أيها السيدات والسادة, لقد قبضنا عليه.. بهذه الجملة السينمائية بدأ الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمر إعلان خبر إلقاء القبض علي الرئيس العراقي صدام حسين أمام الصحفيين في بغداد بعد8 أشهر من البحث قبل أن يبدأ العرض الذي كان مقصودا منه إعدام الرجل معنويا وإعدام صورته أمام العالم كله. كثيرون لم يصدقوا الخبر لكن حين رأوه ماثلا بين يدي الطبيب الأمريكي أدركوا أنه مات, ليس جسديا بالطبع ولكن معنويا, كان بهيئته التي رأوه عليها كأسد عجوز, والمنطق يقول إن الأسد المستسلم لصياده هو أسد مات أو غائب عن الوعي. استسلام صدام حسين للجنود الأمريكيين دون أدني مقاومة أثار وقتها أسئلة لا حصر لها بعد أن تم نشر صوره علي شاشات التليفزيون, إحساس بالعار والازدراء إنتاب البعض والسؤال عن السر الذي دفع صدام أن يقف خانعا ومشتتا بهذا الشكل لطبيب أمريكي يرتدي قفازا يفحص شعره ولحيته وفمه وأذنيه كأنه غوريلا خرجت لتوها من الغابة, وهل بالفعل تم تخديره عن طريق الطعام الذي جلبه له القائم علي خدمته والذي أبدي تعاون مع القوات الأمريكية كما ذكرت إحدي الروايات؟ أيا كان فإن الهدف من إظهاره بهذا الشكل كان إعدام صورتة المحفورة في أذهان العراقيين والعرب جميعا, ليظهروه بمظهر الجبان المستسلم دون مراعاة لأية معايير تتعلق بالقيم والذوق العام في التعامل مع أسري الحرب أو من هم في حكم الشخصيات العامة, وضربوا عرض الحائط بقوانين حقوق الإنسان التي طالما تشدقت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية, وليس علي معتادي خرق القوانين والمواثيق حرج. الفجر الاحمر كان الاسم الذي اختارته الإدارة الأمريكية لعملية اعتقال صدام, ففي13 ديسمبر عام2003 هاجم ستمائة جندي من الفرقة الرابعة مشاة مصحوبين بالقوات الخاصة موقعا قرب مدينة تكريت شمال العراق, بناءا علي وشاية أحد الأشخاص من أسرة الرئيس العراقي ليجدوه مختبئا بإحدي المزارع في حفرة العنكبوت, وهي غرفة صغيرة تحت الأرض علي عمق7 أقدام, لم يبد صدام أي مقاومة علي الرغم من أنه كان مسلحا, وكانت أولي كلماته بالإنجليزية: أنا صدام حسين رئيس العراق وأريد التفاوض, ورد عليه افراد القوات الخاصة بسخرية أنهم يحملون تحيات الرئيس الامريكي جورج بوش له, وقد إستطاع صدام وقتها إنقاذ نفسه من موت محقق باستسلامه السريع لأن القوة التي كانت تبحث عنه كانت علي وشك إلقاء قنبلة يدوية داخل الحفرة التي كان مختبئا بها. بعدها تم محاكمة صدام بتهم كثيرة منها مذبحة الدجيل حين قتل أكثر من140 شيعيا من قرية الدجيل عقب هجوم علي موكب الرئيس, وغزو الكويت والقمع السياسي والابادة الجماعية للاكراد والتطهير العرقي, ويصدر الحكم في النهاية بإعدام الرئيس العراقي. توقيت الإعدام أكثر من الإعدام في حد ذاته كان مثار جدل, فقد بالغت القيادة الأمريكية في تحريك السكين بعنف داخل الجرح العراقي النازف ليتم تنفيذ الإعدام في أول أيام عيد الأضحي غير مكترثين بمشاعر المسلمين ولقانون العقوبات العراقي الذي يحظر تنفيذ حكم الإعدام خلال العطل الدينية وبدا الأمر كأن صدام ذبيحة أرادوا التضحية بها والإنتقام منها وليس الهدف هو تحقيق العدالة, وما يثير الشبهات بوجود رغبات في التشفي والانتقام من شخص صدام هو إرجاء إعدام برزان التكريتي أخيه غير الشقيق والقاضي عواد البندر الذي صدر ضدهما حكم بالإعدام أيضا في قضية الدجيل ذاتها التي أدين بها صدام إلي ما بعد العيد, أما بالنسبة لمنظمة حقوق الإنسان فقد إكتفت بوصف ما جري ب الهرولة و التسرع! 30 ديسمبر عام2006 هو اليوم الذي وقف فيه الرئيس العراقي أمام المشنقة علي مرأي ومسمع العالم كله يتفاوض مع الحراس بشأن الطريقة التي سيتم إعدامه بها, فقد رفض ارتداء قناع يغطي وجهه مثلما رفض اخذ حبوب مهدئة عرضوها عليه, وكان طلبه الوحيد هو إرتداء معطفه وعندما سأله الحارس عن السبب قال إن الجو في العراق يكون باردا ليلا وأخاف أن يراني شعبي أرتعش فيعتقدون ان زعيمهم خائف من الموت. لأكثر من عشرين عاما حكم صدام العراق بانتهاج أقسي وسائل القمع واتخاذ أكثر المواقف تعنتا مما وضع البلاد بأسرها في مهب الريح, وبالرغم من ذلك فقد اختلفت ردود فعل الشارع العربي والإسلامي حول ما إذا كان صدام يستحق حكم الإعدام, لكن كثيرين رأوا أنه لم يحظ بالعدالة التي يستحقها مذنبا كان أم لا.