتها الاستراتيجية في المنطقة العربية, وحسنا فعل وزير الخارجية عندما اعلن عن مراجعة الوزارة للمساعدات الاجنبية لمصر, لكن ليس من المطلوب كما يؤكد السفير السابق- ان تاخذنا الجلالة ونطالب نحن بوقف المساعدات الامريكية. اللواء الدكتور احمد عبدالحليم الخبير الاستراتيجي والعسكري وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية- لا يختلف عن سابقه, حيث يؤكد ان مصر لن تخسر شيئا من تعليق الولايات الامركية لمساعداتها العسكرية مشيرا الي ان نحو ثلث قيمة المعونة العسكرية يعود لامريكا في صورة نفقات نقل الاسلحة ومكافآت الخبراء الامريكيين, ويضيف عبدالحليم الخاسر الاكبر من مثل تلك القرارات هي الولاياتالامريكية حيث ستخسر مصر كدولة لها اهمية جيوسياسية وجيو استراتيجية, وتسيطر علي التوازنات السياسية في الاقليم, ولهذا فكل تلك التصريحات كلام فارغ ولا تجرؤ امريكا علي تنفيذه. ويحكي اللواء عبدالحليم انه في عام1993 كان ضمن وفد يزور الولاياتالامريكية حيث وقعت حينها بعض الحوادث والاضطرابات الطائفية في مصر فيقول: كان عمرو موسي وزيرا للخارجية حينها, وقال لنا اذا فتحوا موضوع المعونة للنقاش قولوا لهم مباشرة نشكركم علي ما قدمتموه ونكتفي بهذا القدر, لكنهم بالطبع لم يطرحوا الموضوع ولم يأتوا علي ذكره نهائيا لانهم كانوا يتوقعون مثل هذا الرد, وبالتالي ستكون خسارة كبيرة لهم. اللواء عبد الحليم يري ان مليارات الدول العربية كفيلة بتعويض قطع اي مساعدات سواء اقتصادية او عسكرية, وقال امامنا السوق العالمية مفتوحة للتسليح, والولاياتالامريكية تعلم ذلك جيدا ولهذا نجدها تتراجع, وقد صرح اوباما مؤخرا بأن قطع المعونة الامريكية لن يؤثر في القرار المصري, فهو يعلم ذلك ويعترف به.. التسليح الذاتي من ناحيته يري الدكتور يسري العزباوي-الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- ان الولاياتالامريكية تستطيع قطع المعونة العسكرية لكنها لن تفعل ذلك في الظروف الحالية لانه لا يوجد اي بديل امامها لتتعامل معه في الدولة المصرية سوي المؤسسة العسكرية لانها الاكثر امانا واستقرارا, من ناحية اخري فان تلك المساعدات مرتبطة ارتباطا وثيقا بمعاهدة السلام مع اسرائيل, وتلك الاخيرة اعلنت انه من التعجل والغباء قطع تلك المساعدات, واعتقد ان الولاياتالامريكية قد تلجأ لاساليب ضغط اخري مثل استصدار قرارات من الاممالمتحدة ومجلس الامن. وحول ما ينبغي ان تفعله المؤسسة العسكرية في الوقت الحالي تحسبا لاي قرار امريكي, فهناك وفقا للعزباوي- خيارات متعددة امامها, فيمكنها تطوير القدرات التسليحية ذاتيا كتصنيع بعض المنتجات العسكرية الخفيفة محليا, كما يمكنها التعاون مع دول جديدة في هذا المجال مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق, وقد نجحت مثل تلك التجربة في عهد عبد الناصر عندما تعامل مع التشيك وكانت حينها ضربة في مقتل. واذا كانت شركات السلاح الامريكية سترفض وتضغط علي الادارة الامريكية لعدم وقف توريد السلاح لمصر, فان العزباوي يري انه لا ينبغي ان نعول علي هذا الامر, ولابد ان نمتلك وسائل ضغط من جانبنا, كتعديل اتفاقية السلام مثلا وزيادة عدد قوات الجيش في سيناء, لكن في النهاية لا يجب ان نبادر نحن الي ذلك بل ننتظر حتي نري كيف ستتصرف الولاياتالامريكية فالتسرع ليس من مصلحتنا. الشعب سيدعم جيشه وبنبرة أكثر حماسا يصف اللواء طيار محمد زكي عكاشة- رئيس حركة مقاتلون من أجل مصر- مثل تلك التصريحات بأنها مجرد قنابل دخان ونوعا من لي الذراع, ويقول اوباما يعلم جيدا ان المعونة مرتبطة باتفاقية السلام ولن يجرؤ علي اتخاذ مثل هذا القرار, واذا قام بخرقها فهذا يعطينا ايضا الحق في خرقها, و هذا بالطبع ليس من مصلحة اسرائيل ولن تسمح به, واذا نفذ ما يقول فمصر قادرة علي التسليح والعالم كله متاح امامنا فالعالم الآن كله يعادي الولاياتالامريكية, ولن ينهار الجيش المصري والشعب سيقف بجانبه, ونحن نفهم جيدا سبب هذا الدعم المستميت للاخوان من جانب الولاياتالامريكية, فهم ببساطة من كانوا سيقومون بتنفيذ مشروع الشرق الاوشط الكبير الذي انفقت عليه أمريكا مليارات الدولارات, ونحن من افشلنا مخططهم بما فعلناه في30 يونيو.