كان أبو بكرالصديق نموذج الاقتداء في صدر الاسلام وكان عمر بن الخطاب نموذج الاجتهاد.. وكلاهما كان يحب النبي ويطيعه ويحرص علي تعاليمه ولكنهما في ذلك في طريقان يتوازيان. السطور السابقة تحيلنا الي جانب مهم من جوانب فن كتابة السيرة والمنهج الذي يتبعه العقاد في تحليل الشخصية محل التحقيق وخلال الاسابيع الماضية قدمنا استعراضا سريعا لنشأة وتطور فن كتابة السيرة وتحليل شخصية الخلفاء الراشدين من خلال ماكتب عنهم واليوم نقدم المزيد من قراءات كتاباتنا حول مادونته الاقلام العربية والغربية عن شخصيات الخلفاء رضوان الله عليهم.. يقول د. طاهر مكي في سياق تحليله لعبقريات العقاد وإن بينهما في ذلك لفرقا لطيف المأخذ عبر التمييز هو أن حب أبي بكر لشخص النبي( صلي الله عليه وسلم) هو الذي هداه الي الايمان بنبوته وتصديق وحيه, وأن اقتناع عمر بنبوة محمد( صلي الله عليه وسلم) هو الذي هداه الي حبه والولاء له. ولهذا كان أبو بكر صاحبا أمن بصاحبه. وكان عمر عدوا رده الاقتناع الي مودة الرجل الذي كان ينكره ويعاديه ابو بكر أول المقتدين, وعمر ثاني المجتهدين, وبذلك يتكافآن. ويمضي العقاد موضحا مواقف أبي بكر المختلفة, يردها الي عوامل نفسية ومزاجية مستعينا في توضيح ذلك بموازنات بينه وبين عمر فيما يتصل بهذه المسألة او تلك, موضحا اختلاف موقفهما في البدء من خبر وفاة الرسول, ومن حروب الردة, ومسألة خالد بن الوليد, ومسألة الأعطية والنوافل للمؤلفة قلوبهم ولغيرهم من عامة المسلمين. ويمضي العقاد كما يقول د. مكي في استقصاء علل الخلاف بين الصاجين في كل مسألة من تلك المسائل, فإذا هي خلاف بين قوتين من نوعين مختلفين. ويشير الأديب مصطفي نصر الي ما كتبه عباس محمود العقاد عن عمر بن الخطاب قائلا: كان عمر حكيما وسياسيا بارعا وقد رأي أن تظل قوات المسلمين بعيدة عن المدن وتعيش في ثكنات. ولم يفرض عمر الاسلام علي أحد بالقوة مما يؤكد أن حروبه كانت حروبا قومية ولم تكن حروبا دينية توسعية. فعندما فتح مصر لم يفرض الاسلام علي سكانها الأقباط. وفي مرآة الغرب يقول الشاعر جابر بسيوني: كان كتاب المائة الأوائل للكاتب مايكل هارت كتاب منصفا للسيرة النبوية وشخصية سيد الخلق سيدنا محمد العادلة وأيضا منصفة وشاهدة علي عظمة الخلفاء الراشدين بذكره شخصية الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الترتيب الحادي والخمسين ضمن المائة شخصية.. كما شهد كتاب الغرب في كتبهم لخامس الخلفاء الراشدين الخليفة عمر بن عبدالعزيز في سياسته الرشيدة في معاملة الفقراء والأخذ من الأغنياء .. وهكذا تحدث المستشرقون يقول د أشرف نجا الاستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس: لقد خاض المستشرقون في مجريات الأحداث التي وقعت في عهد الخلافة الراشدة, ولم تسلم كتاباتهم من الزيادات والتفسيرات الباطلة لبعض الأحداث والمواقف, وهي أخبار تحتاج الي مزيد من الدراسة والمناقشة والتنقيح والتصحيح, أو أن المستشرقين أنفسهم الذين سعوا حثيثا الي استنباط أفكار وتصورات في الثقافة الغربية تقدح في صورة الإسلام, ونذكر منها علي سبيل المثال هنا أهم قضية في تاريخ الدولة الإسلامية, وهي قضية انتخابات الخليفة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم, حيث يقول المستشرق الألماني يوليوس فلهوزنwellhausen( ت1918 م) في كتابه( تاريخ الدولة العربية من ظهور الإسلام الي نهاية الدولة الاموية) ترجمة د. محمد عبدالهادي أبو ريده, ومراجعة د. حسين مؤنس( ص34): ولما توفي أبو بكر بعد فترة قليلة تولي الخلافة عمر, فصارت له الرياسة من حيث الاسم أيضا, وقد عهد إليه أبو بكر بالخلافة في وصية قبل موته. ولكن هذه الوصية لم تكن من جانب أبي بكر أكثر من إقرار لشيء طبيعي. وكان أبو بكر وعمر يعلمان أنهما