يأتي عيد الفطر هذا العام متزامنا مع فصل الصيف المعروف بأمطاره الموسمية الصيفية وسيولها الغزيرة التي تضرب عددا من الدول الإفريقية ومنها منطقتا شرق تشاد وغرب السودان المحيطة بإقليم دارفور المنكوب مخلفة آثارها التي تتعاظم في ظل تواجد مئات الألوف من النازحين واللاجئين في العراء دون أن يلوح في الأفق حل للقضية والعودة إلي الديار علي الرغم من مرور أكثر من11 عاما علي بداية الأزمة التي خلفت نحو1.7 مليون من النازحين داخليا في دارفور, في حين يستضيف شرق تشاد نحو ربع مليون لاجئ سوداني في12 مخيما. تحت السيول العفو وعافية لفظتان للتهنئة بالعيد وفي أي مناسبات تمر علي لاجئي دارفور ونازحي تشاد, قد تسمعهما عشرات المرات في تكرار اعتيادي بين الجميع دون قدرة علي الفرح بالعيد والاستعداد له في ظل ظروف معيشية صعبة من حيث انخفاض مخصصاتهم الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي من خلال مفوضية الأممالمتحدة السامية لشئون اللاجئين دون توفير فرص للزراعة الآمنة, والسيول التي دمرت مساكنهم المتهالكة المصنوعة من بقايا خيام وأعواد الحطب والقش التي لا تصمد طويلا أمام السيول المعتادة, فضلا عن انعدام الدخل الذي يأتي غالبا من بيع منتجات محلية أو الخدمة مقابل أجر لتوفير بعض جنيهات سودانية أو بضعة فرنكات وسط أفريقية وهي العملة المتداولة في تشاد لشراء بعض المستلزمات ومنها الحلوي التي تصنعها النساء ويبعنها علي قارعة الطريق, حيث تتكفل الهيئات الدولية بتقديم الاحتياجات الأساسية من دقيق وسكر وزيت, بينما يقع علي اللاجئ توفير ما يتيسر من خضراوات أو لحوم أو ملابس أو غيرها, وهو ما يدفعهم للتساؤل عن الدعم العربي والإسلامي, الذي يأتي متقطعا من أهل الخليج العربي ولا يتجاوز في أغلب الأحوال بناء المساجد وحفر الآبار, وتعود تلك الموسمية للتجاهل الإعلامي لسكان تلك المناطق البائسة التي لا يصلها إرسال ولا يهتم بها مراسلون ولا يعرفها أحد. في المخيم علي امتداد الحدود شرق تشاد غرب السودان تمتد مخيمات اللاجئين السودانيين القادمين من دارفور, وحولهم تتناثر نقاط تجمع النازحين التشاديين وغالبيتهم من أصول إفريقية, يجتمعون فجر العيد حول مسجد مصنوع من أعواد الحطب والبوص يخصص فناؤه المتواضع لعدد قليل من الرجال كبار السن, بينما تؤدي النساء الصلاة خارج حدوده الوهمية لينهين علاقتهن بصيام رمضان بالإفطار علي قليل من ماء وكوب من الشاي يجمعهن حول حكايات الألم والأمل في مخيمات تعج بالأطفال الذين لا يجدون وسيلة للاحتفال بالعيد سوي ضجة يفتعلونها بعد صلاة العيد لساعة أو ساعتين قبل أن تصل درجة الحرارة إلي الخمسين ويزيد, وهو ما لا يمنعهم من الركض شبه عرايا خلف كرة مصنوعة من الورق أو سيارة زائرة تحمل في الغالب عاملين في الهيئات الدولية, الذين جاءوا لأداء مهمات محددة, بينما يطاردهم لفظ نصاري أينما حلوا علي لسان أطفال المخيمات, وهو وصف يطلقونه علي كل من اختلف لون بشرته, وهو لفظ اعتاد سكان تلك المنطقة إطلاقه علي كل غريب مختلف من حيث لون البشرة دون أن يعني ذلك تصنيفا أو توصيفا. ولا يملك الكبار من أبناء تلك المنطقة الحدودية المنكوبة في أيام أعيادهم سوي اجترار ذكريات قراهم البعيدة التي تم إحراق أكواخها وتجريف زرعها وطمر آبارها في بعض الأحيان, والتي لا يستطيعون العودة إليها لغياب الأمن والأمان نتيجة لتناحر القبائل المتناحرة حول السلطة وفرض السيطرة في المنطقة الحدودية والتي تأثرت بالوضع الشائك بين نظام عمر البشير السوداني الذي يرفع شعار الإسلام السياسي المتشدد ممتزجا بنعرة عربية استعلائية ضد نظام إدريس ديبي التشادي الإفريقي الجذور المدعوم من فرنسا التي ما زالت تحتفظ بقاعدة رئيسية في أبيشة عاصمة شرق تشاد ذات الغالبية المتصوفة. حلم كل عيد في زيارتي لتلك المنطقة في مهمة عمل طويلة لم أجد ردا علي سؤالي عن أحلام النساء اللاجئات والنازحات سوي رغبتهن في العودة إلي الديار والائتناس بالرمال التي يعرف أهلها اتجاهها رغم أنها لا تختلف كثيرا عن الرمال المحيطة بهن في مخيماتهن, وتظل العودة للعيش بأمان حلما يراود الأمهات اللاتي لم يتوقفن عن إنجاب أطفال يحملن أسماء الأجداد ويحملن تعويذات الجدات الملفوفة بقطع الجلد لحمايتهن من الشرور والأحزان التي ما زالت تحيط بالجميع رغم مرور11 رمضان بعيدا عن تراب الوطن.