العزل السياسي حكم بالاعدام المدني علي الخصوم السياسيين دون انتظار لحكم محكمة مما يجعله انحرافا تشريعيا هدفه الإقصاء والتهميش. لجنة ال10 التي شكلها الرئيس المؤقت لوضع مسودة الدستور قررت إلغاء هذا النص في الدستور الجديد لإتاحة فرصة المنافسة السياسية أمام كل المصريين وهذه هي الديمقراطية بمعناها الصحيح. خبراء القانون قالوا إن العزل كان وسيلة لاخلاء الساحة امام تيارات بعينها وعزل المنافسين بوسيلة لا علاقة لها بالديمقراطية من قريب او بعيد. في البداية يقول الدكتور رأفت فودة رئيس قسم القانون الدستوري العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة إن العزل السياسي تم تطبيقه في عهد الرئيس المعزول مرسي في2012 مع الاحكام الانتقالية التي اقرها الدستور وكان المستفيد منها جماعة الاخوان المسلمين حيث قاموا باقصاء منافس قوي و امتثل لهم الشعب بعد ثورة يناير نتيجة الغضب من نظام مبارك ولكنهم فطنوا لخطورة ذلك فيما بعد. وقد حاول الاخوان اصدار قانون للعزل في ابريل2012 وقضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته لاسباب واضحة اهمها ان اي منصب سياسي هو تشريف وخدمة وطنية وليس لاحد الحق في الاقصاء و هذا ما اقرته المحكمة الادارية العليا وهذا ما جعل خبراء الدستور التابعين لمرسي لا يستطيعون ايجاد مخرج لهذا القانون لانه غير دستوري لذلك قرروا وضعه في الدستور كحيلة للوصول لاهداف الجماعة بمنع قطاع كبير من الشعب المصري من مباشرة حقوقه السياسية من خلال مادة في الدستور ولان مواد الدستور لا تراقب من المحكمة الدستورية وهذا ما فعلوه في عزل النائب العام من قبل حيث ان الدستور نص علي ان القضاء لا يعزل فكانوا في حاجة الي اعلان دستوري للاطاحة بالنائب العام وهذا ما كان وهذا نعتبره انحرافا تشريعيا لان الظروف التي صدر فيها هذا النص غير محمودة المآرب فقد اريد به باطل رغم انه حق لذلك بعد ازاحة النظام كان من الضروري ان يوظف الحق بالشكل الذي يخدم الوطن فلابد ان يكون اي منصب سياسي محدد المدة حتي المناصب القضائية. الدكتور فودة يقول إن العودة بفكرة العزل السياسي الي الثورة الفرنسية يتجاهل انها ثورة قتلت كل معارضيها ولذلك تم الارتداد عليها كثيرا حيث كانت ثورة دموية ولكن ثورة25 يناير فرضت سلميتها علي الجميع فلم يجد الاخوان مخرجا سوي مادة العزل السياسي في الدستور الذي يعد في الفقه الدستوري امرا منبوذا او مرفوضا فالانسان لا يحرم من حقه الطبيعي في مباشرة حقوقه السياسية الا بجريمة يرتكبها وتثبت ادانته فيها ويصدر ضده حكم قضائي نهائي ومادة العزل هذه تجعل هناك درجات وفوارق بين المواطنين وكيف لنا ان ندين احدا وهو لم يرتكب جريمة اصلا وحتي اذا كانت جريمته افساد الحياة السياسية فعليهم اثبات ذلك علي شخص بعينه وتقديمه للمحاكمة بشخصه وليس جماعة باكملها بلا دليل ومن تثبت ادانته قطعا يستحق العقاب. اما قانون الغدر الذي استخدمه الرئيس عبد الناصر ضد كل من افسدوا الحياة السياسية قبل ثورة يوليو1952 والكلام مازال للدكتور محمد فودة فهذا القانون اسيء استخدامه حيث استخدم بقسوة عن طريق المحاكمات العسكرية ونحن نلتمس العذر لعبد الناصر فقد كان خارجا من احتلال والقسوة مطلوبة للقضاء علي العملاء ولكننا الآن امام دولة مستقلة منذ خمسين عاما فلا مجال للنيل من الحقوق فحتي اضعف الدول الآن تبحث عن حقوق اصحابها ولذلك فمنع جماعة من مباشرة الحقوق السياسية لا يجوز حتي الفرد لايجوز إلا بحكم قضائي نهائي صادر عقابا له علي جريمة ولكن لمدة محددة ولكن استخدامه بهذه الطريقة السابقة ساعد في سقوط