مع إعلان السلطات المصرية نجاحها في الكشف عن أبعاد المؤامرة الخارجية التي إستهدفت البلاد من خلال ممارسة العنف مستهدفة الدولة المصرية في سيناء وضد الشعب المصري ذاته تحت غطاء من الشعارات الدينية ارتفعت رايات تنظيم القاعدة لتصاحب أعمال العنف في سيناء وعدة مدن مصرية!!وقد فتحت تلك الظاهرة أبواب التساؤلات حول حقيقة تطور دور تنظيم القاعدة في أفريقيا,وهل أصبح أداة من أدوات تبرير تدخل قوي الاستعمار الخارجي في دول القارة؟!! يمكن تقسيم علاقة القاعدة بأفريقيا بشكل عام وبمنطقة القرن الأفريقي علي وجه الخصوص إلي ثلاثة مراحل. الأولي منها تتعلق بمرحلة الاتصال الأولي ونشر الفكر,والثانية تتعلق بالعمل المسلح الفعلي في المنطقة وبانتشار أعضاء التنظيم بها,أما الثالثة فهي مرحلة الانضمام الرسمي للعمل تحت مظلة القاعدة وهو ما يكون بالاتصال المباشر أو بالمراسلة. أولا:كانت السودان مسرحا لأول ظهور معروف لبن لادن وتنظيم القاعدة في أفريقيا بوجه عام وفي شرق القارة علي وجه الخصوص.فقد بدأ بن لادن تواجده عام1991 بتقمص دور المستثمر ليدخل في مشروعات بموافقة من الحكومة السودانية.ولكن في عام1996 تعرضت الحكومة السودانية لضغوط دولية شديدة بزعامة الولاياتالمتحدة من أجل تسليمه فغادر بن لادن السودان متوجها الي أفغانستان مع أتباعه وأسرهم. وخلال تواجد بن لادن في السودان برز إسم تنظيم القاعدة بوصفه المسئول عن شن هجمات تستهدف خطوط الإمداد الخاصة بالقوات الأمريكية المتوجهة الي الصومال بالإضافة الي دلائل عن إنتشار واسع لفكر التنظيم وتقديم دعم لوجستي للمقاتلين الصوماليين الذين أجبروا القوات الأمريكية علي الإنسحاب من الصومال. ثانيا:في صيف عام1998 تم تحميل القاعدة بالمسئولية عن تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في كل من كينيا وأوغندا بشكل متزامن.وبتفجير فندق يملكه إسرائيلي في كينيا في عام2002 وبعملية فاشلة إستهدفت إسقاط طائرة ركاب مدنية كانت تحمل261 راكبا وقد فر المهاجمون إلي الصومال. ومرت سنوات قبل أن يتم الكشف في عام2006 عن مراسلات سرية بين بن لادن والمقاتلين الصوماليين يحثهم خلالها علي إقامة دولة إسلامية محذرا الغرب من التدخل في الصومال.وبعدها بأيام سيطرت قوات إتحاد المحاكم الشرعية الإسلامية علي العاصمة الصومالية مقديشيو وسط تأكيدات عن دور رئيسي لمقاتلي القاعدة. ومع تنامي الضربات المسلحة الأمريكية الخاطفة ضد قيادات القاعدة في الصومال زادت حدة وشراسة المواجهات ضد القوات الأمريكية في المنطقة بالتزامن مع زيادة شعبية القاعدة وإعلان حركة الشباب المجاهدين المتفرعة من إتحاد المحاكم (الشباب) الجهاد ضد التدخل الأجنبي خاصة مع تزايد تدخل القوات الخارجية من كينيا وإثيوبيا وأوغندا.وفي عام2010 تم شن هجمات داخل الأراضي الكينية والأوغندية. ثالثا:لم يظهر بن لادن تحمسا للإعتراف بحركة الشباب,حتي عندما عبرت الجماعة من جانب واحد عن ولائها له عام.2009 وكشفت وثائق تم العثور عليها بعد مقتل بن لادن أن إحدي رسائله التي يعود تاريخها إلي شهرأغسطس2010, أوردت عدم ترحيب الزعيم السابق لتنظيم القاعدة بإعلان الصومال إمارة إسلامية ولكنه نصح بالإبقاء علي سرية العلاقة مع القاعدة منعا لجذب الإنتباه أو نشوب مصادمات محلية مع الصوماليين بالإضافة لضمان إستمرار حصول الشباب علي التمويل الخارجي دون قيود إضافية. ومع ذلك, كانت هناك إتصالات مستمرة بين الطرفين,وكانت حركة الشباب تتلقي المشورة والتدريب من بعض أعضاء القاعدة وكانت تميل لاعتبار نفسها حليفا للقاعدة لا فرعا للتنظيم الأساسي. وقد أعلنت حركة الشباب في شهر يونيو2011 لأيمن الظواهري عقب توليه زعامة القاعدة بعد مقتل بن لادن,الأمر الذي اعتبره المراقبون بداية انضمام حركة الشباب لشبكة القاعدة العالمية.