كان الناس في بر مصر المحروسة في دهشة الصدمة من الاحتلال الذي جثم علي انفاس العباد و البلاد في نفس التوقيت من عام 1903 عندما منحت الحكومة البريطانية المنظمة الصهيونية ستة الاف ميل مربع في شرق افريقيا الا ان الصهاينة الروس لم يوافقوا علي هذه الهبة خاصة انه بالنسبة لهم لا بديل عن فلسطين و القدس تحديدا. يبدو ان المسألة لم تكن مغامرة او حتي أمنية صعبة المنال لبعدها لم تكد تمر عشر سنوات اخري عندما دخل فلسطين ما يقارب الستة آلاف مهاجر يهودي بعد ان وضعت خطة انشاء الجامعة العبرية في القدس وواصلت الوكالة اليهودية في يافا شراءها الاراضي الزراعية تحت رعاية البارون دي روتشايلد اول رئيس شرفي للوكالة و غيره من أثرياء اوروبا و الولاياتالمتحدة فمن يتتبع الزمن يجد ان المسافة الزمنية التي تفصل بين المؤتمر الشهير ببازل بسويسرا في سبتمبر عام1897 الذي طالب فيه الصحفي الطموح تيودور هرتزل بتبني فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين وبدايات القرن العشرين لا تكاد تذكر في تاريخ أي انسان فما بالنا بتاريخ الامم و الشعوب خاصة انها كانت سنوات استباقية للحرب العالمية الاولي التي كانت تعني اول خروج طبيعة للجغرافيا السياسية للمجتمعات المعاصرة. ورغم ان الحرب العالمية الاولي و العهدة علي د. جمال حجر في بحثه القدس- قراءة في كتابات بريطانية معاصرةكانت سببا في توقف أنشطة اليهود بشكل مؤقت الا ان وعد بلفور الذي ابلغه وزير الخارجية البريطاني للورد روتشيلد عام1917 كان بابا جديدا يفتح امام آمال من أرادوا القبض علي مقدرات الاراضي الفلسطينية بل ان مؤتمر السلام بفرساي بفرنسا الذي ارادت مصر من خلاله بحث مسالة الاستقلال كان فرصة كبيرة لغيرها ممن اردوا ان يؤكدوا قبضتهم علي فلسطين و هكذا تتوالي الاحداث فقد نجحوا اخيرا في ان تكون فكرة هذا الوطن كيان يناقش علي ارض الواقع و ان يكسبوا مجالا دوليا في زمن التقسيم لتاتي الثلاثينيات و الأربعينيات بفرص اخري لنجد انفسنا امام مأساة1948 التي اعقبها تطور اخر يعد بمثابة تثبيت الأقدام عندما قررت وزارة الخارجية الاسرائيلية ان تنقل مقرهافي يوليو1953 فيكون هذا اعترافا ضمنيا بنقل العاصمة الي القدس ولهذا لم يكن مستغربا ما حدث في عام1967 و لا اندلاع حريق في المسجدالاقصي علي يدي مهووس منذ اربعة و اربعين عاما يكون سببا في البحث عن خارطة طريق تجمع الدول الاسلامية لحماية مقدساتها و تاريخها تحت مظلة كيان ولد في نهاية الستينات تحت مسمي التعاون الاسلامي و لا علي الجانب الاخر ان تستمرحفريات تحت المسجد الأقصي بحثا عن اثار يهودية تثبت تاريخا آخا و ضربا للهوية العربية للمكان الذي يبدو الأقصي اهم معالمها و المشكلة كما اري ان الناس ومع اختلاف الاحداث و الزمن لايزالون عند فهمهم المحدود لقضية القدس و المسجد الأقصي فما يقابل من تحركات من جانب اسرائيل لا يتعدي معلومات بسيطة تفيد بان المسجد الأقصي اول القبلتين و ثاني الحرمين فلا احد يتوقف عند بعض التفاصيل البسيطة التي لابد و ان تكون جزءا من الذاكرة المصرية ومنها ان الكنعانيين القادمين من الجزيرة العربية في حوالي عام3000 قبل الميلاد كما يقول د فتحي عثمان هم اول من استوطن القدس التي اطلق عليها ارض كنعان والتي سكنها تحديدا اليبوسيون نسبة الي يبوس احد اولاد كنعان وهم مذكورون في سفر التكوين اما مسمي أورشليم فيعني مدينة السلام حيث ان اور باللغة الآرامية وهي من لغات المنطقة العربية التي انتشرت في سوريا و يقال ان السيد المسيح عليه السلام تحدث بها و تعني كلمة اور مدينة و شاليم او سالم بمعني السلام اماالقدس فقد ورد باسم قدستين في كتابات المؤرخ هيردوت و هو ما يؤكد ان هذاالاسم و هذه الكنية معروفة منذ زمن بعيد واذا كان الكنعانيون هم اول من سكن المكان فقد جاء بعدهم العمونيون و الاداميون والاموريون وهم أيضا من القبائل العربية لمصر علاقاتها الوطيدة بجيرانها الشرقيين منذ زمن الفراعنة الذي يعني زمنهم وجود قوي للدولة المصرية ثم علاقتها الدينية الشديدة الاقتراب و الخصوصية من القدس الشريف عندماكان الأقباط يرسلون كمايؤكد د فتحي عثمان الأساقفة الي كنائس بيت المقدس و كان مطران دمياط الأنبا ميخائيل يقوم بالرعاية من قبل اهل الحكم الاسلامي في مصر حيث ان كرسي أورشليم كان تبعا له. كما ان تاريخ المسلمين في القدس لابد ان يقرأ من جديد بداية من العهدة العمرية للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه و ارضاه التي يؤمن فيها اهل المقدس علي انفسهم و ممتلكاتهم والتي تعني اجازة انسانية ان صح التعبير لم تعرفها مواثيق حقوق الانسان التي توصل اليها العالم كنقطة اتزان عقب سنوات طويلة من الحروب و الخلافات و مرورا بإيام صلاح الدين الايوبي الذي إلي الآن لم يحصل علي الاهتمام الواجب به بين العرب.ففي الوقت الذي يكتب فيه الغرب الاف الأبحاث و الرؤي حول هذا القائد الفذ لا يتعدي اهتمامنا به ما ورد في الكتب المدرسية و ايضا الحكام المماليك الذين تعتبر ايام حكمهم هي الأهم في تاريخ المنطقة حيث ان كثيرا من المعالم الاثرية و المعمارية التي بنيت في عصرهم لم تكن إلا نتاجا لروح التسامح و الألفة الذي عرفه هذا المكان اما رحلات الرحالة العرب و خاصة المغاربة الي القدس و الخليل امثال القاضي ابو بكر و الجغرافي الشريف الادريسي و الرحالة ابن بطوطة والوزير ابن عثمان في القرن الثامن عشر فكلها جديرة بان تقرا لانها في النهاية وثائق شديدة الأهمية تثبت تاريخا و مكانة حيث ان للغرب الاسلامي بصمة لا تقل عن ابناء الشرق في العناية بهذه المناطق المقدسة فللقدس حكايات و حكايات نجهلها الي اليوم و للمسجد الأقصي تاريخ يعود الي ادم عليه السلام ويتعدي بلاشك قبابه و اروقته و ماذنه و أسبلته و محاريبه فالمسألة تتعلق بالهوية و الكيان والبشر قبل الحجر. فهل نعيد قراءة اوراق مدينة القدس