مرسي بهذا الشكل السريع. ويؤكد الدكتور حمدي حسن نائب رئيس جامعة مصر الدولية وعميد كلية الاعلام ان العزل السياسي لا ينبغي ان يتم الا بحكم قضائي نهائي واجب النفاذ وفي حدود امور يحددها القانون فليس من المقبول مطلقا عزل كتلة كاملة بعينها والا تحول الامر لنوع من التشفي او الانتقام لاخلاء الساحة لفصيل اخر او جعل الطريق ممهدا له ولهذا يعد إلغاء مادة العزل السياسي من الدستور خطوة جيدة جدا لبناء الجماعة الوطنية الصحيحة وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية لكل العناصر فانا لا انظر الي حزب او فصيل ولا نوصفه بانتمائه السياسي ونحقق ادانة جماعية ولكن يحاسب كل فرد علي حدة وفقا للقانون فلا تبني اي دولة علي اساس سليم الا اذا اعملت القانون في كل جوانبها ولا نفصل مواد بعينها في الدستور لاقصاء فئة او جماعة بعينها فاذا وجدنا شخصا يريد ان يشارك وبامكانه ان يثري الحياة السياسية ويفيد الوطن فلماذا نقصيه اذن فلا يوجد قرار او قانون او حكم قضائي يدين فئة كاملة بعينها واذا كان هناك مخطيء فلماذا لا نحتكم للقانون الذي يدينه بشخصه منفردا ولا يدين جماعته كاملة بالتبعية لمجرد انتمائه لهذه الجماعة لأن هنا سيكون القانون هو الفيصل وليس العزل السياسي الذي يجعلنا نخسر كثيرا. العزل لا يستفيد منه الا من اصدره ولكنه لايعود علي الوطن باي نفع فهو يزيح طرفا لحساب طرف بهدف الوصول الي السلطة او سدة حكم ولكنه يكون حكما بلا ديمقراطية فقضايا العزل السياسي دائما قضايا سيئة السمعة في تاريخ الثورات عموما لانها تحرمنا من خبرات وكفاءات ليس لدينا دليل علي فسادها ولكن يكون الاقصاء عادة مصيرها اما بقرار او ضمنيا. اما الكاتب والمحلل السياسي صلاح عيسي فيشير الي ان العزل السياسي هو جزء من كل النظام السابق واكد انه طالما حذر من الذهاب الي هذا الطريق منذ بدأه الاخوان باصدار قانون غير دستوري اطاحت به المحكمة الدستورية وقضت بعدم دستوريته لانه قانون استثنائي لا يقوم علي اسس ديمقراطية او دستورية صحيحة لان الذين يرتكبون بعض الجرائم فيتم حرمانهم من مباشرة الحقوق السياسية وذلك يتم بحكم القانون ولا اري داع اذن لقانون خاص بالعزل وبعد ذلك اصر الاخوان علي اقرار العزل كمادة انتقالية في الدستور لتحصينه وهي المادة التي اقترحت الغاءها لجنة العشرة. ويشير عيسي الي ان الديمقراطية هي ان نترك العزل السياسي لصندوق الانتخاب من خلال الشعب فهو الذي يقصي من يريد ويوصل المستحق لسدة الحكم اما الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية فيكون لمن ارتكب جرائم وصدر ضده حكم قضائي نهائي في الجرائم المخلة بالشرف. التجربة في مصر اثبتت والكلام مازال لصلاح عيسي أن هناك فصائل من القوي السياسية حازت ثقة الشعب سواء من الاخوان او الشيوعيين ممن قدموا لمحاكمات استثنائية بعد ثورة يوليو52 مما اكد انها تجربة استثنائية غير مقبولة تماما وهذا ما يجعلنا نصر علي ضرورة اعمال القانون والقواعد القانونية العامة لان العزل المطلق هو حكم بالإعدام المدني حيث يسلب من المواطن جميع حقوقه من ترشيح وانتخاب وغيرها دون جريمة مثبتة ومحددة ارتكبها. والسؤال الذي يطرح نفسه اخيرا: كيف نحرم مواطنا او مجموعة مواطنين كنا نطالبهم بدفع الضرائب والتكاليف العامة دون ان يتمتعوا بحقوقهم السياسية واذا كنا قد استطعنا حل الحزب الوطني فلا يعني ذلك فرض العزل علي المنتمين له واذا كنا نستطيع الآن حل جماعة الاخوان الا اننا لا نستطيع فرض العزل السياسي علي كل المنتمين اليها الا بشكل فردي لكل من يثبت تورطه وادانته بحكم القانون.