جهود لا تكل ولا تمل منذ سنوات طويلة لتحقيق هدف واحد; لمنفذيها هي الأسمي ولأصحابها الحقيقيين هي الطامة الكبري لامحالة. إنها مساعي إسرائيل لتهويد القدس. وهي تأتي ضمن مخططات عديدة لتفريغ محيط المسجد الأقصي من ابنائه الحقيقيين ومحاولة تغليب الوجود الإسرائيلي مكانهم, وفي إطار الهجمة الإسرائيلية علي القدس بهدف تهويدها وعزلها عن محيطها الفلسطيني. وجاء آخرها قبل أيام عندما أعلنت مؤسسة الاتحاد الأمريكي اليهودي في نيويورك المعروفة عن تخصيص مبلغ541 مليون دولار لدعم مشاريع خاصة بها وبحلفائها في القدس أو بعبارة اخري ما سيسفر عن تهويد المدينة المقدسة. وهذا المبلغ هو فقط ما جمعته المؤسسة اليهودية في عام واحد من الولاياتالمتحدة وحدها كما أن هناك31 منظمة يهودية أخري مختصة في بناء الهيكل وتهويد القدس ولكل واحدة منها مصادرها المالية ودورها الخاص بها. المد الاستيطاني, مصادرة الأراضي, التهجير, سحب الهويات, إصدار القوانين الملتوية; جميعها وسائل التهويد التي تعتمدها السلطات الإسرائيلية منذ عقود لمحاصرة القدس وتضييق الخناق علي أهلها, والهدف واحد:' القدس: عاصمة إسرائيل الأبدية'. وكما قال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في خطابه الشهير أمام الأممالمتحدة في2011: علي الفلسطينيين الإعتراف بحقنا التاريخي في القدس, هم يتحدثون عن تهويد القدس, وهذا أشبه بإتهام أمريكا بأمركة واشنطن, أو الإنجليز بانجلزة لندن. وهذه المحاولة الجديدة ليست الأولي ولن تكون الأخيرة وأشكال التحايل متعددة; فالتهويد اليوم, كما يصفه المحللون الفلسطينيون, ينتشر في شكل دائري ويهيمن علي القدس بأكملها ويتسع بخطي سريعة تعكس التغافل العربي والإسلامي عما يراد بأولي القبلتين. وإلي جانب استمرار البناء الاستيطاني وتصاعد وتيرته يوما بعد يوم واستكمال جدار العزل العنصري, ومواصلة التلاعب بالوجود الديموغرافي العربي في المدينة وضواحيها, تستمر أعمال الحفر والتخريب تحت القدس والمقدسات, وتتواصل الاقتحامات المستمرة للأقصي, وفرض سياسة الأمر الواقع, والتقسيم الزمني عليه. وفي شهر يونيو من العام الحالي, أعلنت منظمة السلام الآن الإسرائيلية أن نسبة إطلاق عمليات البناء في مستوطنات الضفة الغربية, خلال الفصل الأول من العام الجاري, هي الأعلي منذ7 سنوات. وقبل أيام, وضع كل من وزير الإسكان الصهيوني أوري أريئيل, ورئيس بلدية القدس نير بركات حجر الأساس لحي يهودي جديد علي أطراف جبل المكبر جنوبالقدس علي بعد عشرات الأمتار شمال شرق المسجد الأقصي, في موقع داخل أسوار البلدة القديمة بالقدس, بالقرب من باب الساهرة. و رصد تقرير الإستيطان الأسبوعي الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الإستيطان في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ما أسماه التفاهمات السرية التي يعقدها الوزراء الإسرائليون للتوسع في بناء المستوطنات, وأوضح التقرير انه لا يمر يوم دون الإعلان عن مصادرة أراضي وهدم مساكن أو إخطارات بالهدم كان آخرها السعي لإخلاء8 قري فلسطينية جنوب الخليل بالضفة الغربية. وآخر التطورات الخطيرة وغير المسبوقة هي مطالبة الكنيست بفتح جميع أبواب المسجد الأقصي أمام المصلين اليهود لأداء صلواتهم وطقوسهم في الأقصي مدة شهر كامل لتضع بذلك السلطات الإسرائيلية اللمسات الأخيرة علي تهويد الأقصي والاستحواذ عليه عن طريق إصدار قرارات ووضع قوانين تحدد علاقات كل من المسلمين واليهود به. وهناك اليوم عدة مشاريع قوانين مقدمة للكنيست بخصوص الأقصي منها ما يهدف الي اتباع الأقصي لوزارة شئون الاديان الإسرائيلية ومنها ما يسعي إلي تحويل ساحات واسعة من الأقصي إلي حدائق عامة. وبمعني آخر, فإن الكنيست اليوم وبمؤازرة القوي المتطرفة يسعي إلي تقنين سياسة الأمر الواقع وفرض التقسيم الجغرافي والزمني للأقصي بين المسلمين واليهود علي غرار ما تم فرضه بالقوة علي الحرم الابراهيمي في الخليل. واستمرار الواقع الحالي علي ما هو عليه يعني انتصارا ساحقا لإسرائيل في معركة القدس والمقدسات لأن السلطات الإسرائيلية ما زالت هي المتسابق الوحيد في الميدان, وهي التي تتحكم في مجريات المعركة التي تدار من طرف واحد دون أن تجد أدني إزعاج من العرب والمسلمين. وإذا كانت اسرائيل تصر علي أن توجه كل يوم ضربة لعملية السلام وتستغل مفاوضات السلام لتنفيذ مخططات التوسع الاستيطاني وتهويد القدس فإن ذلك يستوجب وقفة جادة مع الذات من جهة ومطالبة الولاياتالمتحدة كذلك بتوضيح موقفها ازاء هذه الممارسات. وصمود أبناء القدس والتصدي لمشاريع التهويد لا يمكن أن يتحقق بالكلام والتمنيات, وإنما لا بد له من دعم مالي مشابه ومستمر وإرادة موحدة حتي تنتصر القدس في معركة بقائها. وفي ظل استمرار الغياب شبه الكامل للمال العربي والإسلامي وفي الوقت الذي تغيب فيه القدس عن أعين العرب والمسلمين بسبب الأحداث والصراعات المريرة الجارية علي الساحة العربية, أصبحت اليوم مهمة المال اليهودي المتدفق إلي القدس أكثر سهولة. وسرعان ما تتلاقي جهود هذه المنظمات اليهودية بجهود حكومة إسرائيل في سبيل إنجاز ما تبقي من تهويد القدس والمقدسات.