لم يتوليا الخلافة بفضل حق شرعي, بل من طريق الاغتصاب, وهما لم يستطيعا أن يسبغا علي رياستهما التي كانت غير شرعية في أول الأمر ثوبا شرعيا إلا فيما بعد, وهذا كلام شديد السخافة والافتراء, ويفتقد الي التجرد والمنهج العلمي. د. حسام عقل الناقد الأدبي والباحث في الدراسات الأسلامية يقول: لا شك أن المستشرقين لم يكونوا كتلة واحدة ولا طيفا واحدا في التعامل مع سيرة الخلفاء الراشدين وتاريخهم وسياساتهم, فثمة من المستشرقين من تعامل بقدر من الحياد مثل( بروكلمان) الذي حاول أن يظهر في كتاباته مظاهر الإبداع الأدبي في هذا العصر وفيما تلاه من العصور بعد فترة الخلافة الراشدة. وهنالك مستشرقون تعاملوا مع تاريخ الخلافة الراشدة بقدر كبير من الانحياز الفج والرؤي المسمومة مثل بلاشير المستشرق الفرنسي. لقد وجدنا مستشرقا شديد الحقد مثل( لامانسي) يري أن بيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة لم تكن أكثر من مؤامرة سياسية دبرها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة رضي الله عنهم في حياة النبي صلي الله عليه وسلم. ونسي هذا المستشرق الموتور أن بيعة السقيفة قد عرفت أرقي أشكال الشوري والترجيح في الاختيار بتصويت الأغلبية وهو ما قربه بقوة من الآليات الديمقراطية المعاصرة في الترجيح في الاختيار, حيث اختار الانصار سعد بن عبادة واختار المهاجرون أبا بكر وبعضهم اختار عليا في أرقي مشاهد الأداء السياسي الناضج الرفيع. ويقول د. أيمن فؤاد سيد استاذ التاريخ الأسلامي: عندما بدأ الغرب في التعرف علي الشرق الإسلامي كانت البداية هي جمع الانتاج الفكري للعالم الإسلامي ممثلا في العديد من المخطوطات التي تذخر بها الآن المكتبات الأوروبية. وقبل إعداد الدراسات المختلفة التي اضطلعت بها محكمة الأستشراق منذ نهايات القرن الثامن عشر للميلاد بدأوا في نشر المصادر الأولي التي تناولت أولا عصر صدر الاسلام والخلافة الراشدة. فنشر ويستنفلد سيرة ابن هشام سنة1860 م وقدم يوليوس فلهاوزن نشرة لكتاب المغازي للواقدي(1882 م), ونشر سخاو وآخرون كتاب الطبقات الكبري لمحمد بن سعد الذي يترجم للصحابة والتابعين(1905 1940 م) ونشر المستشرقون كذلك أهم مصدر يؤرخ للقرون الإسلامية الأولي وهو تاريخ الرسل والملوك للطبري(1901 1979 م) اضافة الي مصادر مهمة أخري قامت علي أساسها الدراسات المهمة التي قام بها المستشرقون عن فترة صدر الإسلام والخلافة الراشدة التي أشير فيما يلي الي الدراسات المهمة بينها ممتلئة في دراسة شبرنجر عن حياة محمد وتعاليمه, ودراسة جودفري ديمومبين ومونتجمري وات نجوات محمد في مكة. أما فترة الخلافة الراشدة فكتب عنها سخاو ولامانس دراسات عن الخلفاء الراشدين الأوائل: أبي بكر وعمر بن الخطاب(1910 م), وكتبت لبكيا فاليري مقالا مهما عن الصراع بين علي ومعاوية وثورة الخوارج(1932 م). ولكن أهم الدراسات التي سجلت تاريخ هذه الفترة هي دون شك كتابات يوليوس فلهوزن: قيام الدولة العربية وسقوطها وأحزاب المعارضة السياسية في الاسلام: الشيعة والخوارج, وتمتاز دراسات فلهوزن بأنها تقدم دراسة نقدية لمصادر الطبري أهم مصدر متكامل قديم وصل إلينا. كما أن المقالات المتخصصة الحديثة التي اشتملت عليها سواء دائرة المعارف الإسلامية في طبعتها الأولي(1913 1934 م) أو طبعتها الثابتة(1954 2002 م), بدراسات متخصصة كتبها متخصصون في دراسة صدر الإسلام وعصر الخلفاء الراشدين اعتمادا علي المصادر الأصلية التي نشرت طوال القرن العشرين. وتقدم أغلب هذه المساهمات وجهة نظر الاستشراق الغربي في دراسة التاريخ المبكر للشرق الإسلامي ويتسم أغلبها, بالموضوعية والمنهجية العلمية. فيما عدا استثناءات قليلة, وأصبحت بذلك مراجع لا غني لمن يتصدي لدراسة هذه الفترة من التاريخ الإسلامي.