وجاء رد الظواهري في رسالة معلنا إندماج حركة الشباب مع تنظيم القاعدة رسميا في فبراير.2012وبعدها نظمت الحركة مظاهرات للإعراب عن التزامها بدعم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.وعاد الظواهري يوم11 مايو2012,ليوجه رسالة مصورة دعا فيها الحركة المرتبطة بالقاعدة إلي الإستمرار في القتال وإستخدام أساليب حرب العصابات ضد القوات الأجنبية العاملة في الصومال. وحاليا يمكن تقسيم قادة حركة الشباب إلي فريقين.الأول يضم زعماء ميلشيات عشائرية وطنية أما الثاني فيقوده متشددون متأثرون بفكر القاعدة ويميلون إلي العمل تحت قيادتها. ومثلما حدث في الصومال وعن طريق المراسلات والتأثر بفكر القاعدة ظهرت في الجزائر الجماعة السلفية للدعوة والقتال والتي غيرت اسمها فيما بعد ليصبح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.وقد ظهرت الجماعة كنتاج للصدام السياسي والمسلح الذي اجتاح الجزائر بين الحكومة الجزائرية من جانب والتيار الديني المتشدد الذي أطيح به قبل الوصول إلي السلطة من جانب آخر.وتم إدراج التنظيم في قائمة المنظمات الإرهابية بعد هجمات وتفجيرات داخل الجزائر ضد الشعب الجزائري ذاته. وأثناء الحرب الأهلية في ليبيا عام2011 ظهرت الحركة الإسلامية الليبية التي يعتنق أغلب أتباعها فكر القاعدة ولديهم إتصالات بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ونجحت في أن تكون أبرز المنضمين لجيش التحرير الوطني الليبي أثناء القتال ضد قوات القذافي. وبعد إنتهاء القتال زادت المخاوف من تنامي قوة التنظيم والتنظيمات المشابهة في ليبيا خاصة بعد الدعم والخبرات التي تحصلت عليها من التعامل مع أجهزة أمنية دولية أثناء القتال وحصولها علي أجهزة وأسلحة متقدمة بعد إنهيار نظام القذافي. وفي عامي2012 و2013 لعبت التنظيمات المسلحة التي رفعت أعلام القاعدة في ليبيا ودول المغرب العربي الدور الرئيسي في تعرض شمال مالي لغزو مفاجئ بتدخل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا لإعلان قيام إمارة إسلامية مستقلة في شمال البلاد المسلمة أصلا وهو ما برر تدخل القوات الفرنسية في مالي مدعومة بتحالف دولي في إطار عملية القط الوحشي!! ولعبت تلك الجماعات دورا رئيسيا في حالة عدم الاستقرار بحزام دول الساحل والصحراء بداية من الصحراء الموريتانية غربا مرورا بجنوب تونسوالجزائر وشمال مالي والنيجر(التي قبلت بإقامة قواعد أمريكية علي أرضها تجنبا للمصير الذي تعرضت له مالي المجاورة) والصحراء التشادية وليبيا شرقا. وبدأت بعض الدلائل تشير إلي إنتقال مركز القاعدة من أفغانستان وباكستان إلي اليمن مما يعني أنها باتت أكثر قربا من شرق أفريقيا بوجه عام.وبات أمر تطبيق خطط الفوضي الخلاقة أكثر يسرا.فالأمر لايستغرق سوي مظاهرة عنيفة مزودة بأعلام القاعدة,و جماعة مسلحة تسليحا خفيفا, وبعض السيارات المتفجرة,وحفنة من أعمال العنف لتتدخل القوي الخارجية سياسيا ثم عسكريا إيذانا برسم خريطة جديدة للدولة الفريسةبل وللمنطقة بأسرها!! ولكن يظل تماسك الشعب واتحاده هو العنصر الرئيسي الذي يقي الدول شر التدخلات الأجنبية بكافة أشكالها بداية من المؤسسات الدولية ووصولا إلي تنظيمات دولية مسلحة مثل القاعدة.